كسبت مصر رهان الانتخابات..
فهل تكسب رهان الديمقراطية؟
 تاريخ النشر : الجمعة ٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم: عصام العريان
لقد شهدت مصر انتخابات رئاسية تاريخية تعتبر الأولى منذ الثورة التي أطاحت بنظام حسني مبارك في السنة الماضية. إن ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع بكل شجاعة وشاركوا في الثورة يتساءلون اليوم عما إذا كان يحق لهم أن يشعروا بالسعادة أو بالحسرة والتخوف على مصير ثورتهم.
يحق للمصريين أن ينتابهم هذا الشعور وذاك في الوقت نفسه، أما التحدي الحقيقي الذي يواجهه الشعب المصري فهو يتمثل في استثمار الجانب الجيد من هذه الانتخابات التاريخية من أجل تحقيق التقدم اللازم الذي تعتبر مصر اليوم في أشد الحاجة إليه على درب بناء مستقبل البلاد: مستقبل تكرس فيه مبادئ العدالة والمساواة والشفافية والمحاسبة.
إن المؤشرات الأولى تدل على أن المنافسة في الدورة الثانية ستكون بين مرشحين مختلفين من حيث خلفيتاهما وتجربتاهما وتوجهاتهما ونظرتاهما أيضا، فمحمد مرسي هو مرشح جماعة الإخوان المسلمين. أما أحمد شفيق فهو وزير سابق كما أنه كان آخر رئيس وزراء قبل تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
لقد استفاد محمد مرسي وأحمد شفيق من منظمات قوية تلعب أدوارا فعالة على أرض الواقع وهو ما كان ينقص بقية المرشحين الآخرين. لا شك أن المواجهة ستكون شرسة وحماسية ومثيرة بين الرجلين في جولة الإعادة المقرر إجراؤها في النصف الثاني من شهر يونيو ٢١٠٢.
لم تذق مصر ؟ الدولة المحورية المهمة في منطقة الشرق الأوسط ؟ طعم الديمقراطية على مدى أجيال كاملة. لذلك فقد كانت هذه الانتخابات الرئاسية رائعة بكل المقاييس. لا غرابة إذ ان الكثير من المصريين قد هبوا إلى مراكز الاقتراع وشاركوا في التصويت بكل كثافة وحماسة يحدوهم أمل كبير في مستقبل أفضل لمصر، والأهم من كل ذلك أن الانتخابات قد جرت في كنف السلم والوئام والانضباط والشفافية أيضا.
إن الانتخابات هي نتاج تغيير شامل لا يمكن أبدا أن يسرق من المصريين، لقد تحرروا جميعا من الخوف والقمع كما ترسخت لديهم قناعة بأنهم قد "امتلكوا" بلدهم مصر وأصبح لهم صوت ورأي وموقف ورؤية فيما يتعلق بمستقبل بلادهم ورفاهيتهم وهو أمر يحملهم أيضا مسؤولية كبيرة.
إن هذا التغيير يتجلى كأجمل ما يكون في الانضباط الكبير ومظاهر الالتزام إضافة إلى الخطاب السياسي المفعم بالقوة والحماسة والحيوية. يتجلى التغيير الذي طرأ على مصر أيضا في تلك التوقعات العالية التي أدت في أحيان كثيرة إلى تفجر أحداث تدل على أن الصبر قد بدأ ينفد وأن مشاعر الإحباط قد بدأت تتفاقم.
قد تؤدي نتائج الدورة الأولى من الانتخابات المصرية إلى إثارة العديد من التساؤلات المتعلقة بمسألة الشرعية في بعض الدوائر، ليس لأن الانتخابات قد فشلت في اختبار "الحرية والعدالة"، وهو أمر لم يحدث، بل لأن الانتخابات قد دارت في ميدان اتسم بعدم التكافؤ، فالوقت الذي أتيح للمرشحين إلى الانتخابات الرئاسية من أجل الإعداد لحملاتهم الانتخابية كان من الوقت الذي أتيح للمرشحين الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السنة الماضية كما أن الظروف قد اختلفت من انتخابات إلى أخرى.
لا شك أن الكثير من المخاوف سوف تتجلى في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها في شهر يونيو ٢١٠٢. لا شك أن مهمة الرئيس المصري القادم لن تكون سهلة إذ ان العديد من الملفات الساخنة والتحديات الجسيمة ستكون بانتظاره منذ اليوم الأول لدخوله إلى قصر عابدين. خلاصة الأمر، ان مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية ستكون دقيقة وحساسة وستتطلب الكثير من الحنكة لإدارتها وتمكين البلاد من الخروج من عنق الزجاجة.
إن جميع هذه الأسباب ؟ وغيرها ؟ هي التي ربما تجعل المصريين يشعرون بالكثير من الحيرة والارتباك والغموض وتكثر بالتالي تساؤلاتهم حول حقيقة ما تعنيه هذه الانتخابات الرئاسية لهم أو لبلادهم. قد يتساءل الكثير من المصريين عما إذا كان يتعين عليهم النزول إلى الشوارع ثانية أو إتاحة الفرصة للرئيس القادم كي يحكم البلاد. لا شك أن الأوضاع المالية والاقتصادية الحساسة جدا التي تمر بها مصر قد تؤثر بشكل عميق في اتخاذ مثل هذه القرارات.
يجب على مصر اليوم أن تتخذ قرارات حاسمة من أجل معالجة التحديات الاقتصادية والمالية الجسيمة التي تواجهها والتصدي لتداعياتها. يجب أن يتم هذا الأمر في إطار الجهود الرامية إلى تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يمثل شعار حملة مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي. يجب أن يتزامن ذلك مع عودة تدريجية للقوات المسلحة المصرية إلى ثكناتها.
ما من ثورة إلا وتصل إلى نقطة يتعين عندها الانتقال من مرحلة تفكيك النظام القديم إلى مرحلة بناء مستقبل أفضل للشعب. إنها نقطة مليئة بالشك والحيرة وانعدام الرؤية كما أنها تكون حبلى بالتحديات والتوقعات والمجازفات أيضا.
إن مصر قد بلغت هذه المرحلة الآن بالذات. يجب أن نعترف أيضا بأن الظروف التي تتم فيها هذه النقلة بالغة الدقة والحساسية.
يتعين على المصريين أن يحسنوا توظيف حرياتهم وصوتهم الذي فرضوه من أجل محاسبة قادتهم المنتخبين سواء في السلطة التنفيذية أو في السلطة التشريعية.
إن العالم بأسره له مصلحة في نجاح المصريين في هذه المرحلة الانتقالية المصرية.
هافنجتون بوست
.
مقالات أخرى...
- الفلسطينيون وعنصرية دولة إسرائيل - (6 يوليو 2012)
- هل حققت المحكمة الجنائية الدولية العدل؟ - (6 يوليو 2012)
- باراك أوباما.. الرئيس الذي خيب الآمال - (5 يوليو 2012)
- تداعيات الأزمة السورية وتباين المواقف الدولية - (4 يوليو 2012)
- ثلاث حروب أهلية في سوريا - (27 يونيو 2012)
- هل تنفع الدبلوماسية بين الغرب وإيران؟ - (27 يونيو 2012)
- هل فتحت مصر صفحة ما بعد الثورة؟ - (14 يونيو 2012)
- ماذا بعد مفاوضات بغداد بين الغرب وإيران؟ - (14 يونيو 2012)
- الغرب لم يعد يخيف دكتاتور سوريا - (14 يونيو 2012)