الفلسطينيون وعنصرية دولة إسرائيل
 تاريخ النشر : الجمعة ٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم: يوسف مناير ?
أنا فلسطيني ولدت في مدينة اسرائيلية أقيمت على ركام قرية فلسطينية، وقد أصبحت بالتالي مواطنا إسرائيليا. أما زوجتي فهي ليست مواطنة إسرائيلية، فهي فلسطينية من مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة من إسرائيل. رغم أن المسافة ما بين مدينتي - اللد ؟ ومدينتها ؟ نابلس - لا تزيد على ثلاثين ميلا فإننا نشعر كأن المسافة التي تفصل بيننا تفوق ستة آلاف ميل هي المسافة ما بين إسرائيل وولاية ماساشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية. هناك درست أنا مع الطالبة الفلسطينية أصيلة من مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة من إسرائيل قبل أن تصبح زوجتي.
تفصل ما بيننا سلسلة لا تنتهي من نقاط التفتيش الأمنية والحواجز العسكرية والمستوطنات المأهولة بآلاف اليهود والطرق الالتفافية وأبراج المراقبة العسكرية، إضافة إلى الجدار الفاصل الذي يوغل فيما تبقى من الضفة الغربية، الأمر الذي يجعلنا نشعر كأننا نلتقي على الجانب الآخر من الكرة الأرضية.
يوجد مطار بن جوريون الدولي على تخوم مدينة اللد الإسرائيلية. وبما أن زوجتي فلسطينية ؟ أي تحمل بطاقة هوية فلسطينية ؟ فهي تضطر للسفر إلى مطار عمّان الدولي. وإذا اعتزمنا السفر معا ؟ وهي تجربة ممتعة لكل زوجين ؟ فإنه يتعين علينا عندها أن نتهيأ لكابوس حقيقي يذكرنا دائما بأنني وزوجتي الفلسطينية غير متساويين أمام القانون الإسرائيلي في شتى مناحي الحياة التي يعرفها كل زوجين.
حتى إذا ما سافرنا معا عبر مطار عمان الدولي فإننا نضطر بعد ذلك إلى التنقل عبر جسرين مختلفين ؟ تفصل بيننا ساعتان كاملتان ؟ كما أنه يتعين علينا في هذه الحالة أن نعيش مرارة الاهانات التي نشعر بها ونحن ننتظر فترة طويلة ونجيب عن العديد من الأسئلة فقط لمجرد أن أحدنا يريد دخول إسرائيل فيما يريد الآخر الوصول إلى مدينة نابلس بالضفة الغربية. إن القوانين الإسرائيلية الجائرة تفصل بيننا.
يمنعني القانون الإسرائيلي من العيش مع زوجتي في منزلي داخل الدولة العبرية نفسها. لماذا؟ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذات مرة ان مثل هذه القيود ترمي إلى منع طغيان عدد السكان الفلسطينيين على اليهود، وان الهدف يتمثل في الحيلولة دون انفجار القنبلة الفلسطينية الديموغرافية، فكل رضيع جديد يولد في إسرائيل ينظر إليه على أنه يمثل "تهديدا ديموغرافيا" لإسرائيل هذه الدولة التي تريد أن تكون يهودية صرفة والتي تكابد من أجل الحفاظ على الأغلبية اليهودية. أما الاسرائيليون الذين يتزوجون أمريكيات أو نساء من أي جنسية أخرى فإنهم لا يعاملون بمثل هذه الطريقة المهينة التي يلقاها الفلسطينيون من دون سواهم حتى إن كانوا مواطنين إسرائيليين.
يوم ٥١ مايو ٢١٠٢ كان الذكرى الرابعة والستين لقيام دولة إسرائيل التي تمثل أيضا ذكرى النكبة، في إشارة إلى هزيمة الجيوش العربية وتقسيم فلسطين بقرار صادر عن منظمة الأمم المتحدة وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين تحولوا إلى لاجئين بعضهم يعيش في الداخل فيما يعيش الآخرون في بلدان الشتات عبر أرجاء العالم.
في سنة ٨٤٩١ تولى إسحاق رابين قيادة فرقة تولت تهجير الفلسطينيين من سكان اللد، فقد أجبر تسعة عشر ألف فلسطيني من سكان المدينة الذين كان عددهم يصل إلى عشرين ألف نسمة على الرحيل بالقوة وتحت تهديد السلاح. كان أجدادي من بين الألف الفلسطيني الذين بقوا هناك. لقد كانوا "محظوظين" حيت انه قد تم تشريدهم في الداخل فقط. بعد مرور عدة سنوات استطاع جدي أن يشتري منزله من جديد في عملية عبثية بكل مقاييس غير أنها تظل أفضل من المصير الذي لقيه أغلب جيراننا الفلسطينيين الآخرين الذين لم يسمح لهم أبدا بإعادة الاستقرار في مدنهم وقراهم الأصلية نفسها.
بعد مرور ثلاثة عقود، وفي شهر أكتوبر ٩٧٩١، منعت إسرائيل رسميا إسحاق رابين من أن يسرد في كتاب مذكراته تفاصيل إضافية عن عمليات تشريد الفلسطينيين من سكان "اللد" و"الرملة" الذين كان عددهم يفوق معا خمسين ألف نسمة. كان إسحاق رابين آنذاك رئيسا لوزراء إسرائيل وقد أراد أن يذكر في كتاب مذكراته تفاصيل عمليات تشريد عشرات آلاف الفلسطينيين من "اللد" و"الرملة" ويبرر ذلك بالقول إنه كان ضروريا من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لقيام دولة إسرائيل.
بعد مرور جيلين كاملين من الزمن لاتزال تداعيات السياسات العنصرية الإسرائيلية تتفاقم، فإسرائيل تسعى إلى الحفاظ على صورتها زاعمة أنها تمثل قلعة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وأنها تحسن معاملة مواطنيها من الفلسطينيين، في الوقت نفسه الذي تواصل فيه سياساتها العنصرية وغير الليبرالية ضد الفلسطينيين. إن إسرائيل لها تاريخ طويل مع هذه الممارسات والسياسات العنصرية.
في الخمسينيات من القرن العشرين شرعت إسرائيل قوانين جديدة من أجل مصادرة أراضي الفلسطينيين بعد تصنيفهم على أنهم "متغيبون". وبطبيعة الحال فإن إسرائيل هي التي "غيبتهم" بعد أن شردتهم من ديارهم إما بمنع اللاجئين من العودة وإما بمنع أولئك الفلسطينيين المهجرين داخلها من الوصول إلى أراضيهم. هؤلاء يعرفون باسم "الغائبين الحاضرين" وهي تسمية تثير السخرية حيث انهم يستطيعون رؤية أراضيهم من بعيد من دون أن يسمح لهم بالوصول إليها بسبب القيود العسكرية التي استخدمت كغطاء لانتزاع الأراضي الفلسطينية. لقد ظل الفلسطينيون يعيشون إلى حدود سنة ٦٦٩١ تحت القوانين العسكرية.
أما اليوم فإن أي يهودي من أي دولة في العالم يستطيع الدخول إلى إسرائيل متى شاء، أما اللاجئ الفلسطيني الذي يملك أوراقا ثبوتية ووثائق ملكية في إسرائيل فإنه يمنع من ذلك. ورغم أن الفلسطينيين يمثلون اليوم ٠٢% من إجمالي سكان إسرائيل فإن نصيبهم من ميزانية إسرائيل لسنة ٢١٠٢ لا يتعدى نسبة ٢%. لقد شرعت إسرائيل ما لا يقل عن ٥٣ قانونا يكرس التمييز العنصري ضد سكانها العرب.
? المدير التنفيذي لصندوق القدس
إنترناشيونال هيرالد تربيون
.
مقالات أخرى...
- كسبت مصر رهان الانتخابات.. فهل تكسب رهان الديمقراطية؟ - (6 يوليو 2012)
- هل حققت المحكمة الجنائية الدولية العدل؟ - (6 يوليو 2012)
- باراك أوباما.. الرئيس الذي خيب الآمال - (5 يوليو 2012)
- تداعيات الأزمة السورية وتباين المواقف الدولية - (4 يوليو 2012)
- ثلاث حروب أهلية في سوريا - (27 يونيو 2012)
- هل تنفع الدبلوماسية بين الغرب وإيران؟ - (27 يونيو 2012)
- هل فتحت مصر صفحة ما بعد الثورة؟ - (14 يونيو 2012)
- ماذا بعد مفاوضات بغداد بين الغرب وإيران؟ - (14 يونيو 2012)
- الغرب لم يعد يخيف دكتاتور سوريا - (14 يونيو 2012)