الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٦ - الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


أمريكا تريد مستقبلا مظلما للبحرين والخليج العربي





} كفانا ادعاء وكفانا تكاذبا وكفانا استغباء، فاللعبة مكشوفة على أرض الواقع في الشرق الأوسط (بحسب المسمى)، و(ربيع الدم العربي) يفضح الأجندات ولا يسترها، والمآلات والنهايات باتت أكثر انكشافا من أي وقت مضى، وأمريكا لم تعد حليفا للأنظمة في الخليج العربي كله، لأن الرهان اليوم حسب استراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط هو على تحريك الشعوب لقلب الأنظمة، حتى تلك المستقرة والسائرة في طريقها الديمقراطي الطبيعي كالبحرين لا يراد لها الاستقرار، لأن صاحبة الجلالة الأمريكية تريد وجوه صراع جديدة في المنطقة، تتغير من خلالها أصول اللعبة القديمة كلها، فحين يأتي "الاخوان المسلمون" مثلا حسب وجهة نظرها ليحكموا البلاد العربية، فإنها تكون قد وصلت إلى تحقيق (الثورة المضادة) التي تريدها في تلك البلدان وفي المنطقة، ولكن من خلال إحكام القبضة عليها وعلى صانعيها، بدل ان تسوح حرة وتصوغ لاحقا أبجدية عدائها لامريكا أو لاسرائيل كما هي مبادئها، وفي ذات الوقت تحتوي قادة هذا (الاسلام السياسي) في العالم العربي، وتدجن من تستطيع تدجينه، وتخلق من خلال وجودهم في السلطة وبدعم مسبق من جانبها لهم، مفردة صراع جديدة، تثير التيارات الاخرى والطوائف غير المسلمة، (وبذلك تتحرك ماكينة الصراعات والفتن والفوضى) التي تجيد الولايات المتحدة، اللعب على خيوطها بجدارة، في تلك المجتمعات التي حسب الظاهر حققت ديمقراطيتها وما يريده الشعب، وفي ذات الوقت تكون أمريكا قد مسكت بتلابيب من يصل إلى الحكم، وإلا فإن الشعب الذي أسقط النظام سابقا بامكانه وبتحريك خارجي متقن أن يقوم بذات العملية مرة وأكثر من مرة حتى تستتب الامور حسب الرؤية الامريكية.

} في الخليج العربي حيث العامل الشيعي هو (حصان طروادة) القابل للعب على كيانه لتغيير الانظمة، فإن اللعبة مزدوجة هنا فهي من جهة "أمريكية" ومن جهة أخرى "ايرانية"، و"الحلفاء القدماء" بالامكان التضحية بهم بسهولة، إذا ما تعاضدت القوتان لإحداث التغيير، عبر فتح الشهية الطائفية للاستحواذ على السلطة، وبالنسبة إلى امريكا المسألة تستحق المجازفة، فهؤلاء جميعهم سيكونون اتباع مرجعية واحدة آمرة، ومع تلك المرجعية الأم يسهل التفاهم واللعب السياسي، فقد تم تجريب ذلك في العراق مع (السيستاني) والـ ٢٠٠ مليون دولار كما جاء في مذكرات "رامسفيلد" بعد احتلال العراق، وكيف عملت المرجعية على تحييد الموقف الشيعي من محاربة الاحتلال، وحيث الولايات المتحدة مقتنعة كما يبدو بأن المرجعية تلك تخلو أدبياتها من عنصر (الجهاد)، كما ان الطرف الايراني أثبت انه يعرف كيف يلعب مع الغرب وكيف يأخذ ولا يعطي، عكس الانظمة الخليجية التي تعطي ولا تأخذ أو ليس لديها متطلبات كثيرة أو شره في الهيمنة او الظهور كمنافس للغرب في الطمع في البلدان الاخرى، ولا بأس في مثل هذا الطريق الجديد او الاستراتيجية الجديدة التحالف المؤقت مع إيران التي لا تمانع بدورها وتعتبر ان الثور الامريكي قد وقع في يد الفلاح الايراني، وان يتم اطعام التابعين للمرجعيات أو المرجعية الأم وان يتم تدريبهم على شعارات الديمقراطية والاصلاح والتغيير، فإن جاء الوضع غير موائم للتغيير بتلك الشعارات الزائفة، فلا بأس من العنف والارهاب ودعمهما في السر أو في العلن، المهم هو (حدوث التغيير واسقاط الانظمة) فالمرشد الاعلى في طهران على عجل من أمره أكثر من الاستعجال الامريكي، بحدوث الفتنة واراقة الدماء وخلخلة الاوضاع بشكل كامل، ولربما ما يحدث اليوم في سوريا كان خارج السياق المرسوم لدول المنطقة، وللقمر الشيعي المكتمل وللبحرين الكبرى، حسب هذا أو ذاك، ولذلك فليبَد الشعب السوري عبر المذابح والمجازر لعل وعسى ان يكون بامكان النظام البقاء، رغم كل ذلك، وفي ذات الوقت فإن الفوضى أو الحرب الاهلية في سوريا مطلوبة في حد ذاتها (أمريكيا) وهي تكتفي حتى الآن بذلك، لأن التحالف الامريكي - الايراني فيه خطوط تتقاطع وأخرى تتوازى وأخرى تتنافر، وهكذا أيضا تدور عجلة الصراع الماسونية في العالم كما يشتهي سادتها، وكما يعتقد الايرانيون ان بامكانهم السيطرة على الثور الامريكي الجامح وقت اللزوم.

} البحرين والخليج هما بؤرة استقطاب اليوم، وبؤرة صراع غير محسوم، في اتجاه ما يريده المشروع الامريكي او الايراني، فقد فشل الحراك الانقلابي الطائفي في البحرين على غير توقع، ودخل اليوم مضمار الارهاب المنظم والممنهج، فيما الوجوه الانقلابية مستمرة في مسرحيتها المملة وهي تتباكى يوميا على (قناة العالم) وغيرها، وتخطب ود (الاخوة) في المكونات الاخرى، لعلهم ييسرون لها أمر محاولتها الانقلابية القادمة، وبذلك تتحقق مطالب الديكتاتوريتين الامريكية والايرانية، فكلتاهما ترسم الخريطة الظلامية للبحرين، وكلتاهما تمد ذات العناصر المشتركة بينهما لتنفيذ تلك الخريطة، وبعدها لا يهم إن كان المستقبل البحريني مظلما، وان كان مفتوحا على الاحتراب والاقتتال الطائفي او على الابادة الجماعية للمكون الرئيس كما حدث ويحدث في العراق، وفي سوريا، وغيرهما، فذلك أفضل لأن خريطة الصراع والفتنة هي المطلوبة في نهاية الامر، ولتذهب البحرين كوطن وكشعب وليذهب الخليج كله قربانا للشعارات الطنانة مثل الديمقراطية والحريات، وكما حدث تماما بالنسبة إلى العراق ايضا، ليكتشف الشعب بعد فوات الاوان إلى أي مهلك قادته تلك الشعارات الزائفة، فلا معنى لشيء بعد فقد الوطن وفقد الحياة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة