الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٤ - الثلاثاء ١٧ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

في الصميم


كل الحلول مطروحة فهل نعود إلى الوراء؟!





ما ورد في بيان جلسة مجلس الوزراء أمس الأول من حيث تأكيد "ضرورة أن تكون إجراءات تحصيل رسوم العمل الشهرية المتأخرة على المؤسسات والشركات متدرجة ومرنة، وتراعي ظروف أصحاب هذه المؤسسات في ظل التحديات الاقتصادية العالمية" هذا التأكيد الذي يرقى إلى مرتبة القرار الحاسم مادام هو - أي القرار - صادرا عن مجلس الوزراء إلى هيئة حكومية أراه في دلالاته وتأثيراته وجدواه أهم من قرار المجلس الذي صدر مؤخرا بتمديد تجميد تحصيل رسوم العمل حتى نهاية العام الجاري.. لماذا؟

لا نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال، أو نغمض أعيننا عن الحقيقة المرة ألا وهي وجود العديد من المؤسسات والشركات المتعثرة.. وبعضها لم يقو على المقاومة ورفع الراية فأعلن إفلاسه، ولا يزال البعض الآخر يعاني من الاحتضار والضعف والهوان. وعلى وجه الخصوص الشركات المتوسطة والصغيرة.. وكلنا نعرف السبب وهي التأثيرات السلبية للأحداث الأخيرة.. وغدر الغادرين الذين يسعدهم أن يكون لهم ذاك التأثير السلبي والمدمر على الوطن واقتصاده.. فكم تنشرح صدور عندما يسمع أصحابها أنهم قد نجحوا فيما أرادوا من نشر المعاناة في كثير من جنبات الوطن، وعندما أصابوا بها في طيش الكثير من المواطنين في أرزاقهم ومصائرهم.

لم ينطلق قرار مجلس الوزراء من فراغ فيبدو أنه قد أنبنى على ضوء مذكرة تقدم بها وزير العمل الذي هو في الوقت نفسه رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل.. وحسبما يتردد ان هذه الهيئة قد تلقت مئات طلبات الاعثار، ولديها قوائم بتزايد أسماء غير القادرين على الوفاء بما عليهم من رسوم متأخرة.. وقد خارت قواهم فأصبحوا غير قادرين على سداد ما يطالبون به، كما ثم تنتظرهم إجراءات التقاضي والتصفية والحجز وغير ذلك من الإجراءات.

الحقيقة أن توجيهات سمو رئيس الوزراء ونظرته إلى هذه القضية قد جاءت شاملة وإنسانية في مجملها.. فعندما قرر سموه تمديد قرار تجميد الرسوم حتى نهاية العام لم يقف عند حدود تمديد التجميد.. بل وجه أيضا إلى دراسة الحالة برمتها، وبأن يكون هناك بحث هدفه تحقيق التوازن بين مصالح كل الأطراف، وإيجاد البدائل الملائمة إلى آخره.. وأعتقد أن مجلس الوزراء سيكون حريصا على حسم هذه القضية قبل نهاية هذا العام بإذن الله حيث يأمل الجميع خيرا.هذه القضية ليست سهلة.. بل إنها في منتهى الصعوبة.. وتكاد تضع المسئولين عنها في مأزق خطير.. فإذا نظرنا إلى مصلحة أصحاب الأعمال والتجار وحدهم سنكون مخطئين.. فلابد أن ننظر إلى الطرف الآخر.. وهذا الطرف يشمل هيئتين كبيرتين.. لا شك أن لهما أهدافا وطنية نبيلة قامتا عليها.. ألا وهما: هيئة تنظيم سوق العمل، وهيئة صندوق العمل "تمكين".. فقد جاءتا وفق أهداف أقرتها السلطة التشريعية وأقرها معها المجتمع بأسره.. وكذلك غرفة تجارة وصناعة البحرين المنظمة المسئولة أو الممثلة للقطاع التجاري والصناعي بأكمله.. وما يحضرنا من هذه الأهداف الوطنية النبيلة التي تقوم عليها الهيئتان ما يلي:

} إن هدف إحدى الهيئتين أو كلتيهما معا هو تيسير حصول أبناء البلاد على الوظائف والرواتب اللائقة.. وإفساح المجال أمام توفير فرص التدريب والقيام بمتطلباته وفق أعلى مستوياته نيابة عن القطاع الخاص بـأكمله.

} إن فرض رسوم العمل في حد ذاتها.. وهي تخص العمالة الأجنبية وحدها يجعل هدفها الأول تقليل اعتماد صاحب العمل على العمالة الأجنبية.. والحد من مزاحمة العمالة الأجنبية للعمالة الوطنية.. وجعل اللجوء إلى العامل البحريني هو الخيار المفضل، والتصدي للبطالة بكل أنواعها.. الخ.

من مهام "تمكين" أيضا هو السعي إلى إقالة الشركات والمؤسسات المتعثرة من عثرتها.. وقد حدث الكثير فعلا سيرا على هذا الطريق.. وكان لـ "تمكين" أيضا دور في الحد من المؤثرات السلبية للأزمة أو الأزمات الأخيرة.

} أسهمت الهيئة وتساهم الآن أيضا في عملية توظيف الجامعيين وغيرهم من خلال المساهمة في تحمل جانب من أجور ورواتب الجامعيين وغيرهم عندما تجد الشركات والمؤسسات نفسها غير قادرة على الوفاء بما تفرضه الحكومة من مستوى محدد لرواتب الجامعيين وغيرهم (٤٠٠ دينار شهريا للجامعي كحد أدنى).. الخ.

هذا هو ما يحضرني من الأهداف التي قامت على أساسها هيئة تنظيم سوق العمل ومعها "تمكين".. ويكفي هنا أن نقول إنه عندما أشرنا إلى وجود العديد من الشركات التي تعاني من الاعثار.. فإننا قد قصدنا إلى أن هذه الشركات المتعثرة معرضة للتزايد، كما أنها ستكون أكثر تعرضا إلى ما هو أشد من الاعثار وهو الإفلاس و"انفضاض سامرها".. ذلك لأن مواصلة تمديد التجميد تعني شل قدرة "تمكين" على إقالة هذه الشركات المتعثرة من عثرتها.. ويعني أيضا عدم قدرتها على المساهمة في دعم أجور ورواتب العاملين بالقطاع الخاص والإنفاق على التدريب عندما تنتهي الملايين التي في خزانتها فيجيء عليها الدور في الإفلاس!

لذلك علينا أن نسارع في تنفيذ توجيهات سمو رئيس الوزراء بالبحث من أجل ترشيد نظام رسوم العمل، أو إيجاد البدائل التي تراعي مصلحة كل الأطراف.. أو - ليس ذلك ببعيد - إلغاء منظومة "تنظيم سوق العمل" بكاملها من بدايتها وحتى نهايتها.. والعودة إلى النظام السابق أو القديم.. عندما كان كل شيء بيد وزارة العمل وحدها.. هذا إذا كنا نقبل - وعلى غير مضض - بالعودة إلى الوراء!



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة