الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٥ - الأحد ٨ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مصارحات


قطّاع طرق آخر موديل





قال لي، لا تظنّ أنّ أيّ مشروع ينفّذ ويمرّر في الدولة، يمرّ من دون أن تكون هناك أنفاق وحُفر وخزائن مثقوبة، تستولي على «المقسوم»، قبل أن تمرّر المشروع!

قلت له كيف؟ قال لي: تلفّت يمنة ويسرة، أغلب المشاريع تتعطّل وتمرّ بمخاض طويل، شبيه بمخاض أنثى الفيل بفيل كبير الحجم مقاس «٣ إكس لارج»!

مشاريع يتقدّم لها مقاولون بحرينيون، يتم رفضهم، لتصرف الملايين على شركات غريبة وجديدة، تستلم الأموال ولكن تفشل في تنفيذ المشروع، لتعود الوزارات المعنيّة بإيكال المهمّة لنفس المقاول البحريني الذي رُفض أوّل مرّة، ولك أن تتذكّر مشاريع جسور مدينة عيسى ومستشفى الملك حمد مثلا.

يواصل ذلك المتمرّد حديثه فيقول: يتم ترسية المناقصات على شركات معيّنة، تمتلك أنفاقاً أرضيّة محصّنة، تزحف بداخلها ملايين المشاريع التي يُفترض أن تنفّذ!

بعد سنوات من الزمن الافتراضي لإتمام المشاريع، تجد المشروع إمّا «خديج» لم يكتمل! أو فوجئ بأنّ المشروع نفّذ فقط على أوراق الصحف!

وفي أحيان كثيرة - وهو المضحك المبكي- تجد أنّ المشروع لم ينفّذ بينما ميزانيته والأرض التي يُفترض أن يقام عليها قد ذهبا في خبر كان.

قلت له، هذه مصيبة دولنا الخليجية، حيث الثروات النفطيّة الهائلة، ومشاريع التنمية معطّلة، بينما الفساد يلتهم ثروات الشّعوب، وكلّ المصائب تجدها مكرّرة في جميع دول مجلس التعاون، مع وجود فارق بسيط، وهو أنّ بعض الدول مع وجود الفساد وتعطّل التنمية فيها، إلا أنّها تعطي الناس وتثريهم، بينما في دول أخرى في محيطنا الخليجي الصغير - والبحرين منها- تجد تضخّماً في مشاريع الفساد، بينما تجد فقراً في التوزيع العادل للثروة بين النّاس.

القضيّة لا تتوقّف عند البحرين فقط، فقضيّة فيضانات جدّة والرياض، فتحت ملفاً شبيهاً لملايين دُفعت لتنفيذ مشاريع ضخمة، وعند أزمة السيول اكتشف النّاس أنّ تلك المشاريع لم تنفّذ، ليذهب ضحيّتها المئات.

مشاريع كثيرة في الدولة معطّلة، ولا تجد سبباً مقنعاً لتأخيرها، إلاّ لأنّ هناك من يخطّط لينفّذ المشروع ضمن إطار معيّن ليضمن حصّته، وهو الحديث الذي يتناوله النّاس عن حديقة المحرّق الكبرى مثلا، حيث تمّ تعطيل المشروع وإعاقته لسنوات، ليفاجأ النّاس بتنفيذه بطريقة مغايرة لما يُفترض به أن يكون.

الإهمال الحاصل في بلاج الجزائر، وفي مشاريع أخرى في البلد، سوف نفاجأ بعد فترة، بطريقة جديدة لتنفيذ المشروع، حينها لك أن تسأل: في أي جيب سوف تُمطر تلك الملايين؟

مصيبة دولنا أنّ الفساد وجيوبه باتوا لا يشعرون بالخجل، كما باتوا لا يشعرون بالذّنب، فما حدث للبلد من مصائب، كان يُفترض أن يقوم بدور حبوب منع الشهيّة بالنسبة إليهم، ولكنّنا صُدمنا بأنّ ما حدث، قام بدور حبوب فتح الشهيّة، تقضي على الأخضر واليابس.

النّاس تئنّ في جميع احتياجاتها، فلا رواتب مُرضية، ولا مستوى مناسب للمتقاعدين، ولا خدمات إسكانية تليق بالبشر، في المقابل تجد انتعاشاً في جيوب، وانتفاخاً في بطون، وترهّلاً في أجساد من يمصّ ثروات البلد، ليفرح بها لوحده، بينما النّاس تعوّدوا على التذمّر و«التحلطم»، لأنّه «ببلاش».

برودكاست: قطّاع الطرق في البراري، أجسادهم رشيقة، يلبسون ملابس تسهّل انتقالهم وممارسة سرقتهم بسهولة ويسر، بينما قطّاع طُرق المُدن، ولن تجد أسمن منهم، فهم يسرقون ويضحكون، لأنّهم متيقّنون من سلامة المخرج.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة