الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٦ - الخميس ١٩ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٩ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية


الاستقواء بالتدخل الأمريكي في مصر





قلت في مقال امس ان مؤسسة الرئاسة في مصر كان من المفروض ان ترفض بشكل حازم وقاطع التدخل الامريكي في شئون مصر الداخلية على النحو الذي تجسد في ما قالته وفعلته وزيرة الخارجية الامريكية كلينتون اثناء زيارتها الأخيرة, لكنها لم تفعل. ليس هذا فحسب, بل هناك مؤشرات على رضا الرئاسة, ورضا الاخوان المسلمين بهذا التدخل وتشجيعه.

لماذ؟.. كيف يمكن تفسير هذا الصمت عن التدخل الامريكي, والترحيب به؟

السبب للأسف الشديد هو ان هذا التدخل الأمريكي هو في صالح الرئاسة وفي صالح الاخوان المسلمين. هذا هو تقديرهم على الاقل. بعبارة اخرى, هم يصمتون عن هذا التدخل ويشجعونه لأنه ينطوي على انحياز امريكي للرئاسة وللإخوان في مواجهة ما يعتبرون انه صراع مع المؤسسة العسكرية, وايضا في مواجهة الصراع الذي تفجر مؤخرا مع السلطات القضائية.

بعبارة اخرى, الظاهر للأسف الشديد ان مؤسسة الرئاسة والاخوان المسلمين لا يجدون بأسا من التدخل الامريكي السافر في شئون مصر طالما هو في صالحهم ويخدم اجندتهم.

وليس لهذا من معنى سوى الاستقواء بالتدخل الأمريكي وبالضغوط الامريكية المرتبطة به في الصراع مع القوى الاخرى.

ليس هذا في الحقيقة مجرد افتراض او تحليل.

علينا ان نتأمل مليا ما قاله المتحدث الرسمي باسم الرئاسة في مصر اثناء زيارة كلينتون.

قال: "إن زيارة هيلاري كلينتون غدا للمشير محمد حسين طنطاوي لا تأتي في اطار التدخل في شئون مصر، ولكن في سبيل الحوار عن التحول الديمقراطي للمسار السياسي بمصر, وانتقال السلطة من المجلس العسكري الى اول رئيس مدني".

علينا ان نلاحظ على هذا التصريح ما يلي:

١ - ان هذا التصريح جاء في اعقاب ما قالته هيلاري كلينتون عن دور الجيش وضرورة ابتعاده نهائيا عن السياسة. وهو التصريح الذي جسد ذروة الاستفزاز والتدخل في الشئون الداخلية.

٢ - ان المتحدث باسم الرئاسة حين قال ان هذا ليس تدخلا, فذلك لأنه في اعقاب ما قالته كلينتون مباشرة تحدث الكثيرون في مصر عن هذا التدخل الأمريكي واغضبهم ان تتحدث بهذا الشكل عن الجيش.

أي ان المتحدث باسم الرئيس أدلى بهذا التصريح خصيصا كي يدافع عن كلينتون وينفي عنها شبهة التدخل.

٣ - ان المتحدث لم يخطر بباله ان يوضح ما هو دخل كلينتون اصلا في الحوار حول التحول الديمقراطي أو حول انتقال السلطة في مصر؟.. وكيف يمكن ان نعتبر ان تصريحاتها ومواقفها المعلنة في هذه الشئون ليست تدخلا في شئون مصر؟

الحقيقة اننا إزاء واحد من اخطر التطورات في مصر اليوم كما قلت. اعني هذا الاستقواء الظاهر بالتدخل الأمريكي في شئون مصر.

نحن إزاء قوى مستعدة للتضحية بمصالح مصرية قومية اساسية تتعلق بصميم السيادة الوطنية, في سبيل مصالح حزبية ضيقة.

هذا لعب بالنار ببساطة.

ورغم كل هذا.. رغم هذا السفور والبجاحة الامريكية في التدخل في شئون مصر الداخلية على النحو الذي ظهر اثناء زيارة كلينتون.. ورغم ان هناك قوى في مصر تصمت عن التدخل الأمريكي, او مستعدة لاستدعائه والاستقواء به.. رغم كل هذا, فأستطيع ان اقول انه لا امريكا سوف تستطيع ان تفرض اجندتها في مصر, ولا هذه القوى التي تستقوي بأمريكا سوف تستطيع هي ايضا ان تفرض سطوتها على المصريين بالإكراه.

أسباب ذلك كثيرة, لكن في مقدمتها امران:

الأمر الأول: ان اوراق امريكا كلها اصبحت مكشوفة ومعروفة للمصريين, ولم يعد هناك أي مجال لخداع الشعب المصري او اقناعه بان امريكا حريصة عليه او على الديمقراطية.

من الامور الملفتة اثناء زيارة كلينتون انها في خطاباتها وفي لقاءاتها مع المصريين الذين اجتمعت بهم, وجدت نفسها مجبرة على ان تأخذ موقفا دفاعيا وان تحاول تبرير او تفسير ما لا يمكن تبريره او تفسيره.

وجدناها مرة تنفي ان امريكا قدمت ٥٠ مليون دولار لجماعة الاخوان. ومرة ثانية تنفي ان امريكا قدمت دعما سياسيا مباشرا للاخوان منذ ما قبل الانتخابات البرلمانية. ومرة ثالثة تنفي ان امريكا لعبت دورا في انتخابات الرئاسة. ومرة رابعة تنفي ان امريكا تشجع قيام دولة دينية في مصر وان كل دعاواها عن الدولة المدنية كاذبة.

مجرد ان تجد كلينتون نفسها في هذا الموقف, معناه ببساطة ان الشعب المصري على وعي كامل بكل مخططات امريكا ومخططاتها وتحركاتها المشبوهة.

الأمر الثاني : ان الشعب المصري بعد ثورة ٢٥ يناير لم يعد مستعدا لأن يفرض عليه احد أي اجندة لا يريدها او أي شيء يرفضه, سواء تعلق الأمر بأمريكا او باي قوة محلية تستقوي بأمريكا.

ومظاهرات الاحتجاج الحاشدة التي استقبلت كيلنتون في القاهرة والاسكندرية كانت رسالة واضحة ليس لأمريكا وحدها, وانما ايضا للقوى التي تستقوي بها في الداخل.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة