الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٨ - السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

قضايا ثقافية
فن صناعة المثقفين







في الوطن العربي الكبير هناك الكثير من المصانع التي لها علاقة جذرية بصناعة المثقفين من الجنسين وهذا الفن مشهود له بالكفاءة والخبرة والدراية في مثل هذا العمل التقني الصعب الذي يضاهي صناعة آخر المبتكرات العلمية التكنولوجية مروراً باليابان الآسيوية ووصولاً إلى روسيا الأوروبية وانطلاقاً إلى الولايات المتحدة الامريكية والعودة أحياناً إلى أستراليا أو كندا.

يمكن لمصانع الوطن العربي أن تنتج ملايين من المثقفين دفعة واحدة وعلى كل المقاييس وتصدرهم إلى أوروبا في تأشيرة واحدة لا تكلف مالاً كثيراً وحين يصلون إلى هناك تُرفعُ لهم القبعات ويتم توزيعهم على المؤسسات العلمية والثقافية وأحياناً يُنافسون بهم مصانع سيارات المرسيدس والـ بي إم دبليو والبورش وطائرات النقل النفاثة بما فيها طائرات (الأضعف) من الصوت.

إذا كانت أوروبا والدول الآسيوية المتفوقة في العلم الصناعي والثقافات التقنية المتعددة بما فيها عدد من دول الأمريكتين وكندا وأستراليا ونيوزيلندا قد توصلوا إلى مخاطبة رمال الصحراء وأحجار الجبال وناقشوا قمة جبال هملايا بين الهند والدول المجاورة لها فإن مصانع الوطن العربي حققت الكثير من التقدم التقني المتميز التي انفردت بأعلى درجات العلم في التكنولوجيا المعرفية وهي صناعة المثقفين الذين بإمكانهم أن يقولوا إلى برج (بيزا) أن يركع فيركع وإلى ساعة (بغ بن) أن تصمت فتصمت وإلى (سور الصين العظيم) أن يتحجب فيتحجب وإلى نهر (المسيسيبي) أن يتجمد فيتجمد وإلى (الدولار) أن يخجل فيخجل،كل تلك الفرقعات التاريخية التي تجعل هذا الوطن العربي الكبير خالياً من أزمات البؤس والتفاوت الطبقي والتمايز الثقافي والمعرفي ومن أعاظم الأوطان (خير أمة) فلا قيمة إذًا لأولئك المثقفين الجبابرة الذين تم تصديرهم إلى أوروبا وبالكيلو وبسعر الطماطم والبطاطا.

إن مثقفي الشعب الأوروبي من رجالهم ونسائهم يشعرون بالخجل الشديد أمام الفن التشكيلي العربي وحين يقارنون لوحة (الموناليزا) بلوحة (عباس بن فرناس) وهو يخترع فكرة الطائرة بلا محركات ويطير في الفضاء فتلك طائرة (بوينج) لم تُصنع بعد وهي من مفاجآت الثقافة العربية في القرن القادم وهم على حق لأن الفكر العربي الصناعي والتكنولوجي يعمل تحت ستار من السرية التامة فإذا كان (عباس) بن فرناس قد أصبح رميماً فهناك من سلالته العرب الذين من المفترض أن يتقدموا إلى الأمم المتحدة أو لجان حقوق حماية الابتكارات للدفاع عن قضية (أول طائرة بوينج أو نفاثة عربية) سرقها الغرب وحولوها إلى مصانعهم.

وأيضا على الجانب الثقافي هناك القصائد الشعرية المعلقة على الجدران في كل مكان ألا تستحق هذه القصائد (القصيرة) أن يحفظها أطفال الغرب عن ظهر قلب ويدرسوها ويتفقهوا بها؟

إنها بالفعل قصائد من نوع (الشورت القصير) التي ما إن يشاهدها أو يسمعها الرجل والمرأة في الغرب حتى يتعرضوا للإغماء الشديد من فرط الإعجاب تحميهم من آفة إضاعة الوقت في البحث عن حل مربعات الكلمات المتقاطعة.

وماذا عن أشياء أخرى تجري في الخفاء الثقافي العربي؟

القصائد تُطبخ في كل المطاعم،والقصص تُكتب والروايات تُوزع على دور الأزياء، والملابس الشعرية والأحجبة والمقالات المثيرة المدفوعة الأجر يتم تداولها، فهي في الوطن العربي تسير على قدمين وفي الغرب تصل إلى الأماكن العامة والخاصة بالبريد الأسرع من النَّفَسِ المضغوط وعلى مجموعة من الأقدام من ذوي الاحتياجات الخاصة.

لن يتمكن الغرب من منافستنا في صناعة المثقفين فإذا صنعوا الريموت كونترول فإن بإمكاننا صناعة رجل أو امرأة قادرين على إلقاء قصيدة من (١٠٠٠) فلة أو مجمع سكني أو ردم البحر للوصول إلى القمر.

من يتفوق علينا في القراءة وكل المكتبات العامة لها علاقة بالمصانع والفقه الغربي غير المعقد الذي اعترف أخيراً بهزيمته الساحقة أمام ضرباتنا القاضية في كل شيء؟ فنحن فزنا في الثرثرة وفاز هو بالصمت العقلاني المريب













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة