الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٥ - السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٩ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الثقافي

عالم ملون وصور بالأبيض والأسود





افتتح يوم ٣ ابريل ٢٠١٢ في قاعة النادرة وسط مدينة الرباط معرض التصوير الفوتوغرافي في دورته الثانية »لجمعية محترف الفن الفوتوغرافي« وقد شارك العديد من منتسبي هذه الجمعية الفنية في هذا المعرض بعدة صور فوتوغرافية ملتقطة بالأبيض والأسود، لكل فنان منهم، والجمعية تضم فنانين فوتوغرافيين من المغرب وفرنسا وعدد من الدول الأخرى، ومن الفنانين العرب المشاركين في هذا المعرض: محمد مرشدي »رئيس جمعية محترف الفن«، عزيز الفهري، محمد بارجالي، محمد برادة، عبدالرحمن الجراح، ومن الأجانب سيرج كاربي، أجنس بيلوفن، بيير سورنير، ماريا لاميلين، دنس كادن، ديفيد رجس، دومنيك كالفير، ايزابيل كامبوتي، ماري بيير.

وقد تنوعت اللقطات مما التقطته عدساتهم، التي عكسوا من خلالها رؤاهم وتجاربهم الحياتية، وفهمهم لما يدور حولهم من أحداث، ورأيهم بها من خلال اختيارهم لما سنراه من صور بالأبيض والأسود، وقد استطاعوا ان يقتنصوا لقطات من الحياة تمر على الجميع، وتدهشهم لحظة، لكنها تتلاشى بانتهاء الحركة، وهذه هي سنة الحياة، فهي وجود وحركة وانطفاء ثم يعقب ذلك التلاشي من هذا الوجود، إلا أن فن الفوتوغراف استطاع أن يبقي أمام الأنظار تلك الحركات والومضات المدهشة للموجودات، وهي تتألق بضوء الشمس، وحركة الأشياء من حولها، وبهجتها بالحياة، والشمس والهواء والمخلوقات وأشياء هذا الوجود الثابتة والمتحركة، كأنها تلقي بالتحية علينا مبتسمة قبل أن تختفي إلى الأبد.

وفي كلمة الفنان الفوتوغرافي محمد مرشدي رئيس جمعية محترف الفن الفوتوغرافي في تقديمه لهذا المعرض أشار إلى جمال الصورة الفوتوغرافية ورسالتها الفنية في عالم اليوم، بقوله: »أينما ولى وجهه، يتأبط الفوتوغرافي آلته -آلاته- ويرصد زمنا ومكانا وحركات، يتصيد عبر ومضات فوتوغرافية فرصة الإطباق على برهة زمنية لا تتكرر، تجسد شخوصا واقعية وأخرى رمزية تطفح تعبيرا ودلالة في حركاتها وسكناتها. أو يوثق بشكل واضح عبر نسخ ضوئية لفضاءات باذخة بعبق تاريخها، ولأمكنة سريعة التطور في حاضرها تنطق بحال ومآل أهلها وإيقاعات يومياتهم الروتينية.

و»الفوتوغرافي« إضافة إلى ما يحمله داخل جرابه أو فوق كتفه من أدوات تقنية، يحمل بين ثنايا وجدانه مخزونا فكريا وفنيا، يترجمه في غدوه ورواحه بين بصيرته وبصره عبر آلته إلى تصورات جذابة، مصممة ومرتبة، لتجريديات وتشكيلات متعددة الأبعاد، مختلفة القراءات، بل مستعصية في الغالب على القراءات السريعة والسطحية، لذلك نجده يتحين بخشوع لحظات خاطفة يعترضها، مصمما بإصرار على إيقافها وتخليدها فوتوغرافيا؛ يلتقطها ضوئيا حسب قياسات زمنية يشتهيها »وزوايا بصرية معينة« يهواها »وبمقاسات فنية خاصة« يعشقها »مستعينا بكل التقنيات المتوافرة لديه أو بجزء منها ليجعل اللحظة خارج زمانها، مجردة من مكانها، مؤثثة بحمولات ودلالات مفترضة، متمردة على المعمول به، وعلى المنظور المسلم به، لبناء نوع من الفضول لدى الناظر- المشاهد - مع منحه مساحة واسعة للتأمل والتحليل ودفعه إلى طرح ملاحظات تأويلية بل يحثه بشكل مبطن ليركب خيالا جامحا أمام لقطة فوتوغرافية تأبى التصنيف وخندقة التصوير الضوئي المقنن«.

ووضح مرشدي أهداف المعرض في دورته الثانية، وكذلك ضمن تمنياته بالنجاح للأعمال المقدمة فيه بقوله في هذا الإطار، تأتي الدورة الثانية للقاء الفوتوغرافي بالرباط، لجمعية محترف الفن الفوتوغرافي، بنظرات فوتوغرافية خارج التصنيف العادي للالتقاط الضوئي المألوف، جسدت في لقطات ضوئية غير عادية من طرف فوتوغرافيين مغاربة وأجانب، انهم فوتوغرافيون مهووسون خلف عدساتهم البلورية بما وراء النظر العادي للأشياء - للفضاءات - للكائنات، وللحظات العابرة. جاءوا يحملون لهذه الدورة، كل من خلال انتماءاته الفكرية الثقافية والفنية، لحظات تجذب إليها الناظر العادي وغير العادي الشغوف ببحثه عن قراءات تزحزحه عن استئناسه بالإيقاعات الروتينية للرقع البصرية الزمنية والمكانية التي تصاحبه في حياته اليومية، أتمنى لكم جميعا لقاءات مثمرة وزيارات ممتعة، وتحية فوتوغرافية من العين إلى القلب لكل المشاركين.

ومن الصور الفوتوغرافية المتميزة في هذا المعرض صورة تحليق النسر لسيرج كاربي من فرنسا، والصورة تشي بمضامين رائعة عن انطلاق الحياة، وعفوية اللقطة وعنفوان الحركة أعطى الصورة بعدا أسطوريا يجعل الرائي يحلق مع ذلك النسر الذي يوشك على التحليق، ولقطة موحية كذلك للفنان محمد مرشدي لصورة صبي مغربي وسط الظلال وخلفه بوابة سوداء وخلفه ظله الطويل ويبدو على الصبي أنه يبحث عن أمان فقده، وصورة لماري لامبلين لإشارة مرور ضوئية مختفية وسط الضباب، وفوتوغراف لدينس كادين يصور تقاطعا لخطوط سكك القطارات وتحيط بمسارات تلك السكك الحديدية أحجار صلبة، مما نراه عادة على أرضية محطات القطارات، وهذه اللوحة الفوتوغرافية تنقل الرائي للمصائر المتقاطعة للناس، وللنتائج التي لا يعرفها غير الله تعالى، فيما نعيشه في حياتنا، انها صورة لمحدودية مداركنا أمام الامتحانات التي وضعتنا الحياة أمامها، وعلينا أن نسلك أحدها بمنتهى الحرية، ولكن أيضا من دون أن نعرف نتائج اختياراتنا.

لقد عكس فن الفوتوغراف في هذا المعرض بحق رؤى في غاية الشفافية، والرقة عن الإنسان وكفاحه من أجل غد أفضل لأبنائه وأحفاده، وتأمله لمصيره وحكت أيضا عن الفرح والحزن وغنائية العيش في عالم ملون وصور بالأبيض والأسود.





* كاتب وصحفي

moc.liamtoh@nassahlassiaf













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة