الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٨٨ - الجمعة ١ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


قارب الإحسان إلى الجار





تعجب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشد العجب من إلحاح جبريل (عليه السلام) في الوصاية بالجار حتى ظن الرسول (عليه الصلاة والسلام) أن الجار كاد أن يكون واحدا من العائلة يحق له ما يحق لها من ميراث، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) متفق عليه.

نعم، تعجب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من هذا الاهتمام الكبير بالجار حتى ظن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه صار واحدا من الورثة الذين يستحقون نصيبا مفروضا من الإرث.

لذلك نجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد ما سمع ذلك من جبريل (عليه السلام) نراه يشدد النكير على من لا يأمن جاره بوائقه وشروره، قال (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه أبوهريرة رضي الله عنه، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن) قيل منْ يا رسول الله؟ قال: (الذي لا يأمن جاره بوائقه) متفق عليه.

ويرى الإسلام أن الإحسان إلى الجار من كمال إيمان المؤمن، واستحقاقه حمل هذا الوسام الرفيع، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت) رواه مسلم بهذا اللفظ، وروى البخاري بعضه.

نعم، هذا هو الجار في الإسلام، وهذه هي منزلته عند الله تعالى، وعند رسوله (صلى الله عليه وسلم) ومن أراد الفوز في الآخرة، والسعادة في الدنيا، فليحسن إلى جاره، وليأمن جاره بوائقه وشروره، وليحافظ على مودته، وليرعَ حقوقه.

ولقد بيّن الإسلام بعض هذه الحقوق للجار على جاره، كما ورد ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حديثه الذي رواه الطبراني حيث قال: (حق الجار إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن افتقر أقرضته، وإن أعوز سترته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، ولا ترفع بناءك فوق بنائه، فتسد عليه الريح، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها).

هؤلاء الذين يحسنون إلى جيرانهم، ولا يسيئون إليهم، ويرعون حقوقهم ويشاركونهم في السراء والضراء، ويسارعون إلى نجدتهم، وإلى مدّ يد العون إليهم، هؤلاء هم أصحاب وركاب قارب الإحسان إلى الجار، وهم وحدهم المخولون بالصعود على ظهره، ولا يسمح لأحد غيرهم بذلك.

هو قارب صنع خصيصا لهم، ولا يركبه إلا من جعل لجاره نصيبا مفروضا فيما يملك، وجعل له من الرعاية والعناية النصيب الأكبر.

بل إن الإسلام قسم الجيران إلى ثلاثة أقسام: فجار له ثلاثة حقوق، وهو: الجار القريب المسلم، له حق القرابة، وحق الجوار، وحق الإسلام.

وجار له حقان: حق الجوار، وحق الإسلام.

وجار له حق واحد، هو: حق الجوار فقط.

وبهذه النظرة الشمولية، المستوعبة صار المجتمع الإسلامي مجتمعا متكافلا بين جميع فئاته حتى من كانوا على غير دين الإسلام، وهذا اعتراف ضمني واضح الدلالة من الإسلام بحقوق المواطنة التي شاع ذكرها واستخدامها في هذا العصر.

إذاً، فستجد أن ركاب قارب الإحسان إلى الجار كلهم ممن اعترف بحقوق المواطنة لغيره، وسعى إلى تحقيقها في تعامله مع الناس من دون أن يلتفت إلى جنسهم أو دينهم أو لسانهم، فهم إما إخوة له في الدين، وإما إخوة له في الإنسانية.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة