الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٧ - الخميس ٣١ مايو ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


هذا ما ينتظره الشعب المصري من رئيسه القادم؟





تداعى المصريون على مدى يومي ٢٣ و٢٤ مايو ٢٠١٢ للمشاركة في أول انتخابات رئاسية بعد الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك وقد أفرز التصويت ترشح مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي الذي سينافس في الجولة الثانية، المزمع إجراؤها في منتصف شهر يونيو ٢٠١٢، أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء قبل تنحي حسني مبارك يوم ١١ فبراير .٢٠١١

منذ سنة ١٩٥٣ ؟ أي منذ العام الذي تحولت فيه مصر من ملكية إلى جمهورية ؟ لم تعرف أرض الكنانة سوى حكام عسكريين دكتاتوريين بملابس مدنية. أما اليوم فإن الثورة التي أطاحت بحسني مبارك لم تنجح حقا في إنهاء الحكم العسكري.

شارك في الانتخابات الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى ـ الذي عمل أيضا وزيرا للخارجية في عهد حسني مبارك ـ وقد اتخذ موقفا حياديا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والمؤسسة الأمنية، كما أنه سعى إلى النأي بنفسه عن النظام القديم لكن من دون جدوى.

لا شك أن الرئيس القادم سيواجه تحديات جسيمة تجعله في أمس الحاجة إلى ماكينة سياسية ذات بعد وطني تشمل البلاد بأكملها. أما الأطراف التي تمتلك القدرة على لعب مثل هذا الدور فهي تشمل بقايا النظام السابق من ناحية وجماعة الإخوان المسلمين من ناحية أخرى.

لا شك أن النخبة العسكرية سوف تطالب بالحصانة التي تحميهم من أي ملاحقة قضائية، وهو ما سيحصلون عليه إذا ما وصل أحمد شفيق إلى سدة الرئاسة، أما إذا ما فاز محمد مرسي بالانتخابات فإن المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية سيسعى بكل السبل إلى اإبرام صفقة مع الرئيس الإخواني القادم.

لم يتم حتى الآن وضع الدستور المصري الجديد، لذلك فإن التساؤلات تطرح على نطاق واسع حول الصلاحيات الفعلية التي سيتمتع بها الرئيس القادم. لا يعرف المصريون ما إذا كان النظام الجديد سيركز الكثير من السلطات بأيدي الرئيس (نظام رئاسي) أو بأيدي رئيس الحكومة (نظام برلماني). بعبارة أوضح لا يعرف الناخبون المصريون ما إذا كان الرئيس الذي سيختارونه سيكون قادرا على تنفيذ الاصلاحات السياسية اللازمة.

لقد ظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية يحاول قدر الإمكان إدارة الانتخابات وتوجيهها في اتجاه معين، من ذلك أنه لعب دورا كبيرا في إقصاء عدة مرشحين من السباق الانتخابي لأسباب مختلفة.

في منتصف شهر ابريل ٢٠١٢، أصدرت اللجنة الانتخابية ؟ التي اختير أعضاؤها بموافقة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ؟ قرارا باستبعاد المرشح السلفي المتشدد صلاح أبواسماعيل والقيادي في حركة الاخوان المسلمين المليونير خيرت الشاطر. كذلك فضل المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية حيث إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يترك له من خيار آخر.

يعتبر القيادي الإخواني ورئيس حزب الحرية والعدالة الدكتور محمد مرسي أقل شخصية كاريزمية غير أن ذلك لم يمنعه من تصدر المرشحين والتأهل للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في منتصف الشهر القادم. لقد استقر رأي السلفيين على دعم القيادي الإخواني السابق الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذي سعى إلى استقطاب الليبراليين والإسلاميين المعتدلين.

أما من الجانب العلماني فقد قال المرشحان عمرو موسى وأحمد شفيق في حملتيهما انهما يريدان الدفاع عن مقومات الدولة المصرية الحديثة وتكريس الأمن وسيادة القانون وتحقيق الاستقرار مع إنجاح الانتقال الديمقراطي الحقيقي. أما الديمقراطيون الإصلاحيون الذين لعبوا دورا كبيرا في الثورة التي أطاحت بحسني مبارك فهم يعتبرون أن عمرو موسى وأحمد شفيق الذي ترشح للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لا يمثلان الخيار الأمثل غير أنهما قد يسهمان في التصدي لصعود الاسلاميين.

بقطع النظر عمن سيفوز في جولة الإعادة ويصبح رئيسا لمصر فإنه سيواجه أزمة شرعية وسيكون عليه العمل من دون هوادة من أجل إقناع الشعب بأنه سيتعامل مع كل التشكيلات السياسية على قدم المساواة. إذا ما افترضنا أن الرئيس المصري القادم ستكون له صلاحيات حقيقية فيجب عليه عندها أن يركز كل جهوده من أجل صياغة دستور حديث يشمل الإسلاميين والعلمانيين على قدم المساواة مع العمل على حماية حقوق المرأة والأقليات المذهبية، إضافة إلى الهدف الأسمى ألا وهو بناء دولة مصرية حديثة وديمقراطية حقيقية.

سيتعين على الرئيس المصري الجديد العمل على كسب أهم الدوائر السياسية: الواحدة تلو الأخرى حتى يعمل بأريحية كبرى. سيتعين عليه أيضا أن يحسن إدارة العلاقة مع المؤسسة العسكرية القوية مع التأكد أن واشنطن وبقية القوى الأجنبية الأخرى لن تتعامل إلا مع الحكومة المدنية المنتخبة في مصر.

بطبيعة الحال يمكن للولايات المتحدة الأمريكية وبقية حلفائها أن يقيموا علاقات عسكرية كالعادة لكن يتعين على هذه الأطراف الخارجية أن تحترم تماما مبدأ الفصل بين السلطات داخل مصر.

في اواخر التسعينيات من القرن الماضي سعى الجيش التركي إلى الالتفاف على القنوات الدبلوماسية المناسبة في التعامل مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون على أمل الحصول على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على القيام بانقلاب عسكري على الحكومة الاسلامية لكن من دون جدوى.

بهذه الطريقة سينجح الرئيس المصري القادم في كسب الشرعية الدولية غير أنه سيواجه في الداخل تحديات جسيمة تتعلق ببناء وتعزيز مؤسسات الدولة مع ضمان الفصل بين السلطات واحترام الدستور الجديد.

إذا ما فشل الرئيس الجديد في وضع المؤسسة العسكرية في دورها المحدد ؟ بطريقة يقبل بها جنرالات الجيش أيضا ؟ فإن مصر قد تظل تعاني استمرار حالة انعدام الاستقرار.

* كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة