الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٤ - الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


هل تنفع الدبلوماسية بين الغرب وإيران؟





لم تحقق المحادثات التي احتضنتها موسكو في الآونة الأخيرة بين الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدول زائد ألمانيا من ناحية وإيران من ناحية ثانية أي نتائج ملموسة، غير أن تلك المحادثات لم ينته بها الأمر إلى الانهيار. لقد أجرى الطرفان جولة جديدة من المفاوضات في موسكو من دون أن يتحقق أي اختراق يذكر. يجب ألا يفاجأ أي أحد من هذه النتيجة، فالطرفان على حد سواء لا يبرعان إلا في تقديم المطالب من دون تقديم التنازلات بسبب غياب الإرادة السياسية اللازمة.

في غياب مثل هذا الاختراق هل تتجه منطقة الشرق الأوسط الآن إلى حرب جديدة ضد إيران على خلفية برنامجها النووي الذي يعتقد أنه يتضمن جانبا عسكريا سريا هدفه تمكين نظام طهران من امتلاك السلاح النووي؟

قد يقول البعض: إنه طالما ظلت المحادثات قائمة فإن الأوضاع تظل مستقرة، فالدبلوماسية تتطلب بطبيعتها الصبر وسعة الصدر والمثابرة. إن الرقصة الدبلوماسية تتطلب أحيانا التقدم خطوة إلى الأمام قبل التراجع خطوتين إلى الوراء. على سبيل المثال استغرقت المحادثات الرامية إلى تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وفيتنام أربع سنوات: ما بين ١٩٩٠ و.١٩٩٤ لقد تطلب الأمر سبع سنوات من أجل إقناع العقيد الليبي معمر القذافي بتفكيك برنامجه النووي. في كلتا الحالتين كانت هناك انتكاسات كثيرة ومتتالية قبل التوصل إلى اتفاق نهائي.

هذا ما لا ينطبق على واقع الحال للسبب البسيط التالي: تستعد الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي لتصعيد الضغوط على نظام طهران خلال الأسابيع القليلة القادمة، فالعقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي على صادرات النفط الإيرانية ستدخل حيز التنفيذ بشكل رسمي مع نهاية شهر يونيو .٢٠١٢ تعتبر هذه العقوبات غير مسبوقة من حيث حجمها واتساع نطاقها. لن تكتفي الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الإجراءات العقابية المشددة، ذلك أنها تنوي فرض المزيد من العقوبات الرامية إلى خنق الصادرات النفطية الإيرانية.

تظهر السياسات المتبعة على مدى الأعوام العشرة الماضية بين الغرب وإيران أنه عندما يتخذ الطرف الأول قرارا بتصعيد الأمور فإن الطرف الثاني يقوم برد الفعل والتصعيد من جهته من دون أن يكون لدى أي منهما استراتيجية حقيقية واضحة المعالم. إن العلاقة بين الغرب وإيران في الوقت الراهن أشبه ما تكون بلعبة القط والفأر.

يتوقع أن ترد إيران الفعل وتسعى إلى التصعيد مع سريان العقوبات الأمريكية والأوروبية المشددة التي تستهدف صادراتها النفطية. لعل ما يزيد من خطورة هذا التصعيدين الأمريكي والأوروبي أن الخيارات التصعيدية التي تمتلكها إيران باتت محدودة مما يجعلها أكثر خطورة وعدائية أيضا.

يعتقد الخبراء الاستراتيجيون والمحللون السياسيون أن الخطوات التصعيدية الإيرانية ستتركز في ثلاثة جوانب أساسية:

١- الخيار الأول: قد يسعى الإيرانيون عندما يضيق عليهم الخناق إلى رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠ في المائة وربما إلى نسبة ٩٥%. إن نسبة التخصيب التي تصل إلى حدود ٦٠% ستمكن نظام طهران من إنتاج الوقود اللازم لتشغيل مفاعله النووي الطبي الأمريكي الصنع الذي يعود إلى عهد شاه إيران.

أما اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى حدود ٩٥% فهو يصلح لتشغيل الغواصات وإنتاج القنابل النووية أيضا. لا تملك إيران أي غواصات تعمل بالوقود النووي رغم أنها كشفت مؤخرا عن خطط لبناء مثل هذه الغواصات. لا شك أن مثل هذه الخطوات ستشكل في نظر الولايات المتحدة الأمريكية تصعيدا بالغ الخطورة لأنها ستشكل تجاوزا لما يعتبره الرئيس أوباما الخط الأحمر في البرنامج النووي الإيراني مما قد يعني الحرب.

٢- الخيار الثاني: قد تعمد سلطات طهران إلى استكمال منشأة «فودو» النووية، وهي المنشأة النووية الوحيدة التي لا تستطيع إسرائيل تدميرها بضربة جوية. يمكن للسلطات الإيرانية أن تسرع في وتيرة تركيب أجهزة الطرد المركزي، الأمر الذي قد ينتهك الخط الأحمر الذي وضعته إسرائيل لأن تلك الخطوة من شأنها أن تجعل البرنامج النووي الإيراني بمنأى عن أي ضربات جوية إسرائيلية. لا شك أن إيران قد انتهكت العديد من الخطوط الحمراء الإسرائيلية في الماضي من دون أن يصدر عن الدولة العبرية أي رد فعل عسكري. وبالمقابل فقد ظلت إسرائيل تصعد من ضغوطها على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل القيام بعمل عسكري يستهدف المنشآت النووية الإيرانية.

٣- الخيار الثالث: قد تسعى إيران إلى تصعيد حدة التوترات في منطقة الخليج ومضيق هرمز حتى تسجل أسعار النفط ارتفاعا جنونيا في الأسواق النفطية العالمية مما يجعل أي تصعيد أو تدخل غربي باهظ الثمن. لا شك أن مثل هذا الأمر سيسبب مشاكل كبيرة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي يسعى إلى تحسين أداء الاقتصاد الأمريكي وخفض معدلات البطالة في هذه السنة الانتخابية حتى يضمن لنفسه الفوز بفترة رئاسية ثانية في البيت الأبيض الأمريكي.

لا شك أن الأصوات سترتفع مجددا خلال الأيام القليلة القادمة للتحذير من قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة الدولية وخاصة منها ناقلات النفط العملاقة. في البداية قد يبدأ بعض صغار المسؤولين الإيرانيين بإطلاق مثل هذه التهديدات. بعد أيام قليلة وربما أسابيع قد يبدأ بعض كبار رجال السياسة والعسكر والملالي إطلاق مثل هذه التهديدات في خطوة تصعيدية جديدة فيما يسارع مسؤولون إيرانيون آخرون إلى نفي مثل تلك التهديدات فيما يشبه توزيع الأدوار بين أجنحة النظام الحاكم في طهران تحت سيطرة الملالي. أما الهدف من التهديد بإغلاق مضيق هرمز فهو يتمثل في نشر المزيد من التوتر والفوضى والغموض الناجم عن مثل هذه التضارب في التصريحات والبيانات.

قد يعمد سلاح البحرية الإيراني إلى مضايقة السفن المبحرة في مضيق هرمز من دون مهاجمة أي منها بهدف إيجاد حالة من عدم الاستقرار الدائم في مياه الخليج وإعطاء الانطباع بأن سلطات طهران هي التي تتحكم في أوراق اللعبة: لعبة القط والفأر. إن هذه التوترات ستتسبب في ارتفاع أسعار التأمين على الناقلات والسفن التجارية إضافة إلى حدوث ارتفاع جنوني في أسعار النفط في الأسواق البترولية العالمية.

يصعب علينا تصور الكيفية التي يمكن بها للجولة القادمة للمحادثات بين مجموعة ٥+١ وإيران أن تنجح لأن مثل هذا النجاح سيتطلب قدرا كبيرا من المرونة في المواقف من أجل تحقيق تقارب في وجهات النظر.

تراهن الولايات المتحدة الأمريكية على هذه الصيغة التي تشمل إجراء جولات متتالية من المحادثات مع تشديد العقوبات والضغوط في الوقت نفسه. تعتقد سلطات واشنطن ودوائر صنع القرارات الأمريكية أن إيران لا تخضع للضغوط بقدر ما تخضع للضغوط المشددة. يستدل الساسة والخبراء الاستراتيجيون الأمريكيون بما حدث سنة ١٩٨٨ عندما وافق الخميني في نهاية الأمر على إنهاء حرب الأعوام الثمانية ضد العراق في عهد صدام حسين. لقد تكبدت إيران آنذاك خسائر عسكرية فادحة في الأرواح والمعدات، كما أن الاقتصاد الايراني بات مهددا بالانهيار، ناهيك عن أن أسعار النفط كانت آنذاك دون ١٤ دولارا للبرميل الواحد. أدرك الخميني أن إيران لن تستطيع الصمود أكثر فوافق على وقف الحرب ووصف ذلك القرار بأنه كان في مثل مرارة العلقم.

رغم أن الخميني قد رفع آنذاك شعار «الحرب الحرب حتى النصر»، فإنه لم يجد بدا من إلقاء المنديل والخضوع للأمر الواقع المرير، ناهيك عن أنه نقل عنه قوله: إن اتخاذ ذلك القرار كان أشد من تناول السم.

تريد سلطات واشنطن من نظام طهران أن يشرب مرة أخرى من إناء السم نفسه، وهي تعتبر أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال تشديد العقوبات وتصعيد الضغوط على النظام الإيراني. تلك هي حسابات إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

في الحقيقة هناك فوارق كبيرة ما بين إيران علي خامنئي في سنة ٢٠١٢ وإيران الخميني سنة .١٩٨٨ قد يصعب اليوم إجبار إيران على الرضوخ للضغوط التي تمارس عليها مثلما فعلت سنة ١٩٨٨ عندما اضطر الخميني إلى الموافقة على وقف إطلاق النار بعد حرب مدمرة استمرت ثمانية أعوام. كان أمام الخميني سنة ١٩٨٨ خيار واضح مع تداعيات واضحة أيضا. لقد أدرك أنه إذا ما شرب السم فإن تلك الحرب المدمرة ستنتهي. لقد كان الخميني واثقا من النتيجة بنسبة مائة في المائة.

أما مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالي علي خامنئي فإنه لا يملك مثل هذا الخيار الواضح اليوم حيث انه لا يعرف ما قد يحدث إذا ما قبلت بلاده بالمطالب الغربية، فالغموض - لا الوضوح - هو سيد الموقف.

قد يتم رفع العقوبات المفروضة على إيران. يظل الأمر محتملا من دون أن يكون مؤكدا. قد تمتلك إيران قدرات تقنية على تخصيب اليورانيوم في مستقبل بعيد، ربما.

لقد كان الخميني أيضا قويا كصانع قرار تماما مثل عدوه اللدود الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، الذي كان يتخذ القرارات من دون أن يجرؤ أي أحد على تحديه. لم يجد صدام حسين في طريقه كونجرس أو برلمانا قويا.

هافنجتون بوست



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة