الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٣ - السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين


الشيخ علي مطر: علينا بالعمل الصالح والتوبة





قال الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة بمسجد أبي بكر الصديق:

هذه وقفة مع حديث نبوي شريف أخرجه الإمامان الحاكم والطبراني وحسن إسناده المنذري والهيثمي والألباني من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه, قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم, فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ, عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ, وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ, وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ.

هذا حديث عظيم وموعظة بليغة تذكرنا بعدة حقائق ومسلّمات ربما غفلنا أو تغافلنا عنها:

بدأ جبريل عليه السلام في موعظته للنبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذكر الموت لأنه من أفظع ما يلقاه الإنسان على الغالب، فقال: «عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ».

فمهما طالت أعمارنا فالموت ينتظرنا ويترقبنا وهذه حقيقة لا مناص منها ولا مفر ويشترك فيها جميع البشر، والفرق بينهم بالإيمان والعمل لما بعد الموت.

كما قال الله تعالى: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ».

وقال سبحانه: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ».

وعن أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ».

فهذا الانتقال من الحياة بالموت يحتاج منا إلى استعداد بالعمل الصالح والتوبة المستمرة لأنه يهجم فجأة ويأتي بغتة في أي مكان من دون استئذان ولا سابق انذار ومن دون تأخير ولا دفع ومقاومة.

قال الله تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ».

«حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ, لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ».

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ, وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ, وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ».

إن للهِ عباداً فُطنا تركوا الدنيا وخافوا الفِتَنَا

نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحيٍّ وطنا

جعلوها لُجةً واتخذوا صالح الأعمال فيها سُفُنا

أما الحقيقة الثانية فقول جبريل عليه السلام: «وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ».

أي أننا لا محالة سوف نفارق بالموت أو غيره كل من أحبباه في الدنيا من والدين وزوجة وأهل وأولاد وأصدقاء.. كما أننا سوف نفارق كل الأشياء التي نحبها من مال ومنصب وعقار وقصور وبيوت وبساتين وكل أنواع المُتع والملذات.

وفي الحديث: «يتبعُ الميتَ ثلاثةٌ، أهلُهُ ومالُهُ وعملُهُ، يرجعُ أهلُهُ ومالُهُ ويبقى عملُهُ».

وإلى الحقيقة الثالثة في موعظة جبريل: «وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ».

فلننتبه لأعمالنا التي سوف تغادر معنا بعد أن نترك المال والأحباب، هل تركنا أعمالا حسنة تنفعنا في الدنيا والآخرة وتنفع من حولنا والمجتمع الذي نعيش فيه، أم أننا تركنا أعمالا سيئة وشرا وفسادا يضرنا ويضر الآخرين.

قال تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ».

«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ, وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه».

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال الله تعالى: «... يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أُوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه». أي الجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا.

غداً توفى النفوس ما عملت ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم وإن أساؤوا بئس ما صنعوا

وبعد أن ذكر جبريل عليه السلام الموت وفراق الأحباب والمجازاة على العمل أردفه ببيان شيء من الطاعة مما ينفع مع تلك الأهوال فقال: «يَا مُحَمَّد شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ».

شرف المؤمن أي رفعته وعلوّ منزلته قيامه الليل بدوام احيائه بالتهجد والذكر والتلاوة، وعدم تضييعه باللهو ونحوه، وهذا بيان لشيء من العمل المشار إليه بقوله اعمل ما شئت.

وأخيرا قال مبينا فضل عزة النفس: «وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ»، فبين الشرف والعز ترابط وصلة، قال العلماء ولما كان الشرف والعز أخوين ذكر ما يحصل به العز فقال: وعزه استغناؤه أي قوته وعظمته اكتفاؤه بما قسم له عمّا في أيدي الناس. قال الإمام الغزالي رحمه الله: ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن فهو ركيك العقل ناقص الإيمان، ففي القناعة العز والحرية، ولذلك قيل استغن عمّن شئت فأنت نظيره واحتج إلى من شئت فأنت أسيره.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة