باراك أوباما.. الرئيس الذي خيب الآمال
 تاريخ النشر : الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢
بقلم: أولريخ فيشنر- مارك هوجر ـ غريغور بيتر شميتز
لقد دخل الرئيس باراك أوباما البيت الأبيض يوم ٢٠ يناير ٢٠٠٩ منقذا غير أنه فشل في تحقيق وعوده بالتغيير والقطع مع الماضي. فالانقسامات الأيديولوجية في الولايات المتحدة الأمريكية باتت اليوم أعمق من أي وقت مضى حيث إن الجمهوريين يتربصون بالرئيس أوباما في كل منعرج، فمن هو المسئول عن هذا الفشل الذريع؟
بدأت حملة انتخابية رئاسية أخرى ضخمة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل أقل من ٥% من إجمالي سكان العالم غير أنها تستهلك ما لا يقل عن ٢٥% من النفط في العالم. تعاني الولايات المتحدة الأمريكية اليوم من تراكم ديونها التي باتت تناهز اليوم ١٦ تريليون دولار، علما بأن نفقاتها ستفوق إيراداتها هذه السنة بما لا يقل عن تريليون وثلاثمائة مليون دولار.
تتكبد الولايات المتحدة الأمريكية ملياري دولار كل أسبوع نفقات للحرب المتواصلة في أفغانستان. إن الكثيرين في الولايات المتحدة يطالبون بالسلام في سوريا في ذات الوقت الذي تواصل فيه واشنطن حرب الطائرات بدون طيار في باكستان، كما أن ١٦٩ سجينا لايزالون يقبعون في معتقل جوانتنامو.
أما في واشنطن فإن الشرخ بين المعسكرين السياسيين الديمقراطي والجمهوري أصبح أشبه ما يكون بالهوة السحيقة التي يصعب سدها.
هل الرئيس الأمريكي الحالي اسمه فعلا باراك أوباما؟ هل عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قد انتهى فعلا؟
إن الفترة الأولى للرئيس باراك أوباما ستنتهي خلال الأشهر القليلة القادمة. إن الولايات المتحدة الأمريكية الدولة العملاقة التي تصل مساحتها إلى ٢٧ مرة من مساحة ألمانيا، هي اليوم في حاجة إلى مشروع جديد يكرس مكانتها كقوة عظمى في العالم.
في شهر نوفمبر ٢٠١٢ سينتخب رئيس جديد يدير شئون ٣١٤ مليون مواطن أمريكي، هل تنتخب الولايات المتحدة الأمريكية رئيسا جديدا وتلفظ باراك أوباما؟ ربما، فقد يفشل باراك أوباما أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض ليعوضه ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري والمعروف بقناعاته السياسية المحافظة. يعتبر المنصب الذي سيتنافس عليه الرجلان الأصعب على الإطلاق في العالم، فأجندة الرئيس الأمريكي تكون مليئة دائما بالمسائل الأكثر والأقل الأهمية على مدار الساعة.
إن الحكم على فترة رئاسة باراك أوباما يتطلب التمعن في قائمة الوعود التي يتم الإيفاء. إذا ما اعتمدنا هذا المقياس فيمكن القول إن أداء الرئيس أوباما "فوق المعدل" مقارنة بأداء أحد عشر رئيسا سبقوه في البيت الأبيض الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. إنه نجاح متواضع من النوع الذي يرحب به الساسة غير أنه يظل إنجازا غير كاف للرئيس باراك أوباما.
لا يعقل، بل إنه من السذاجة بمكان اعتبار الرئيس باراك أوباما بمثابة المنقذ، كذلك من الظلم مقارنة إنجازاته التي لا ترقى للمستوى المطلوب بشخصيته الكاريزمية رغم أنه هو الذي جعل من كلمة "التغيير" شعارا لحملته الانتخابية، بل إن عبارة "نعم نستطيع" أصبحت معروفة في كل أنحاء العالم. هناك شعور عام يسود الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك أنصار الرئيس باراك أوباما بأن سيد البيت الأبيض فشل على عدة مستويات.
١ - انقسامات داخلية حادة
في الخطاب الشهير الذي ألقاه سنة ٢٠٠٤ في مؤتمر الحزب الديمقراطي تحدث باراك أوباما عن مرشح المصالحة القومية حيث قال يومها: "ليس هناك أمريكا ليبرالية وأمريكا محافظة، هناك الولايات المتحدة الأمريكية". هذا ما فشل أوباما رئيسا في تحقيقه فشلا ذريعا، بل إن الولايات المتحدة أصبحت منقسمة أكثر من أي وقت مضى. ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تشهد حربا ثقافية منذ وقت طويل بل إن هذه الحرب الثقافية ظلت تشكل الوعي السياسي الأمريكي منذ الحرب الأهلية قبل أكثر من ١٥٠ سنة من الآن. المشكلة هي أن هذه الحرب الثقافية ازدادت حدة وخاصة في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، بل إن المحللين يجمعون على أن هذه الانقسامات الداخلية بلغت حدا يثير المخاوف. فمشاريع القوانين والتشريعات التي يفترض ألا تثير أي جدل لاتزال معطلة منذ عدة سنوات، كما أن كبار المناصب في القضاء والدوائر الحكومية لاتزال شاغرة في غياب توافق على سدها. أما الميزانيات الإضافية فهي تعتمد في آخر لحظة فقط لأن عدم تمريرها يتسبب في إفلاس البلاد.
في مثل هذا المناخ السياسي المحتقن لا يستطيع أي رئيس أن يشكل العالم وفق أجندته وبرنامجه الانتخابي. في سنة ٢٠١١ أصبح الرئيس باراك أوباما يتعامل مع مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون الذين يرفضون التحول عن مواقفهم قيد أنملة، فقد أصبح مفهوم "التوافق" من المحرمات عند الجمهوريين الذين وصل بهم الأمر إلى حد الاعتراض على مشاريع قوانين كانوا قد طرحوها هم أنفسهم في الماضي.
لقد أصبحت واشنطن نتيجة هذا الاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين هدفا لكراهية المواطنين وسخطهم، ذلك أنهم يعتبرون أن إدارة الرئيس باراك أوباما أصبحت تمثل رمزا لانعدام الكفاءة والسطحية وقد لعب الفنانون الكوميديون والمحللون السياسيون التلفزيونيون دورا ملحوظا في بناء جبهة ضد الرجل الأسود في البيت الأبيض.
٢- تردي الخطاب السياسي
لقد تدهور المشهد السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح خلال السنوات القليلة الماضية. هذا التدهور لا يصب بطبيعة الحال في مصلحة الرئيس باراك أوباما الذي عجز تماما عن تجديد الخطاب السياسي الأمريكي. حتى إذا كان الرئيس الأمريكي يتمتع بسلطات كبيرة يحلم بها القادة السياسيون الأوروبيون من نظرائه فإن سيد البيت الأبيض يظل مجرد جزء صغير مكون في منظومة كاملة تتضمن آليات السلطة.
لقد أصبح المدونون ومستخدمو شبكة التواصل الاجتماعية "التويتر" يتحكمون في الساحة الاعلامية، فعندما يلقي الرئيس باراك أوباما على سبيل المثال خطابا يتعلق بحالة الاتحاد فإن مستشاريه لا ينتظرون افتتاحيات الصحف من أجل معرفة تأثير الخطاب في الرأي العام، بل إنهم يركزون اهتمامهم فيما يدور في شبكة التواصل الاجتماعي "التويتر". خلال الخطاب الأخير الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما حول حالة الاتحاد تم إحصاء ما لا يقل عن ٧٦٦،٦٨١ تغريدة تويتر.
إن الأمريكيين يتبادلون الشائعات وتغريدات التويتر غير أنهم لم يعودوا يتبادلون الأحاديث، فالليبراليون يقرأون المدونات مثل هافنجتون بوست ويشاهدون محطة ضخسح. أما المحافظون فهم يداومون على قراءة مدونة لاُِْمز مهلِّْ ويشاهدون محطة محطة فوكس نيوز الإخبارية المملوكة لامبراطور الإعلام الملياردير روبرت مردوخ. تظهر الكثير من استطلاعات الرأي أن الأمريكيين لم يعودوا يرغبون في الخوض في النقاشات السياسية. إن أغال الأمريكيين يميلون الآن الى النظر إلى الأشياء إما بلون أسود وإما من خلال منظار فيه بعض البياض.
من الصعب اليوم خوض حملة انتخابية باعتماد شعارات براقة ولافتة تخاطب المجتمع الأمريكي الشديد التنوع. لذلك فإن كلا الطرفين -الديمقراطيين والجمهوريين - يسعى للوصول إلى الناس ومخاطبة الناخبين بشكل مباشر. فالجمهوريون ليسوا الوحيدين اليوم الذين يخوضون حملة انتخابية "عنيفة" من حيث شعاراتها وخطابها السياسي، بل إن الديمقراطيين يفعلون ذلك أيضا وخاصة ستيفاني كاتر، وهي نائبة مدير حملة الرئيس باراك أوباما. تبلغ ستيفاني الثالثة والأربعين وهي جميلة بقدر ما هي "شرسة" في خطابها السياسي. عندما لا تقف ستيفاني أمام عشرات الكاميرات والميكروفونات فإنها تجلس أمام سلسلة من أجهزة الحاسوب في مكاتب حملة أوباما - بايدن الانتخابية في مدينة شيكاغو.
عندما قال كارل روف ؟ وهو من أبرز الوجوه في الحملة الانتخابية الجمهورية ؟ ان اوباما هو رئيس الوعود الكاذبة فإن ستيفاني لم تتمالك نفسها وردت عليه فورا وكالت له الصاع صاعين بكل شراسة، فقد جمعت وسائل الإعلام وقالت متحدثة عن كارل روف وهو من المحافظين الجدد وقد عمل في إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش:
"لا أحد يصدق ما يقوله هذا الأخرق". إن كلمة "أخرق" لا تستخدم عادة في المؤتمرات الصحفية غير أن ستيفاني كاتر وقفت بكامل أناقتها وقالتها على الملأ أمام عدسات الكاميرات وكلها ثقة في النفس. لقد ظلت ستيفاني تعتبر من أشرس المدافعين عن المعسكر الديمقراطي في مختلف الحملات الانتخابية على مدى عقدين من الزمن وقد عملت في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في البيت الأبيض عندما كان الجمهوريون يريدون عزله على خلفية فضيحة المتدربة الشابة مونيكا لوينسكي.
لا تتوانى ستيفاني كاتر في الهجوم على خصومها بكل شراسة واللجوء إلى الأساليب القذرة حيث إنها تتعامل مع السياسة بمنطقة الكرة: "إن اللعبة السياسية مثل تنس الطاولة أو البنج بونج باللغة الصينية. إن اللعبة السياسية تبادل للضربات".
لقد اتسمت هذه الحملة الانتخابية منذ بدايتها بالحدة والشراسة حيث إن القائمين على الحملتين الديمقراطية والجمهورية يركزون أساسا في تسجيل النقاط ليلا ونهارا وبمختلف الوسائل والأساليب. لا توجد أي مقارنة بين الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي.
يقول نائب الرئيس جو بايدن: يجب على كل من يريد أن يقيم ادارة الرئيس باراك أوباما أن يعلم أمرا واحدا: إن أسامة بن لادن أصبح في عداد الأموات كما أن شركة جنرال موتورز لم تضمحل أو تندثر بل إنها لاتزال على قيد الحياة.
ما الذي تركز فيه هذه الحملة الانتخابية؟
إذا ما تمعنا في أداء الرئيس الأمريكي باراك أوباما على مستوى السياسة الداخلية في السنوات الأولى من رئاسته فقد نرصد بعض النجاحات التي ظل يكررها على أسماعنا في كل مناسبة انتخابية. تشمل هذه النجاحات رصد ميزانية قدرها ٧٨٧ مليار دولار من أجل حفز الاقتصاد الأمريكي التي حالت دون انهيار الاقتصاد الأمريكي عقب الأزمة الاقتصادية الخانقة سنة .٢٠٠٨
تتضمن هذه النجاحات أيضا برنامج المساعدات الذي أعدته إدارة الرئيس باراك أوباما من أجل إنقاذ صناعة السيارات وإعادة إنعاش هذا القطاع الحيوي في مدينة ديترويت. يفتخر الرئيس أوباما أيضا بالدفاع عن حقوق المثليين والسحاقيات كما يأمل أن يظل يذكر كأول رئيس أطلق أكبر برنامج لإصلاح نظام الرعاية الصحية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي أسهم في توسيع نطاق مظلة التأمين الصحي لتشمل ٣٢ مليون أمريكي إضافي.
إن كل إنجاز من هذه الانجازات مثير للاهتمام غير أن قائمة إنجازات إوباما داخل الولايات المتحدة الأمريكية تتوقف عند هذا الحد. لذلك فإن ما حققه الرئيس باراك أوباما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرتقي إلى أجندة "التغيير" التي بشر بها خلال حملته الانتخابية. لقد مني الرئيس باراك أوباما أيضا بالفشل الذريع في الكثير من الحالات، ففي الفترة الماضية فشل في إقناع الجمهوريين بالموافقة على ميزانية طويلة المدى رغم أن الإدارة الأمريكية كانت على وشك الافلاس.
تخوض وكالة المخابرات الأمريكية "السي آي إيه" حربا سرية قذرة ومطعون في قانونيتها، حربا تفتقر إلى الشفافية وتتجاهل الجوانب القانونية وذلك من أجل الفكرة التي يدافع عنها الرئيس باراك أوباما والتي يرمي من خلالها إلى ترويج صورة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى تتولى حماية الحرية والديمقراطية في العالم. إن حرب الطائرات بدون طيار لا تتناسب مع نصوص القانون الدولي ولا تتلاءم مع سياسي حصل ذات مرة على جائزة نوبل للسلام بعد أن طرح رؤاه في بداية فترته الرئاسية وعبر عن رغبته في نشر السلام، وخاصة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي.
في سنوات الجمر إبان إدارة الرئيس السابق جورج بوش ساد الخطاب السياسي الأمريكي بعض الكلمات من قبيل "الدول المارقة" غير أن الرئيس باراك أوباما سعى إلى تبني منحى تصالحي في الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة وتوجه به إلى العالمين العربي والإسلامي. بمجرد تنصيبه، بعث الرئيس باراك أوباما ايضا برسالة سلام إلى الشعب الإيراني.
ما الذي يخطط له الرئيس باراك أوباما على وجه التحديد؟ هل لايزال يتبنى السياسة البراجماتية أم أنه تخلى عنها وضرب بها عرض الحائط لأهداف انتخابية حتى لا يسحب الجمهوريون البساط من تحت رجليه ويسموه بالضعف؟
إن سجل الرئيس باراك أوباما لا يخلو من التناقضات السياسية. صحيح أنه أمر بوقف أساليب التعذيب في عملية استنطاق المشتبه فيهم وهي الأساليب التي استخدمت على نطاق واسع في عهد إدارة جورج بوش غير أنه فشل حتى الآن في إغلاق معتقل جوانتنامو خلافا لما وعد به سنة ٢٠٠٨ مما أثار آنذاك إعجاب العالم بأسره به.
لقد أيد الرئيس باراك أوباما ايضا التدخل في ليبيا وإسقاط نظام العقيد معمر القذافي غير أنه أظهر أنه لا يملك الأفكار اللازمة لوقف المذابح التي لاتزال ترتكب كل يوم في سوريا على مرأى ومسمع من العالم. فلماذا لا تنطبق القيم نفسها على سوريا؟ كيف ننظر إلى هذه المبادئ الهلامية التي تتعامل بها إدارة الرئيس باراك أوباما مع الأزمة السورية؟
على مستوى السياسة الخارجية سيظل اسم الرئيس باراك أوباما مقترنا بمقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. هلل الكثيرون للرئيس باراك أوباما واعتبروه زعيما شجاعا ولا يتردد في اتخاذ ما يلزم من أجل ضمان الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية. لكن كيف يشعر الرئيس باراك أوباما الآن وهو يرى كيف أن الصحف الليبرالية توجه له انتقادات لاذعة وتتهمه بأنه أكثر "شراسة عسكرية" في "الحرب على الإرهاب" من سلفه جورج بوش؟
.
مقالات أخرى...
- تداعيات الأزمة السورية وتباين المواقف الدولية - (4 يوليو 2012)
- ثلاث حروب أهلية في سوريا - (27 يونيو 2012)
- هل تنفع الدبلوماسية بين الغرب وإيران؟ - (27 يونيو 2012)
- هل فتحت مصر صفحة ما بعد الثورة؟ - (14 يونيو 2012)
- ماذا بعد مفاوضات بغداد بين الغرب وإيران؟ - (14 يونيو 2012)
- الغرب لم يعد يخيف دكتاتور سوريا - (14 يونيو 2012)
- الانتخابات الرئاسية المصرية بعيون أمريكية - (9 يونيو 2012)
- هذا ما ينتظره الشعب المصري من رئيسه القادم؟ - (31 مايو 2012)
- نتائج الانتخابات المصرية.. «السيناريو الكارثي» - (31 مايو 2012)