الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٣ - السبت ١٦ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٦ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الدكتور آل محمود يتحدث عن ذكرى الإسراء والمعراج ويقول:

إنهما تثبيت للمؤمنين وإقامة للحجة على الكافرين





في خطبته ليوم الجمعة بجامع عائشة أم المؤمنين بالحد أمس تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف محمود آل محمود عن «اليوم العالمي للمسجد الأقصى وفلسطين المباركة هو ذكرى الإسراء والمعراج».. وفيما يلي نقدم نص الخطبة:

يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».

زمن حدوث الإسراء والمعراج

كانت حادثة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بأشهر أو بسنة أو بسنة ونصف السنة على اختلاف الروايات، إذ أسرى الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى السموات العلى إلى سدرة المنتهى كما جاء النص على ذلك في سورة الإسراء وفي سورة النجم.

فماذا يعني الإسراء والمعراج للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين به ولغير المؤمنين به في وقته؟

وماذا يمثل الإسراء والمعراج لأمة محمد (ص)؟

الإسراء والمعراج معجزتان مثل المعجزات للأنبياء السابقين

الإسراء والمعراج بالنسبة إلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كانتا معجزتين من معجزات الله تعالى له ليبين له من آياته العظيمة ما على مثله آمن البشر.

وتلك سنة الله تعالى مع الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. منهم إبراهيم عليه السلام حيث أراه الله تعالى ملكوت السماوات والأرض كما قال سبحانه: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ». وكما أرى قوم إبراهيم عليه السلام معجزة عدم احتراقه بالنار لعلهم يؤمنون: «قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ. وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ».

وكما أرى الله تعالى موسى عليه السلام وقومه ومن كفروا به معجزات العصا التي تصير حية وثعبانا مبينا، واليد التي تخرج بيضاء من غير سوء ورفع الطور وانشقاق البحر وغير ذلك مما قال الله تعالى عنه: «لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى».

الإسراء والمعراج تثبيت للمؤمنين وإقامة للحجة على الكافرين

وكان الإسراء والمعراج بالنسبة إلى المؤمنين به تثبيتا لهم وزيادة يقين أنه نبي مبعوث من الله تعالى وليس مدعيا للنبوة والرسالة.

وكان الإسراء والمعراج بالنسبة إلى غير المؤمنين به في وقته هي معجزة من المعجزات وإقامة للحجة بعد ثبوتها لعلهم يؤمنون به رسولا ونبيا كما آمن السابقون من قبلهم.

الإسراء والمعراج فتح رباني مقدم للأرض المقدسة وبشارة لأمة محمد

الإسراء والمعراج كان فتحا ربانيا للأرض المقدسة على يد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما يمثل بشارة لأمته (صلى الله عليه وسلم) بفتح المسلمين لبيت المقدس والأرض المقدسة بعد هذا الفتح الرباني. ولقد تحقق بعد هذا الفتح الرباني السماوي الفتح الأرضي في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الخامسة عشرة (١٥) من الهجرة.

الإسراء والمعراج إشارة إلى إرادة الله أن يكون الإسلام هو الدين الخاتم

وكان الإسراء والمعراج إشارة لاستحقاق محمد (صلى الله عليه وسلم) واستحقاق أمته الهيمنة والسيطرة على بيت المقدس مع البيت الحرام في مكة مركزي الدعوة الإبراهيمية فيجمع الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وسلم) بيت المقدس في فلسطين مع المسجد الحرام في مكة كما جمعهما لأبيه إبراهيم عليه السلام، إذ أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان مبعوثا لإحياء رسالة إبراهيم عليه السلام كما قال الله تعالى: «قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ».

ذكرى الإسراء والمعراج يوم عالمي للقدس ولفلسطين

وينبغي على المسلمين أن يتخذوا من ذكرى الإسراء والمعراج يوما سنويا عالميا لبيت المقدس ولأرض فلسطين المقدسة من دون غيره من الأيام، لترتبط به الأجيال المسلمة في مشارق الأرض ومغاربها ويجعلوا منه يوما يتعلمون فيه الكثير من العبر والدروس والسلوكيات لصغارهم وكبارهم ويتربوا عليه في المساجد والجوامع والبيوت.

الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج

كان المسلمون وما زال الكثيرون منهم في أنحاء العالم يحتفلون بذكرى الإسراء والمعراج، بل إنهم يتخذونه يوما إسلاميا تربويا يجتمعون فيه ويقرأون فيه قصة الإسراء والمعراج في البيوت والمساجد ويستمعون لما فيها من العظات والعبر، ويرتبطون بهذه الذكرى ارتباطا وجدانيا وسلوكيا يصل إلى قلوب الصغار والكبار والرجال والنساء فلا تغيب عنهم كثير من أحكام الإسلام ولا تغيب عنهم مسؤولية المسلمين عن فلسطين والأرض المقدسة.

التمسك بفتوى اجتهادية من فقهاء مدرسة فقهية

غير أننا في بعض بلادنا العربية تمسكنا بفتوى بعض العلماء الذين نقدرهم حق قدرهم ونقدر الظروف التي صدرت فيها هذه الفتوى منهم ودواعيها ودليلها بعدم جواز الاحتفال بهذه الذكرى الإسلامية الدينية.

لكن هذه الفتوى ليست مبنية على نص ديني محكم من كتاب أو سنة أي غير قابل للمناقشة والرد، وإنما كانت اجتهادا معتبرا لفقهاء من مدرسة من مدارس الفقه الإسلامي.

ضياع فرصة تربوية على أجيال كثيرة من أبناء المسلمين

لكننا نرى الآن بعد الأخذ بهذه الفتوى كيف ضاعت على أجيالنا هذه الفرصة الثمينة لتقوية الالتزام بواجبات دينية والبعد عن محرمات سلوكية من جانب ولتقوية الارتباط بالأرض المقدسة من جانب آخر، ففات على الكثيرين من أبنائنا ما كان في إحياء تلك المناسبة من تربية دينية سلوكية تُتَداول في المساجد والبيوت.

دروس تربوية وسلوكية من الإسراء والمعراج

فمن الدروس التربوية المستفادة مما حدث له (صلى الله عليه وسلم) ورآه في تلك الرحلة الربانية:

- استشعار المسلم قيمة الصلوات الخمس عندما يعلم أنها فرضت في السماوات عند سدرة المنتهى في تلك الرحلة.

- استشعار المسلم لمكانة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حيث جمع الله له الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقدموه للصلاة بهم، تمثيلا لما قاله الله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ».

- يستمعون إلى أنه قد عرض عليه (صلى الله عليه وسلم) اللبن والخمر فاختار اللبن فقيل له هديت للفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك، فتتربى نفوسهم على كراهية الخمر من صغرهم.

- يسمعون أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى أكلة أموال اليتامى ظلما لهم مشافر كمشافر الإبل تقذف في أفواههم قطعٌ من النار فتخرج من أدبارهم، فيتربون على الحذر من أكل أموال اليتامى ظلما.

- يسمعون أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة لا يقدرون بسببها أن يتحولوا عن أماكنهم ويمر عليهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم فيعظم في نفوسهم أكل الربا ويبتعدون عنه.

- يسمعون أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب وإلى جنبه لحم غث منتن ولكنهم يأكلون من الغث المنتن ويتركون الطيب السمين، فيشعرون بسوء مصير الزناة ويتعاظمون الزنا فيبتعدون عنه.

- ويسمعون أنه (صلى الله عليه وسلم) رأى النساء اللاتي يدخلن على أزواجهن من ليس من أولادهم معلقات من أثدائهن فيكبر في نفوس النساء إلحاق غير أبنائهم بأزواجهم والحذر من الزنا.

إلى غير ذلك من المواعظ والعبر.

إننا بحاجة إلى أن نجعل من ذكريات المناسبات الإسلامية أياما يحتفل بها المسلمون في كل مكان لتكون أيام تربية تغرس في النفوس القدوة الصالحة والأحكام المفيدة لنستطيع إنقاذ الأجيال القادمة من الجهل بالدين وبأحكامه وليتمسكوا بدينهم ويكونوا قوة للإسلام والمسلمين.



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة