الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٨ - السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

المخرج الذوادي:
السينما بالنسبة إلي هي الهواء الذي أتنفسه، هي العالمُ الذي أهربُ إليه عندما أغضبُ أو أفرح







هو فنان لا يعرف النظر إلى الخلف، مشغول دائم باللافت والمغاير، ورغم شح الإمكانيات فانه جسد ما لم يجسده الآخرون في بلدان عرفت صناعة السينما منذ سنوات بعيدة.

بسام الذوادي، اسم حفر تجربته من خلال حبه للفن، فما ان التقيته وعرضت عليه حواري حتى لم يمانع دعوتي وتحملني طويلاً لأن الأسئلة كانت كثيرة وأجاب عنها برحابة صدر، فكان هذا اللقاء:

السينماء بالنسبة إلي هي الهواء الذي أتنفسه، هي العلم والمعرفة، هي العالم الذي أهرب إليه عندما أغضب أو أفرح. هذا الفن هو مزيج من الواقع والخيال الذي أتمناه في حياتي، لذلك كانت مسيرتي في هذا الفن منذ أكثر من ٣٠ سنة وتعتبر الجزء الأكبر من عمري الذي عشته، ولأجله ضحيت وفوجئت وصُدمتْ واستمررت في الحياة.

تعرفتُ إلى كبار الكتاب والأحداث والتاريخ من خلال هذا الفن، ومسيرتي فيه دفعتني إلى الفضول لمعرفة المزيد عن هذا العالم من خلال الكتب والموسيقى والصورة.

- ما هي الصعاب التي مرت عليك وكسرتَ موانعها؟

{ عدم وجود بنية تحتية صحيحة للفن السينمائي في البحرين كانت من أكبر الصعاب وليست (المادة)، فبوجود هذه البنية تستطيع أن تخلق وتؤسس صناعة ثابتة لها منتجوها وممولوها، لذلك أعتقد أن وجود هذه البنية التحتية سيلغي الكثير من الصعاب في هذا المجال وسيوفر الاحتراف بها، وهذه من الصعاب التي لم أستطع كسرها إلى الان.

- التجربة السينمائية في سيرتك الذاتية بدأت بالمسرح فحدثنا عن بدايتك مع هذا الفن ؛ كيف تلاقت السينما بالمسرح ؟

{ المسرح هو الملهم لأي فنان، لقد أحببت المسرح منذ الصغر واعتبرته وسيلة اتصال رائعة وحامية، حيث إن ردودَ الفعل مباشرةٌ ولا تحتاج إلى وقت.

بدأت مع المسرح بالاسكتشات البسيطة أيام الكشافة ثم من متابعتي للحركة المسرحية في البحرين في ذلك الوقت اختارني المخرج عبدالله ملك لدور بسيط في مسرحية (عطيل يعود) عام ١٩٨١ وبعد ذلك في دور رئيسي في مسرحية (المؤلف) عام ١٩٨٤ وفي عام ١٩٨٦ في مسرحية (يود عليه) اختارني عبدالله ملك المرة الثالثة. أعتقد أن عبدالله ملك آمن بأن لي قدرات في التمثيل وهو الوحيد الذي شجع تلك القدرات في ذلك الوقت، ولكن السينما كانت مسيطرة عليّ بشكل كبير فابتعدت عن التمثيل المسرحي وانغرست أكثر في السينما علماً بأني واصلت إخراج الأوبريتات الغنائية للمسرح منذ عام ١٩٧٩ حتى عام .٢٠٠٥

- السينما كفن كيف يقرؤها بسام الذوادي؟

{ السينما لا نقرؤها وإنما هي التي تقرؤنا، فكل ما أراه وأتابعه في السينما ينعكس على الأعمال التي أقدمها، مثلما قلت السينما تحفزك إلى البحث وتكوين الرؤى الجديدة وتقديم المختلف عما قُدم على شاشتها، كما أن الكتب السينمائية تستفز فضول الإنسان للبحث والتدقيق والابتكار. لذلك أنا أقرأ السينما من خلال السينما.

- هل كانت طفولتك نواة بداية طريقك نحو فن السينما؟

{ أعتقد أن طفولتي كانت تبحثُ عن الصورة بشكل كبير بشتى أنواعها، وهذا ما لاحظه الوالد رحمة الله عليه فبدأ شراء المجلات المصورة لي ومتابعتي من خلال كاميرته الخاصة، مما دفعني للتعلق بهذا الجانب منذ الصغر ومحاولة تفسير توقف اللحظة في الصورة من دون علمي عما أبحث أو أحلل.

- في المدرسة ماذا كان يحلم بسام، وهل شاركت في التجارب الطلابية؟

{ في المدرسة كان المسرح المدرسي والسينما أيامها هما الهاجس فقد كنت أشارك الطلبة في نشاطاتهما وبعد المدرسة كنا نذهب إلى السينما لمشاهدة الممثل الأمريكي جون وين والأفلام الهندية، ومن هنا أتت فكرة عمل فيلم سينمائي مع الأصدقاء، وقد كان أكثر المتحمسين الأخ والصديق سمير الساعاتي الذي تحمل جانب التصوير لمعظم الأفلام التي أنتجتها في فترة السبعينيات والتي كانت تصور على كاميرا ٨ ملم، وواصلتُ تصوير الأفلام حتى توجهت إلى الجامعة لدراسة الإنتاج والإخراج السينمائيين.

- لو أعطيت ادارة مهرجان سينمائي في البحرين، هل تستطيع أن تديره، وهل البحرين مؤهلة عام ٢٠١٢ لمثل هذا الدور، حيث البحرين عاصمة الثقافة العربية؟

{ البحرين هي الدولة الأولى التي قدمت المهرجانات السينمائية في الخليج وذلك من خلال نادي السينما والمهتمين به في الفن السينمائي، وكما تعلم فقد أدرت مهرجانين سينمائيين في البحرين الأول مهرجان السينما العربية الجديدة عام ١٩٩٣ والثاني مهرجان السينما العربية عام ٢٠٠٠، وقد أثبتنا نحن المهتمين بالسينما استطاعتنا إدارة المهرجانات السينمائية، تبقى رغبة المعنيين بهذا الجانب الثقافي ومدى اهتمامهم بإقامة مثل هذا النوع من المهرجانات.

- الإنتاج السينمائي، ما الذي ينقصه في مثل تجارب السينمائيين البحرينيين؟

{ قلت سابقاً التخصص والثقافة السينمائيان والمتابعة في إنتاج الأفلام سواء القصيرة أو الطويلة، فنحن نملك شباباً واعداً في هذا المجال ومن المهم دعمهم ليس ماديا فقط وإنما من خلال البعثات والمشاركات في المهرجانات والتجارب السينمائية الكبيرة في الخارج، فالعملية ليست إنتاجية فقط وإنما ثقافية أيضاً ووعي لأهمية هذه الثقافة بالنسبة إلى السينمائيين البحرينيين من قبل المسئولين عن السينما.

- النقد السينمائي الخليجي، لا يوجد وان وجد فهو لأقلام قلة نذكر منها الناقد حسن حداد، ماذا تقترح لمعالجة هذه الظاهرة التي لم تواكب حركة السينما بشكل أكاديمي؟

{ كيف يكون هناك نقاد في ظل عدم وجود أفلام بشكل مستمر؟ فالناقد مثل الصانع إذا لم يمارس مهنة النقد فسوف تموت الرؤية لديه مع الزمن، فهذه ظاهرة لا يمكن معالجتها إلا بوجود أفلام سينمائية بشكل دوري على الأقل حتى يستطيع الناقد أن يحرك أدواته ويمارس نقده، فالقضية ليست أكاديمية، ومن وجهة نظري النقد نسبي يعتمد على ثقافة الكاتب السينمائية ومتابعاته الفلمية لما يقدم في المنطقة، ومع عدم وجود الأفلام يبحث الناقد عن أفلام من دول أخرى حتى يستطيع الاستمرار والتطور.

- بعد تجاربك الأخيرة السينمائية واذكر منها فيلم "حكاية بحرينية" إلى أين يسير بسام، وما هو الجديد لديك؟

×هناك الكثير من المشاريع الجديدة التي لا أحب أن أتكلم عنها إلا أذا دخلت مرحلة التنفيذ، وأنا مستمر في البحث عن التمويل والمشاريع الجيدة حتى ولو تم وضع البعض منها في إطار التنفيذ من قبل الممول ولكني دائماً أنتظر الجزم في التمويل حتى أستطيع أن أتحدث عنها.

- كونك مثلت السينما في الكثير من المحافل وما سوف اذكره لك يعكس كثرة هذه المشاركة:

عضو لجنة مراقبة الأفلام السينمائية والمطبوعات المسجلة بوزارة الإعلام .٢٠٠٤ -

عملت رئيسَ لجنة نصوص الدراما التلفزيونية بهيئة الإذاعة والتلفزيون بمملكة البحرين ١٩٩٣ .١٩٩٨ -

عملت دورة مديري الإنتاج التلفزيوني - دمشق .١٩٩٧ -

تم اختيارك رئيس لجنة تحكيم لمهرجان الفيديو لمسرح الصواري البحريني عام .١٩٩٤

تم اختيارك عضو لجنة تحكيم في مهرجان بغداد العالمي للتلفزيون والسينما عام .١٩٨٨

كنت عضو لجنة دراسة طلبات الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية (التراخيص الإعلامية) .٢٠٠٤ -

من خلال ما ذكرته عليك، كيف تقيمه وما هي الاستفادة التي خرجت منها؟

{ الدراسات ولجان التحكيم واللجان الأخرى كلها ساهمت في معرفة المختصين بي وبأعمالي ومعرفتي بهم وبأعمالهم، وتجربة لجان التحكيم مفيدة جدا ولو أنها متعبة ومسئولية كبيرة إلا أنها تزيد من الاطلاع والمعرفة بشكل كبير كما تنعش الجانب الإداري لدى المخرج أو الناقد أو كاتب السيناريو، معظم اللجان الأخرى كانت بتكليف من هيئة الإذاعة والتلفزيون التي من خلالها حاولنا وضع أسس وقوانين للدراما والبرامج البحرينية. بشكل عام جميعها كانت مفيدة بالنسبة إلي من جميع النواحي الإبداعية والثقافية حتى الاجتماعية.

- في تجربتك الأولى في الفيلم الطويل الروائي، كان فيلم الحاجز مغامرة جميلة، ما الذي أخذت منها وما هي الاستفادة التي تذكر؟

{ الحاجز هو ابني الأول والابن الأول هو الأجمل دائما بالنسبة إلى الأب، فقد تعلمت الإنتاج والخوض في دهاليز السينما بشكل صحيح من خلاله، ومع وقوف الكتاب أمين صالح وقاسم حداد وعلي الشرقاوي بجانبي أحسست بالثقة وإمكانية صناعة سينما في البحرين، وهذا الأمل استمر معي إلى اليوم. ومن الحاجز تعلمت التعامل مع السيناريو وكيفية سير العملية الإنتاجية واختيار الممثلين وتوجيههم والمونتاج والإيقاع وتقديم ما في المخيلة وتحويله إلى صورة ملموسة، والكثير من الأمور التي لن أعرفها لولا تجربة الحاجز العملية ووقوف كل من عمل به معي ومساندتي في كل مراحله، لذلك أعتبر فيلم الحاجز من إنتاج كل اسم وُضع عليه في المقدمة والنهاية.

- هل بسام كمخرج يختلف عنه كممثل، وما هي الخيوط الجامعة بين العملين؟

{ لابد لي أن أكون ممثلاً حتى أستطيع توجيه الممثلين، يجب أن أعي ما يمر به الممثل عندما يقرأ الشخصية المرة الأولى ثم يحاول تجسيدها، أنا كممثل أكون مطيعا جدا للمخرج مع طرح وجهة نظري من خلال فهمي للشخصية وهذا ما يفعله الكثير من الممثلين الجادين في المجال الفني من تلفزيون أو إذاعة أو مسرح أو سينما. وعندما أقرأ وأبحث عن كل ما متعلق بالتمثيل أستطيع أن أناقش وأوجه الممثل عندما أخرج عملاً ما، وبالتالي يثق الممثل في المخرج ويعي دوره، كما أن هذا التوجيه يفتح للممثل افاقاً جديدة في الجانبين الإبداعي والأدائي.

- "حكاية بحرينية" رابع فيلم روائي لبسام كمخرج، اسرد للقارئ تجربتك في اخراج الأفلام الأربعة؟

{ الأفلام الروائية الطويلة التي قمت بإخراجها هي ثلاثة "الحاجز - زائر - حكاية بحرينية" أما الأفلام الأخرى فقد قمت بإنتاجها وهي "أربع بنات وحنين" وهي من إنتاج الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي بالإضافة إلى حكاية بحرينية.

مراحل الإخراج في الأفلام الثلاثة متفاوتة وتعتمد على طاقم العمل الذي مع المخرج، وأعتقد أن طاقمي العمل في الحاجز وحكاية بحرينية كانا أكثر دقة من زائر، حيث إن "زائر" كان التجربة الأولى لي في مجال الفيديو السينمائي وبالتالي الطاقم كان يدخل معي تجربة جديدة وأعتقد أنهم كانوا على قدر المسئولية والسبب نجاح الفيلم في دور العرض.

- في فيلم "أحلام صغيرة" ما هي الرسالة التي أردت ان توصلها من خلال هذا الفيلم؟

{ عزيزي أحلام صغيرة هو نفسه حكاية بحرينية.

- ماذا يعمل بسام خلف الكواليس، وهل سيشهد الجمهور تجربة جديدة لبسام؟

{ أتمنى ذلك قريباً، فهناك الان فيلمان قيد الدراسة وأتمنى تنفيذ أحدهما قبل نهاية هذه السنة.

- ٢٠١١ كسنةٍ اشتدت فيها أزماتُ الأوطان والإنسان على مستوى العالم والوطن العربي، كيف نظر لها بسام كمخرج وفنان مبدع، وما هي خلاصة ما وصلت إليه؟

{ هذه الأزمات حُفرت في الذاكرة ومعها أتت كميات كبيرة من القصص والأحداث التي تصل إلينا ونحللها ونضعها في إطار فني مهما كان نوعها، ومع وجود الكثير من التناقضات في هذه الأزمات التي أدت إلى أن يكون الفنان مراقباً لها، دفعنا ذلك إلى التحليل ومحاولة استيضاح ما يجري ووضعه في إطار فني يفيد المتلقي، فما حدث في الوطن العربي سيتحول إلى ذاكرة مهمة تريد من يظهرها بشكل مناسب للجمهور ليذكر الأجيال القادمة بها، وطبعاً هذا سيعتمد على وجهة نظر وزاوية كل مبدع وطريقة طرحه لهذه الأحداث، وأعتقد أن هذا سيأخذ وقتاً طويلاً حتى يتجسد بشكل نهائي.

- هل أنت من محبي الدراما العربية والخليجية، وما هي الدراما التي شدتك في شهر رمضان الماضي ٢٠١١؟

{ طبعاً أعشق الدراما التلفزيونية بشكل عام ولكن في شهر رمضان أعتقد أنها تُفرض عليك فرضاً وهذا لا يعطي مجالاً للمتابعة الدقيقة لذلك أتركها إلى ما بعد رمضان حتى يتسنى لي الوقت لمشاهدة المناسب منها بالنسبة إلي والحكم على تطورها واكتشاف جديدها.

- ما حجم الطموح الذي يسكن بساما كفنان يسعى لتطوير فن السينما في الخليج ؟

{ أكبر مما تتصور، فأنا أتمنى أن يكون هناك أفلام خليجية تغزو العالم وتعرفه بنا وبعاداتنا وتقاليدنا أو حتى بخيالنا، فنحن نملك المبدعين ونبحث لهم عن مَخرج إلى العالم المتعطش لحكاياتنا وخيالنا وثقافتنا.

- ما مشاركاتك الخارجية، ما حجم رصيدها لديك؟

{ كثيرة، فأفلامي عُرضت في معظم دول العالم كما أن فيلم الحاجز يُحتفظ به في الساتباك الفرنسي لحفظ أفلام العالم، كما أني شاركت في معظم المهرجانات السينمائية في الوطن العربي وأوروبا كعضو لجان التحكيم، وقدمت ندوات عن السينما في الخليج والوطن العربي في الكثير من الدول العربية. ورصيدي هو معرفتي بكل العاملين في هذا المجال مع اختلاف أحجامهم السينمائية وتبادل الآراء معهم وتشجيهم لعمل سينما في البحرين والخليج.

- على مستوى العلاقات الإنسانية، هل ترى ما يستدعي أن تقوم بدور مختلف يعزز رصيدك الفني والإنساني؟

{ لا أظن، فأنا مخرج وفنان وسأبقى كذلك، والعمر يا صديقي قصير ولم يبق بقدر ما مضى، ولكني أبقى الإنسان الذي يتأثر بكل ما هو حوله ويحاول أن يؤثر من خلال سلاحه الوحيد وهو السينما.

- اخر مشاريع بسام الذوادي، اذكرها.

× ذكرتُ ذلك سابقاً.

- تعاونك مع بعض الكتاب كفريد رمضان مثلاً، ماذا أضاف إلى رصيدك الفني؟

{ فريد صديق عزيز وكاتب متمرس ومتابع للحركة السينمائية في البحرين والوطن العربي، ووجوده معي في أفلامي كان متعة روحية وثقافية جميلة، ففريد يتناول الفكرة مني ويعيدها إلي أجمل مما تصورتها لفهمه لها ولي، أعتقد أن التعاون مع فريد رمضان دائماً ما يضفي نوعا من الانسجام الروحي لكل من يعمل معه وهذا دائماً ما يسعدني ويشرفني.

















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة