الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٨ - السبت ٢١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

قصة قصيرة
دفء الأشياء (٢)







ملخص ما سبق: أوسكار شاب يعاني السمنة المفرطة مما دعا الجيران إلى أن يطلقوا عليه لقب "فطيرة اللحم". وقد تعرض للكثير من المشاكل والمواقف الصعبة بينما تحاول أمه باستمرار التخفيف من آلامه ومساعدته على تخطي هذه المشاكل.

تنبأ بنهاية مأساوية لنفسه. أصدقاؤه جاهزون وينتظرون كالنسور للانقضاض على لحمه. مستقبل ألمه قاده إلى أن يقرأ على الجدران ميزانية عمومية مفصلة بدقة لأرصدته الدائنة. كان لديه شكوك حول عقاراته الأرضية. العمود الذي يحتوي على ديونه غدا طويلاً جداً لدرجة أنه لن يحرر نفسه أبداً منها طوال حياته. هو مدين بلحمه إلى زملائه لأنهم جائعون وحتى حينما يدينون له بجسد يستطيع أن يفتخر به فلا يوجد له وسيلة للحصول عليه منهم. في إحدى المرات كان مستحماً للتو وتنبعث منه رائحة سائل الغسل فتخيل ما هو الحب الذي يجمع بين الادميين وأجسادهم مستلقية على الفراش غير متأثرة بنقص المراقبة على البدانة العدائية. في مثل هذه اللحظات مضللاً بأمل ميزانية دائنة معتدلة توصل إلى نقطة استطاع أن يرى نفسه يخوض معركة مع أعدائه. مع ذلك لم يستغرق هذا أكثر من حركة فظة حيث إن الحقيقة لتذكيره بالسمنة كانت هناك لا محل لها في الشعر والحب. ومباشرة فإن مستقبل أن يتم أكله بسكين وشوكة تحول إلى سؤال غامض جداً.

خططت أمه لمعركة ضد عينيه المحدقتين بوحشية وروحه المستمرة في الحزن. ما هو الشيطان الخارجي في العالم الذي يجعلك تنظر إلينا بهذا الشك؟ أوسكار أعطاها دبوساً مزخرفاً من البلاتين كهدية لكي تلصقه للأبد في صدرها. نقاط من السم والتأكد بنفسها عبرت لتتحمل كانت تقطر من جسدها في وجه المعضلة التي كان أوسكار يواجهها نطقت أمه التي كانت طوال حياتها ترفض العبارات الواضحة: أووه هذه فطيرة لحم جيدة من ابن.

كلما جحدت فضائل أكثر من التي في كل الحقيقة كلاهما يمقتها أسرع أوسكار بشوق لإبعادها من أطراف يرسبها جسده التي بالمصادفة لا تلائم داخل الفطيرة التي هو عليها. في النهاية أجرى المساحات الفارغة التي كان يقلي فيها فطائره. لم يعد يتحمل أن ينظر إليه أحد بجوع لدرجة أنه أصبح غير قادر على الاكتفاء. لم تكن لديه وسيلة لإطعام الفقراء، يجب عليهم أن يموتوا بدون مساعدة.

وحينما أصبحت استشاراته للمرآة الضبابية أكثر كثافة راح الزجاج يعطيه فقط صورة معتمة لجسده مخيطاً كل يوم بشوكة مطبخ فعالة. ارتدى لنفسه فطيرة في كل يوم. للانتقام كان ينصب كرسيه في المطبخ تاركاً إياه للنوم فقط. اهتم بالضروريات الأساسية ومارس هوايته وعادته الجديدة في نثر طحين الدقيق على كل جسده ومع تلطخ التجاويف تحت أظافر أصابعه بالشحم استقبل الزوار هناك مرغماً إياهم على خفر جلده المغبر بالطحين.

تمردت أمه على هذا السلوك الأخرق. لم ترد صديقاتها أن يتعرضن لمثل هذه المحنة. لو كان سجيناً لسمنته دعه يتحملها بطريقة محترمة. ابنها أرجع الإهانة بأسنان متحركة كمنشار كهربائي تقريباً طاحناً ذراعيها إلى بودرة ناعمة. أداؤه كان مقنعاً جداً لدرجة أن أمه اهتمت بحماية أعضائها بقطع كثيفة من الصوف بالرغم من الحرارة. تركت وجهها مكشوفاً وحينما أصر أوسكار على ضمن نطاق يديه "تسللت" بعيداً تحت المعاطف والأحذية الطويلة الساق. مع بلوغه سن الثلاثين سئم أوسكار الحياة. لقد حان دوره الآن ليأكل كل واحد يقترح عليه فطيرة ،كان في السابق يرغب أن يلعب هذا الدور لوقت طويل لدرجة أنه طلب اللحم الآدمي لإشباع شهيته. سوف يختار ضحيته بعناية فائقة. بالرغم من أنه على وجه الخصوص يميل تجاه الناس الذين ينتمون إلى البيت والدم الأخوي ومتواصلاً في خططه تظاهر بأنه أعمى يتعثر فوق الأشياء من أجل تضليل أعدائه. طلبت أمه المساعدة من الجيران فراحوا يتناوبون على المكوث معها خلال الأسبوع الأول ثم تركوها وحدها بعد ذلك. ومع وجود أشياء كثيرة جداً للعمل بدأت الأم ارتداء ملابس خفيفة ناسية تهديدات ابنها.

أوسكار من جانبه كان دهشاً لأن يكتشف فتنة الكلام. لم يكن من قبل يسمع وهو يصيح بصورة هائجة على الأشياء التي في نقطة من الحقيقة كان يدعي أنه يستطيع رؤيتها. اكتشف للتو أنه يمتلك الطاقة لجعل جوعه يتصادف مع الشراهة الشفوية التي كانت دائماً داخل دمه لكن كان لا يعيرها أي اهتمام، منهمكاً كما كان في الدفاع عن نفسه ضد أولئك الذين يريدون قذفه إلى المقلاة.

أمه سرعان ما عودت نفسها تظاهره بالعمى. عاملته كمسافر في نفق لا نهاية له. وصفت المنزل له بالرغم من أنه كان ضيفاً فيه. أرادته أن يشترك في حياة كل يوم وأشرق وجهها فجأة لدى رؤية ابنها لطيفاً. ذلك حين فتح أوسكار عينيه متأكداً من أنه قد فاز. وهناك كانت هي تبتسم، ذراعاها في الخارج وجسدها مكشوف. أسرع ذاهباً في ذاكرته إلى الأوقات التي تحركت بقوة الحب، حيث كانت تناديه فطيرة لحمها وهو يأتي قريباً لتأكله. في تلك اللحظة أمه التي عانت كثيراً لأجله ضبطت في عينيه وميضاً ليس كوميض ثريا أو وميض سعادة أو الحقيقة البعيدة لابن هي بالكاد تعرفه بصعوبة. الذي اكتشفته الأم في ابنها كان لهيباً منحنياً على العيش ونظرة لا تخطئها لجلاد.

وقفت هناك بهدوء بجانبه. سوف يتخذ أوسكار الخطوات اللازمة. كانت واعية له كرجل أول مرة. سحب كرسيه بصورة أقرب نحو أمه التي انسحبت إلى المطبخ. سألها أن تجلس وجلس هو أيضاً بعد اقتلاع بعض الشعرات من رأسها. وحينما أبدت أمه رضاها بدأ هو يلقي نظرة قريبة عليها.













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة