من اغتال ياسر عرفات؟
 تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢
هل مات الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مسموما بمادة البولونيوم؟ ذلك هو السؤال الذي أصبح يتردد بإلحاح بعد أن بثت قناة الجزيرة الفضائية برنامجا وثائقيا مثيرا للجدل حول هذه المسألة. في الحقيقة ظلت إسرائيل متهمة منذ سنة ٢٠٠٤ باغتيال رئيس السلطة الفلسطينية غير أن نظريات وفرضيات أخرى طفت على السطح، ذلك أن الرئيس كان له أعداء في إسرائيل وخصوم في داخل فلسطين نفسها.
عادت مسألة وفاة ياسر عرفات لتطفو على السطح بكل قوة بعد مرور سبع سنوات كاملة على موته ودفنه. لقد قدم البرنامج الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة نتائج التحقيق الذي أجري على مدار تسعة أشهر كاملة وما تمخضت عنه التحليلات التي أجريت في احد المختبرات العلمية السويسرية وتعلقت ببعض الأمتعة الشخصية التي كانت للزعيم الفلسطيني الراحل الذي توفي عن سن الخامسة والسبعين يوم ١١ نوفمبر ٢٠٠٤ في مستشفى بيرسي العسكري في جنوب العاصمة الفرنسية باريس.
تشمل هذه الأمتعة الشخصية أساسا ملابس داخلية وبقعة دم على إحدى القبعات الطبية التي استخدمها ياسر عرفات، إضافة إلى فرشاة للأسنان وبقايا البول على الملابس الداخلية وبعض الشعر.
قال فرنسوا بوشو، مدير معهد الطب الاشعاعي في مدينة لوزان السويسرية:
«لقد أظهرت نتائج التحليل العلمية المخبرية وجود مستوى مهم من مادة البولونيوم في هذه الأمتعة والعينات الشخصية»، كما أضاف أن هذه المادة لا تتوافر إلا «لدى الأطراف المهتمة بتصنيع الأسلحة النووية».
في سنة ٢٠٠٤ لم يكن أي من الأطباء الخمسين الذين سهروا على علاج ياسر عرفات قادرين على تحديد السبب الحقيقي لتدهور حالته الصحية بمثل تلك السرعة ليموت في يوم ١١ نوفمبر سنة ٢٠٠٤ ويخلف وراءه سيلا من الأسئلة التي لم تجد من يجيب عنها. بدأت رحلة الزعيم الفلسطيني مع المرض في شهر أكتوبر من سنة ٢٠٠٤ قبل أن يتوفاه الأجل بعد بضعة أسابيع.
في سنة ٢٠٠٥ استبعد تحقيق رسمي فلسطيني فرضية وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات نتيجة التسمم أو السرطان أو الإيدز من دون أن يقدم أي إثبات لما توصل إليه من نتائج. لقد تمكنت صحيفة نيويورك تايمز بعد ذلك من الاطلاع على السجلات الطبية الخاصة بياسر عرفات واعتبرت أن وفاته كانت ناجمة عن أزمة قلبية جراء مشكلة غامضة في الدم.
في سنة ٢٠٠٧، نقلت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية عن الطبيب الخاص لياسر عرفات قوله إنه تم العثور على آثار مرض نقص المناعة في دم ياسر عرفات غير أنه استبعد أن تكون وفاته ناجمة عن مرض الإيدز. في تلك الفترة نفسها، نشرت صحيفة «عمّان» حوارا مطولا مع مسئول من وزارة الصحة الأردنية وقد ذكر آنذاك أن الزعيم الفلسطيني مات مسموما. وفي سنة ٢٠١١، قال بسام أبوشريف ؟ الذي كان يعتبر من المقربين إلى «الريس» لصحيفة «العربية» إنه على يقين بأن ياسر عرفات مات مسموما بمادة «التاليوم» وهي من العناصر النادرة.
لقد ذكر بعض المصادر الداخلية في جهاز حماية الجيوش من الاشعاعات للصحفي جون إيف نو أن كل التحاليل التي أجريت سنة ٢٠٠٤ شملت عينات من البول وأفضت إلى استبعاد وجود أي اشعاعات من نوع «ألفا»، أو «بيتا» أو «جاما». تعتبر هذه المصادر أن الأطباء الفرنسيين أخفقوا في اكتشاف وجود هذا العنصر الاشعاعي سنة ٢٠٠٤، أي مادة البولونيوم السامة.
يقول فرنسوا بوشو إنه لابد من الاسراع في إجراء تحاليل مخبرية جديدة لأن مادة البولونيوم تتلاشى بسرعة، الأمر الذي يتسبب في اندثار أي أدلة.
هل تكون إسرائيل مسئولة عن موت ياسر عرفات مسموما؟
لقد طفت فرضية تورط المخابرات الاسرائيلية ؟ وجهاز الموساد تحديدا ؟ منذ وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات يوم ١١ نوفمبر .٢٠٠٤ في خضم احتفال الاسرائيليين بالعام اليهودي الجديد في سنة ٢٠٠٤ راح رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك أرييل شارون يذكر بكثير من التبجح بأن الدولة العبرية نجحت في اغتيال الزعيم الروحي لحركة المقاومة الاسلامية ؟ حماس ؟ الشيخ أحمد ياسين وقتلت خليفته الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي بل إنه قال إنه لا يرى أي فرق يذكر بين الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
لقد نقل عن ارييل شارون يومها قوله: «كما قمنا بتصفية هؤلاء القتلة فإننا سنفعل الشيء نفسه مع ياسر عرفات».
لقد ظل ارييل شارون يعبر أكثر من مرة عن ندمه لأنه لم يقم بتصفية ياسر عرفات جسديا خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان ووصول الجيش الاسرائيلي بقيادة ارييل شارون إلى بيروت سنة .١٩٨٢
لقد اعتبر بعض المحللين أن إسرائيل لم تكن لها أي مصلحة سنة ٢٠٠٤ في تصوير الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات - الذي كان آنذاك في موقف ضعف ومعزولا في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله في الضفة الغربية، وقد اشتدت عزلة ياسر عرفات- تصويره بالضعف، حتى انه لم يمثل المحاور الشرعي وخاصة منذ تولي محمود عباس رئاسة الحكومة في السلطة الوطنية الفلسطينية الذي أصبح بعد ذلك رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية.
قال فرنسوا لوجرين، الباحث في مجموعة البحوث والدراسات حول الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط:
«في سنة ٢٠٠٤، كانت مسألة الإبقاء على ياسر عرفات حبيسا في مقر إقامته في مدينة رام الله تخدم المصالح الإسرائيلية. عندها أصبح بإمكان إسرائيل أن تحمل ياسر عرفات المسئولية عن المصاعب التي تواجه الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني فيما بدأ حلم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة صعب المنال».
لقد كانت حركة المقاومة الاسلامية ؟ حماس ؟ الرابح الأكبر من وفاة ياسر عرفات حيث إن حركة حماس سجلت في تلك الفترة دخولها إلى الساحة السياسية الفلسطينية. لقد رفض فرنسوا لوجرين تلك الفرضية التي تتحدث عن احتمال تورط حركة حماس.
يقول فرنسوا لوجرين في هذا الصدد: «لم تلجأ حركة حماس أبدا إلى أسلوب الاغتيالات ضد أعضاء حركة فتح، بل إن أعضاء حركة فتح هم الذين استهدفوا بعضهم بعضا عبر اللجوء إلى اغتيالات. كذلك أسلوب الاغتيال باستخدام المواد السامة لا يدخل ضمن ممارسات الفلسطينيين الذين يفضلون شيئا اسمه رشاش الكلاشينكوف».
لقد طفت على السطح أيضا فرضية أخرى لدى إعلان وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات يوم ١١ نوفمبر ٢٠٠٤، حيث إن دعاة هذه الفرضية تحدثوا عن إمكانية وجود مؤامرة مدبرة ضد «أبي عمار» بالتواطؤ بين إسرائيل ومحمود عباس.
في سنة ٢٠٠٩أعلن القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي أن ارييل شارون ومحمود عباس دبرا عملية اغتيال ياسر عرفات، مضيفا أن محمود عباس استغل الفرصة وتولى قيادة حركة فتح وأصبح بعد ذلك رئيسا للسلطة الفلسطينية.
لقد نفى محمود عباس الاتهامات بشدة ذلك الاتهام حيث إنه اتهم فاروق القدومي الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية بأنه «مختل المدارك العقلية» و«مصاب بالخرف».
لقد ذكر موقع جلوبل بوست أن «أغلب الفلسطينيين في رام الله يقولون ان الاتهامات التي عبر عنها فاروق القدومي تعكس أيضا ما يعتقدونه».
أما بسام أبوشريف ؟ الذي كان أيضا مقربا إلى الزعيم الراحل ياسر عرفات ؟ فقد استبعد فرضية تورط محمود عباس مع ارييل شارون في عملية الاغتيال غير أنه شدد على ضرورة إجراء تحقيق مستفيض.
لم يتم أبدا إجراء مثل هذا التحقيق للوقوف على حقيقة ملابسات وفاة ياسر عرفات.
أتلانتيك
.
مقالات أخرى...
- هل اغتال «الموساد» الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؟ - (13 يوليو 2012)
- الفلسطينيون وعنصرية دولة إسرائيل - (6 يوليو 2012)
- كسبت مصر رهان الانتخابات.. فهل تكسب رهان الديمقراطية؟ - (6 يوليو 2012)
- هل حققت المحكمة الجنائية الدولية العدل؟ - (6 يوليو 2012)
- باراك أوباما.. الرئيس الذي خيب الآمال - (5 يوليو 2012)
- تداعيات الأزمة السورية وتباين المواقف الدولية - (4 يوليو 2012)
- ثلاث حروب أهلية في سوريا - (27 يونيو 2012)
- هل تنفع الدبلوماسية بين الغرب وإيران؟ - (27 يونيو 2012)
- هل فتحت مصر صفحة ما بعد الثورة؟ - (14 يونيو 2012)