الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٤ - الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


لماذا زارت هيلاري كلينتون مصر؟!





وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كيلنتون زارت مصر لمدة يومين. الزيارة تم النظر إليها بشكل عام على انها مهمة. فهذه هي أول زيارة لأكبر مسئول امريكي لمصر بعد التطورات الأخيرة وخصوصا بعد انتخاب رئيس جديد.

لكن، لماذا زارت كلينتون مصر أصلا؟

قد يبدو هذا التساؤل غريبا لأول وهلة. المفروض ان الإجابة بديهية واضحة. حين تزور وزيرة خارجية أمريكا مصر، أو أي بلد، المفروض ان الهدف هو بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وما قد يكون مثارا من مشاكل تعترض هذه العلاقات، والبحث عن سبل تطويرها وتعزيزها.. وهكذا.

هذا هو المفروض بداهة. لكن الحادث انه من متابعة تحركات كلينتون وتصريحاتها المعلنة اثناء الزيارة، وأيضا تصريحات مسئولين امريكيين آخرين عن الزيارة، يتضح ان هذا الهدف كان آخر ما اهتمت به كلينتون خلال زيارتها. هذا الهدف المتعلق بالعلاقات الثنائية احتل في افضل الاحوال ما لا يزيد عن ١٠% من اهتمامات كلينتيون. هذا على الاقل ما تؤكده تصريحاتها وتحركاتها المعلنة.

حقيقة الأمر ان كلينتون زارت مصر بهدف التدخل السافر في الشئون الداخلية. ليس هذا فحسب، بل ان كلينتون في تصريحاتها ومواقفها المعلنة اثناء الزيارة بدت كما لو كانت قد نصبت نفسها "وصيا" على المصريين، واعطت لنفسها ولأمريكا الحق في ان تحدد هي ما يجب وما لا يجب عمله، وأي نوع من السياسات يجب اتباعها، وما يجوز ولا يجوز.

ولنا ان نتأمل فقط ما يلي:

قبيل وصول كلينتون إلى القاهرة، قال مسئول في الخارجية الامريكية ان "كلينتون سوف تبحث في مصر الخطوات التي ينوي المصريون القيام بها بخصوص الدستور والبرلمان وجوانب أخرى من المؤسسات التي ستؤدي في النهاية الى انتقال كامل نحو حكم مدني ديمقراطي". وقال أيضا ان كليينتون "ستبدي قناعتها الراسخة بأن الديمقراطية لن تنجح في مصر الا مع حماية حقوق جميع المصريين بما في ذلك الاقليات الدينية والنساء".

هذا اذن هو الهدف الذي تحدد مسبق لزيارة كلينتون.

وكما نرى، فانها قررت سلفا ان زيارتها هي لغرض التدخل في قضايا هي من صميم الامور الداخلية المصرية كقضايا الدستور والبرلمان وانتقال السلطة والأقليات ... الخ. هذا مع العلم ان احدا لم يطلب منها رأيا اصلا في أي من هذه القضايا... وما دخل امريكا اساسا في هذه القضايا حتى تكون هي الهدف الرئيس من الزيارة؟.

واثناء زيارتها، انصبت كل تصريحات كلينتون تقريبا على القضايا الداخلية المصرية.

صحيح انها دأبت على ان تبدأ تصريحاتها بالقول إن "الشعب المصري هو صاحب القرار وليس الولايات المتحدة". لكنها سرعان ما تحدد هي للشعب المصري وللقوى السياسية، ما الذي يجب ان يتقرر بالضبط. ولنتأمل فقط هذا الذي قالته.

قالت، "الولايات المتحدة تؤيد قيام حكم ديمقراطي كامل في مصر وعودة الجيش لأداء دوره الذي يقتصر على حماية الأمن القومي".

مثل هذا الكلام لا ينطوي على تدخل سافر في شأن داخلي بحت وحسب، بل هو في منتهى الخطورة.

خطورة هذا الموقف، وخطورة التدخل الامريكي السافر في الشئون الداخلية عموما على النحو الذي تجسد في زيارة كلينتون وما قالته خلالها، تتضح في الجوانب التالية:

١ - ان هذا التدخل يجيء في وقت في غاية الحساسية في مصر. في وقت تشهد مصر صراعا سياسيا معروفا بين قوى شتى، وخصوصا بين مؤسسة الرئاسة والمجلس العسكري، وتشهد بشكل عام اوضاعا سياسية متوترة.

ومعنى ان تتدخل امريكا بأي شكل في ظل هذا المناخ، انها ببساطة وفي كل الاحوال تؤجج هذا الصراع وتفاقمه.

٢ - ان كلينتون في مواقفها المعلنة، ناهيك عما دار وراء الكواليس في اللقاءات التي عقدتها مع القيادات المصرية، اتخذت موقفا منحازا الى طرف بعينه من الاطراف السياسية هو الرئيس وجماعة الاخوان المسلمين.

وتصريحها السابق عن ابتعاد الجيش نهائيا عن العمل السياسي اكبر دليل على ذلك.

بالطبع هذا الانحياز الامريكي السافر لطرف محدد هو لمصالح ولحسابات امريكية ايا كانت، وليس لحساب المصلحة المصرية.

٣ - ان امريكا بهذا الانحياز وبمثل هذه التصريحات التي ادلت بها كلينتون، تحرض من جانب على اشعال الصراع بين مختلف القوى في مصر، وخصوصا بين المؤسسة العسكرية والرئاسة، وتحرض عمليا على الخروج على القانون واحكام القضاء والدستور.

من هذه الجوانب يتضح ان زيارة كلينتون لمصر لم تكن فقط تدخلا سافرا في الشئون الداخلية المصرية هو بالضرورة مرفوض ومستهجن، لكن الاخطر من هذا ان هذه الزيارة كانت تحريضا مباشرا على الفتنة والصراع الداخلي المفتوح.

للحديث بقية باذن الله.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة