ثلاث حروب أهلية في سوريا
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٧ يونيو ٢٠١٢
بقلم: كريستوف عياد
لقد أصبح الأمر رسميا الآن لأن منظمة الأمم المتحدة هي التي تقول ذلك. لقد انزلقت سوريا في أتون الحرب الأهلية. هيرفي لادسوس هو رئيس عمليات حفظ السلام في العالم وقد كسر حاجز الصمت وأسقط اللغة الخشبية الحذرة وهو من الدبلوماسيين المخضرمين. لقد ظل الغربيون على مدى أشهر كاملة يحذرون من خطر انزلاق سوريا في أتون الحرب الأهلية التي يقولون إنها باتت «وشيكة» لكن من دون أن يجدوا الوصفة السحرية كي يصدحوا بالحقيقة.
لماذا هذا الحذر المفرط في استخدام الكلمات والمفاهيم السياسية والعسكرية ولماذا يتجنب الغرب الاعتراف بأن هناك حربا أهلية طاحنة في سوريا الآن؟ هل استخدام عبارة «الحرب الأهلية» سيحتم التدخل لإنهاء صراع لا يريده العالم لما قد ينجم عنه من عواقب جغرا- سياسية واستراتيجية وخيمة؟ هل انزلاق سوريا في الحرب الأهلية يعني أن الوضع هناك قد بلغ فعلا نقطة اللاعودة ولم يعد بالتالي بالإمكان إنقاذ البلاد من الجحيم الذي دخلت فيه؟
لا هذا ولا ذاك، إن استخدام عبارة «الحرب الأهلية» لا تترتب عليه أي تداعيات متعلقة بنصوص القانون الدولي.
لكن ما حقيقة الوضع الحالي في سوريا؟
تشهد سوريا الآن ثلاث حروب أهلية وليست حربا أهلية واحدة. هناك أولا حرب أهلية يشنها نظام دمشق ضد السكان المدنيين منذ بداية الانتفاضة في شهر مارس .٢٠١١ لم تكن المظاهرات الأولى التي خرجت آنذاك تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد بل إنها كانت تطالب فقط بإطلاق سراح الأطفال المعتقلين الذين كان يجرى تعذيبهم في مدينة درعا. لقد اختار نظام دمشق آنذاك أسلوب القوة ولجأ إلى السلاح وأعطى الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين المسالمين الذين لم يكونوا يملكون أي سلاح وكانوا فقط يرددون شعارات ويرفعون لافتات.
رغم سقوط آلاف القتلى فإن هذه الثورة السلمية لاتزال متواصلة في ضواحي دمشق وحلب وفي العشرات من المواقع في مختلف المناطق السورية، حيث يواصل السكان النزول إلى الشوارع كل يوم جمعة. لقد أثبت السوريون أنهم لا يريدون التخلي عن جوهر انتفاضتهم الشعبية. إن هؤلاء المتظاهرين من ذوي الأذرع العارية لم يسقطوا النظام - حتى الآن على الأقل - غير أنهم نجحوا في ترسيخ نقطة القوة التي ظلوا يرتكزون عليها: لقد كسروا حاجز الخوف.
إذا ما توقفت هذه المظاهرات اليومية المتواصلة منذ عدة أشهر فإن نظام بشار الأسد قد يزعم في نهاية المطاف أنه يواجه عصابات إرهابية مسلحة، وهي المزاعم التي ظل يرددها منذ البداية.
لقد ظلت روسيا والصين توفران الحماية اللازمة لنظام بشار الأسد وعملتا بالتالي على إجهاض أي تحرك يفرض من خلاله مجلس الأمن الدولي العقوبات على النظام السوري، بل إن المسؤولين الروس يحملون المعارضة السورية مسؤولية الاستمرار في سفك الدماء في مختلف المناطق السورية ما مكن بشار الأسد وبقية أركان نظامه من الإفلات من العقاب.
منذ نهاية صيف ٢٠١١، فرضت حرب «أهلية» أخرى نفسها على أرض الواقع في سوريا، إن الأمر يتعلق بصراع غير متكافئ وشديد الدموية بين وحدات النخبة في الجيش النظامي السوري المدجج بالأسلحة الروسية الصنع أساسا والجماعات السرية المسلحة المكونة من المقاتلين المدنيين والجنود والضباط المنشقين، الذين فروا من وحداتهم وعادوا إلى المساعدة على الدفاع عن سكان قراهم. توحدت هذه الجماعات المسلحة في الجيش السوري الحر غير أن هذه التسمية تعكس ما تتمتع به هذه الوحدات من استقلالية في التحرك والعمل العسكري.
بطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن وجود تكافؤ بين الجيش السوري الحر والجيش السوري النظامي الذي يتفوق عدة وعتادا غير أن الجيش السوري الحر يمتاز بدوره باعتماده على استراتيجية حرب العصابات التكتيكية التي تتركز في المدن والقرى والأرياف حتى داخل العاصمة السورية دمشق.
بدأ الجيش السوري الحر أيضا يتسلم الأسلحة، الأمر الذي يزيد من مخاوف النظام البعثي الحاكم في دمشق. أحكم الجيش السوري قبضته أيضا على الرستن وتخوم حمص وجبل «أكرد» على الحدود مع تركيا. لكن بالمقابل يظل الجيش السوري الحر غير قادر على التصدي لهجمات الجيش السوري النظامي غير أن وحدات الجيش السوري الحر تعيد بسرعة سيطرتها على الأرض بمجرد مغادرة الجيش السوري وذهابها للقتال في جبهات أخرى. على وفق مصادر الأمم المتحدة فإن أكثر من ٤٠% من الأراضي السورية قد أفلتت من سيطرة نظام دمشق وباتت تحت سيطرة الجيش السوري الحر.
أما الحرب الأهلية الثالثة فهي حرب موجهة ضد الجميع: يتعلق الأمر بالمجازر مثل تلك التي حدثت في قرية الحولة السنية التي ذهب ضحيتها أكثر من ١١٠ من المدنيين، من بينهم ٤٩ من الأطفال علما أن أغلبهم قد قتلوا طعنا ونحرا بالأسلحة البيضاء من سكاكين وخناجر من قبل مليشيات «الشبيحة» الموالية للنظام التي تنحدر عناصرها من الطائفة العلوية أساسا.
هنا تكمن أكبر مخاوف المجتمع الدولي. من المؤشرات المخيفة أيضا منع المراقبين التابعين لمبادرة المبعوث الأممي العربي المشترك كوفي عنان من الوصول إلى مواقع المذابح أو المناطق التي يخوض فيها الجيش النظامي السوري هجماته مثل «الكبير» و«الحفة» وهما منطقتان سنيتان، وقد عمد القرويون العلويون أنفسهم إلى مهاجمة جيرانهم السنة وتدمير عرباتهم ومنازلهم.
ليست هذه المذابح الأولى التي تشهدها سوريا غير أن تكاثر وتيرة هذه المجازر يجعل سوريا تبتعد شيئا فشيئا عن إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية، كما أنه يزيد من احتمالات حدوث تدخل عسكري دولي. يقول فواز جرجس، مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد:
«لم يعد التحدي يتمثل في الحرب بين الرئيس بشار الأسد والمعارضة بل إن التحدي يتمثل في الحرب الموجهة ضد الجميع».
لوموند
.
مقالات أخرى...
- هل تنفع الدبلوماسية بين الغرب وإيران؟ - (27 يونيو 2012)
- هل فتحت مصر صفحة ما بعد الثورة؟ - (14 يونيو 2012)
- ماذا بعد مفاوضات بغداد بين الغرب وإيران؟ - (14 يونيو 2012)
- الغرب لم يعد يخيف دكتاتور سوريا - (14 يونيو 2012)
- الانتخابات الرئاسية المصرية بعيون أمريكية - (9 يونيو 2012)
- هذا ما ينتظره الشعب المصري من رئيسه القادم؟ - (31 مايو 2012)
- نتائج الانتخابات المصرية.. «السيناريو الكارثي» - (31 مايو 2012)
- هل يضم «الإخوان» مؤسسة الرئاسة إلى البرلمان؟ - (31 مايو 2012)
- حرب يونيو ..١٩٦٧ عدوان إسرائيلي - (26 مايو 2012)