الانتخابات الرئاسية المصرية بعيون أمريكية
 تاريخ النشر : السبت ٩ يونيو ٢٠١٢
بقلم: ايمي كوين
بقطع النظر عمن سيفوز في الجولة الثانية من الانتخابات المزمع إجراؤها يومي ١٦ و١٧ يونيو ٢٠١٢ ويتولى بالتالي مقعد الرئاسة فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون الخاسر الأكبر.
وسواء أصبح القيادي الإخواني محمد مرسي رئيسا لمصر أو آل الفوز النهائي للفريق أحمد شفيق - آخر رئيس وزراء قبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك - فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستواجه من هنا فصاعدا تحديات جسيمة في القاهرة، فمصر في عهد حسني مبارك ليست مصر ما بعد عهد حسني مبارك.
عندما تأكد أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستنحصر ما بين المرشح الإخواني محمد مرسي ورئيس الوزراء المصري السابق أحمد شفيق سارع الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين إلى القول ان فوز الفريق أحمد شفيق من شأنه أن ينزل بردا وسلاما على سلطات واشنطن ويجعلها تتنفس الصعداء.
لا شك أن مثل هذا الكلام من قبيل التخمينات السابقة لأوانها، وهي تجعلنا رغم ذلك نتساءل: من هو الأفضل للولايات المتحدة الأمريكية: محمد مرسي أم أحمد شفيق؟
دعوني أولا أقل ان دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الانتخابات الرئاسية المصرية يمثل مسألة هامشية وجانبية. يجدر بنا أن نتساءل: من هو الأصلح لمصر: القيادي الإخواني محمد مرسي أم أحمد شفيق الذي يأتي من رحم المؤسسة العسكرية والذي كان آخر رئيس وزراء قبل تنحي حسني مبارك عن سدة الرئاسة؟
هذه مسألة سيقررها المصريون بأنفسهم عندما تجرى الانتخابات الثانية يومي ١٦ و١٧ يونيو .٢٠١٢
نظرا للعلاقات التي ظلت تجمع طويلا بين سلطات واشنطن والقاهرة فإن المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكيين والمراقبين المصريين يحاولون أن يستبقوا نتائج الانتخابات في جولتها الثانية ويتبنون مدى انعكاساتها وتداعياتها المحتملة على العلاقات بين البلدين سواء بقيادة الرئيس محمد مرسي أو بقيادة الرئيس أحمد شفيق.
قد يفهم القراء أنني أعتبر بين السطور أن كلا المرشحين لا يصلح البتة للولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يعني أنه سيكون لزاما على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى في مستقبل الأيام للتكيف مع الواقع السياسي المصري الجديد. فلا المرشح الإخواني محمد مرسي ولا مرشح المؤسسة العسكرية أحمد شفيق هو حسني مبارك الجديد علما بأن القول إن الرئيس المصري السابق حسني مبارك قد فعل ما كانت تريده الولايات المتحدة الأمريكية كلام غير دقيق.
يقول مسؤول سابق عمل في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش:
«لقد فهم الرئيس السابق حسني مبارك أن مصلحة مصر الحيوية تكمن في توثيق العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية».
يجب أن ندرك أيضا أن المؤسسة العسكرية لم تكن سعيدة تماما مع الأصدقاء الأمريكيين في الآونة الأخيرة.
يعتبر القيادي الإخواني محمد مرسي المرشح الأكثر تعقيدا وإثارة للاهتمام، كما أنه من الواضح أن هذا المرشح الإخواني الذي قد يصبح رئيسا جديدا بعد بضعة أيام قد لا يتبنى العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، فقد ظل الإخوان المسلمون يتخذون مواقف معارضة العلاقات بين واشنطن والقاهرة منذ تنامي العلاقات الثنائية بين البلدين في منتصف السبعينيات. لقد ظل الإخوان المسلمون يستخدمون هذه المسألة في معارضتهم للرئيس الأسبق أنور السادات ثم خلفه حسني مبارك حتى سقوطه يوم ١١ فبراير ٢٠١٢ كما أن الإخوان المسلمين ظلوا يستندون إلى هذه المسألة من أجل ضرب شرعية النظام التي تتوقف في جانب كبير منها على الفكر القومي.
يجب أن نذكر أيضا أن جذور حركة الإخوان المسلمين تعود إلى كراهية مؤسسها الشيخ حسن البنا لكل ما هو أجنبي، أي الاختراق الغربي لمصر الذي دمر القيم التقليدية.
لست أقول هنا ان حركة الإخوان المسلمين لم تتغير ولم تتطور من خطابها منذ مطلع العشرينيات من القرن الماض- عندما وصل الشيخ حسن البنا المرة الأولى إلى القاهرة غير أن انعدام الثقة بالأجنبي أو «الخواجة» لايزال راسخا وراثيا في هذه المنظمة. لا شك أن حركة الإخوان المسلمين قد تبنت في بعض الأحيان خطابا إسلاميا شاملا لكن في الأساس يظل الإخوان المسلمون قوميين جيدين.
لو عدنا إلى ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ لأدركنا أن المرشح الإخواني محمد مرسي لن يقوم بأول زيارة له للولايات المتحدة الأمريكية إذا ما تولى مقاليد الرئاسة، فثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ رفعت شعارات الكرامة والعزة لمصر. لقد التحق الإخوان المسلمون بشكل متأخر نسبيا بالثورة المصرية التي أطاحت بحسني مبارك، لذلك فإنه يتعين اليوم على المرشح الإخواني محمد مرسي أن يكسب ود الثوريين والليبراليين واليساريين الذين جعلوا انتفاضة ٢٥ يناير ممكنة في مصر ويبدو أن محمد مرسي يسير فعلا في هذا الاتجاه.
لا يعرف الإخوان المسلمون بتوددهم للولايات المتحدة الأمريكية أو بتقبلهم للسياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. إذا ما أخذنا في الاعتبار أيضا في هذه المعادلة عاملا آخر مهما يتمثل في التأييد الأمريكي إلى حد الانحياز لإسرائيل فقد تتضح لنا الصورة التي ستكون عليها العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئاسة محمد مرسي. يذكر أن جماعة الإخوان المسلمين قد استغلت مختلف المنابر والمناسبات الانتخابية السابقة التي شاركت فيها حتى من قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ من أجل انتقاد طبيعة العلاقات المتميزة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وخاصة انحسار السياسة الخارجية المصرية في عهد حسني مبارك على مدى ثلاثين سنة أمضاها في الحكم. لقد اعتبر البعض أن الاقتصاد المصري يمر بفترة صعبة في الوقت الحالي وأن هذا الوضع الحساس سيجبر المرشح الإخواني - إذا ما تولى مقاليد الرئاسة - على تكييف نفسه مع واشنطن وإن كان ذلك على مضض لأن سلطات القاهرة الجديدة ستظل في حاجة ماسة إلى المساعدات الأمريكية والاستعداد الأمريكي لدعم مصر من أجل الحصول على المساعدات من الدوائر الدولية الأخرى. لا شك أن مثل هذا الكلام صحيح غير أنه مما شك فيه أن طبيعة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية ستتأثر بشكل أو بآخر بوصول قيادي إخواني إلى منصب الرئاسة في القاهرة. يبقى السؤال المطروح يتعلق بمدى وعمق هذا التغير في العلاقات الثنائية بين القاهرة وواشنطون.
أما أحمد شفيق فهو ينحدر من رحم بيئة الرئيس السابق حسني مبارك أي بيئة صديقة للولايات المتحدة الأمريكية وحريصة على العلاقات الثنائية مع إسرائيل. لقد كان الفريق أحمد شفيق قائدا في سلاح الجو المصري قبل أن يعين وزيرا للطيران المدني ليصبح بعد ذلك رئيسا للوزراء في الأيام الأخيرة لعهد حسني مبارك. إن أحمد شفيق من الضباط الذين يحسبون على النظام القديم الذي استفاد عسكريا ودبلوماسيا وماليا من الولايات المتحدة الأمريكية على مدى أعوام.
لم يتلق الفريق أحمد شفيق تدريبه العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية رغم أنه أجرى تدريبات عسكرية على السلاح في فرنسا. لقد كان بكل المقاييس من أبرز ضباط سلاح الجو المصري وشارك في كل الحروب التي خاضتها مصر ويبدو أنه يحظى باحترام كبير من كبار الضباط في الجيش المصري علما أنه مرشحهم الرئاسي المفضل اليوم. لكن المشكلة أن الجيش المصري نفسه لم يكن سعيدا بأسلوب «الأصدقاء الأمريكيين» في التعامل مع الأزمة المصرية.
لقد أصبحت المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية كل عام لمصر عبارة عن معركة سياسية سنوية بين سلطات البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي حول الشروط المعتمدة التي لا تروق للمؤسسة العسكرية المصرية، فمن بين هذه الشروط ضرورة إنفاق مبلغ المساعدات العسكرية السنوية في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، علما أن قيمة المساعدة الموحدة منذ إبرام معاهدة كامب ديفيد بمليار وثلاثمائة مليون دولار لم تعد اليوم تكفي لشراء أي شيء. لا شك أن بقايا نظام مبارك - الذين يرفع أحمد شفيق اليوم لواءهم ؟ لا يخفون غضبهم على الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة الأمريكية مع انتفاضة ٢٥ يناير .٢٠١١
لقد ظل حسني مبارك يمثل دعامة مهمة للسياسة الخارجية والاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط على مدى ثلاثين سنة أمضاها في كرسي الرئاسة، علما بأن حسني مبارك قد تضرر في نهاية المطاف من تلك العلاقة حيث انه متهم اليوم بالتسبب في انحسار الدور المصري التقليدي في منطقة الشرق الأوسط. يرى بقايا النظام السابق أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد تخلت بطريقة غير لائقة وانتهازية عن حليفها السياسي القديم في منطقة الشرق الأوسط.
لقد قيل لي ان بقايا النظام أو«الفلول» قد عادوا بقوة وهم يدفعون اليوم أحمد شفيق إلى سدة الرئاسة. أنا لست مقتنعا بهذا الأمر، لكن حتى إذا كان الأمر كذلك، فإنه من الصعب أن يبدي الرئيس المحتمل أحمد شفيق ودا مفرطا للولايات المتحدة الأمريكية بالنظر للطريقة التي عاملت بها إدارة الرئيس باراك أوباما الرئيس المخلوع حسني مبارك.
هذا لا يعني أن الرئيس باراك أوباما قد أخطأ في الطريقة التي تعامل بها مع حسني مبارك غير أن ذلك لن يصل إلى حد يقرر معه الرئيس المحتمل أحمد شفيق تغيير طبيعة العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
لا شك أن أحمد شفيق يمثل النظام القديم، الأمر الذي سيضطره إلى السعي إلى النأي بنفسه عن السياسات التي كانت متبعة في الماضي. حتى إذا ما سعى أحمد شفيق لدى توليه الرئاسة إلى تفكيك التغييرات التي تحققت منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ويعمل على إعادة إنتاج النظام القديم فإن انتفاضة ٢٥ يناير قد نجحت رغم كل شيء في تغيير الساحة السياسية المصرية من عدة جوانب مهمة، فرغم كل المشاكل التي يواجهونها وخبرتهم السياسية فإن الجمعيات الثورية والليبرالية والسلفية وغيرها من الجماعات الأخرى قد اكتشفت الطريقة التي تمكنها من جعل صوتها مسموعا دائما.
من المؤكد أن مرشح العسكر وبقايا النظام أحمد شفيق يدرك هذا الأمر تماما. لذلك فقد راح يتبنى موقفا لينا من الثورة وذلك منذ أن اتضح أنه ترشح إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
لا مفر لأحمد شفيق من السعي لاستمالة بعض الناخبين حتى من خارج مؤيديه الطبيعيين حتى يوسع من قاعدته الانتخابية ويظهر بالتالي أنه ليس حسني مبارك آخر يلعب دورا جديدا حتى إذا تطلب منه الأمر اتخاذ مواقف غير مقبولة من الولايات المتحدة الأمريكية. في الحقيقة فإن العلاقة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر أكبر من أن يتجاهلها أحمد شفيق. لن نرى أي مظاهر للفرحة والرقص في وزارة الخارجية أو في وزارة الدفاع (البنتاجون) في الولايات المتحدة الأمريكية، فسواء فاز القيادي الإخواني محمد مرسي وسواء أصبح أحمد شفيق فقد انتهت مرحلة الإحتفال لسلطات واشنطون. إنها المرحلة التي تحتم على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتكيف مع الواقع السياسي الجديد في مصر.
هل تنسى مصر في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية يومي ١٦ و١٧ يونيو ٢٠١٢ جيل ميدان التحرير؟
سيكون المصريون أمام خيارين صعبين: إما قيادي إخواني وإما وجه من بقايا النظام السابق الذي اعتقد الشعب المصري أنه انتهى. لقد وصل الأمر ببعض المحللين في داخل مصر حتى في خارجها إلى التأكيد أن نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية مثلت صفحة حقيقية لجيل ميدان التحرير. في الحقيقة هناك مشهد جديد ووجوه سياسية جديدة بصدد الخروج من رحم هذه الفوضى الجديدة التي تعتبر سمة كل ثورة في العالم.
لم يكن مستغربا أن يصل القيادي الإخواني في حركة الإخوان المسلمين محمد مرسي إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وذلك بالنظر إلى الماكينة الكبيرة التي تمتلكها حركة الإخوان المسلمين التي تتمتع بالأغلبية في مجلس الشعب منذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخرا. لقد جاءت الظروف بمحمد مرسي إلى واجهة الأحداث وهي التي قد توصله إلى منصب الرئاسة بعد أن تم استبعاد المرشح الأول للإخوان المسلمين خيرت الشاطر.
محمد مرسي مهندس درس في الولايات المتحدة الأمريكية وهو يردد دائما أن «القرآن دستورنا» في اجتماعاته وهو اليوم يطلق شعار «لننقذ الثورة» بعد صعود أحمد شفيق إلى الجولة الثانية والأحكام القضائية التي صدرت مؤخرا والتي أثارت استياء شعبيا واسعا. لم يخف شباب الثورة أيضا استياءهم من نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أفرزت مرشحين اثنين لا يمثلان طموحاتهم إلى التغيير وبناء مصر الغد. يقول أحد هؤلاء الشباب: «لقد جاءت الثورة لتدفن عقدة الفرعون. بطبيعة الحال فإن هذه العقدة لن تندثر بسرعة أو بسهولة».
لقد اكتظت مقاهي القاهرة والجيزة وبقية المدن والقرى المصرية بالمصريين الذين تابعوا المناظرات الانتخابية كأنها مباراة كرة القدم يخوضها المنتخب المصري. لن ينتخب حسني مبارك أو ابنه هذه المرة بنسبة تفوق ٩٠% من الأصوات.
يذهب العالم الأنثروبولوجي سامولي شيلك إلى أبعد من ذلك وهو يقول في قراءته لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات المصرية:
«لقد انتهت مرحة الثورة. لقد دخلنا مرحلة نشهد فيها معارك كبيرة بين كتلتين قويتين لا تحترمان بالضرورة الديمقراطية الوليد في مصر».
.
مقالات أخرى...
- هذا ما ينتظره الشعب المصري من رئيسه القادم؟ - (31 مايو 2012)
- نتائج الانتخابات المصرية.. «السيناريو الكارثي» - (31 مايو 2012)
- هل يضم «الإخوان» مؤسسة الرئاسة إلى البرلمان؟ - (31 مايو 2012)
- حرب يونيو ..١٩٦٧ عدوان إسرائيلي - (26 مايو 2012)
- مصر تنتخب رئيسا وتؤسس للمستقبل هل يحكم مصر إخواني أو إسلامي معتدل أو دبلوماسي مخضرم؟ - (20 مايو 2012)
- الربيع سيأتي إلى روسيا - (18 مايو 2012)
- هل يصبح رجب طيب أردوجان رئيسا؟ - (18 مايو 2012)
- إشكالية القيادة في العالم العربي - (14 مايو 2012)
- أمريكا تسرق الأدمغة العلمية - (14 مايو 2012)