الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٨ - الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير

الإشكالية بين الانغلاق الطائفي والمطالبة بالانفتاح الديمقراطي





} لا يمكن أن تجتمع الديمقراطية التعددية أو الديمقراطية الغربية التي تسعى المجتمعات العربية إلى تطبيقها مع الانغلاق الطائفي. يعرف الجميع أن الغرب منذ زمن بعيد، وقبل أن يبدأ رحلة التحول إلى الديمقراطية والانفتاح قضى على الإشكالية المذهبية لتأخذ بعد ذلك الديمقراطية مجراها الصحيح من دون أن تلقي تبعات سلبية على المجتمع، أما الابقاء على التعصب المذهبي والكانتونات الطائفية ثم المطالبة بالديمقراطية الغربية بل بنموذج أعرق ما في تلك الديمقراطيات فذلك هو سر الإشكالية العربية مع الديمقراطية.

ولنأخذ مثالا: في البحرين هناك فئات تؤسس للطائفية في أبشع صورها، وتقسم المجتمع بخطابها وسلوكاتها إلى معسكرين ثم تنادي بالديمقراطية الغربية، كما هي في بريطانيا أو السويد أو الدنمارك أو غيرها، هذه الفئات لا تسأل نفسها أولا: هل يوجد في تلك المجتمعات الديمقراطية الغربية نموذج للمرجعية الطائفية الواحدة كما لديها؟ هل توجد فيها رؤية دينية تشبه تلك التي تتشبث بها؟ هل توجد ممارسات تنم عن الديكتاتورية المذهبية التي تؤسس في وعي أتباعها التبعية المطلقة لمرجع واحد أو لشخص واحد في الداخل أو في الخارج مهما كانت مرتبته الدينية؟

هل توجد فئات في الغرب قسمت المجتمع وبثت الكراهية والاحقاد عبر تعاليمها المذهبية الخاصة ضد بقية الشعب؟

} هنا إذًا إشكالية حقيقية في العلاقة مع الديمقراطية المنفتحة أو التعددية، التي لن تقود المجتمع في ظل طائفيتها الا إلى المحاصصة والاحتراب والفتنة والتقسيم والتشرذم. لا يمكن أن يجتمع قصور الوعي الديني أو المذهبي أو الثقافي أو السياسي مع شعارات الدعوة إلى تقليد أعتى الديمقراطيات في العالم وأكثرها ليبرالية ومدنية، وكاذبون ومخادعون هؤلاء الذين يتصرفون كالحواة ومثلهم الذين يجمعون بين أكثر الأفكار ثيوقراطية وانغلاقا وتعصبا، وبين أكثر الأفكار أو النظم مدنية وانفتاحا تحت ظلال الشعارات الديمقراطية الغربية تحديدا، وليس حتى باختلاف أشكالها حسب طبيعة المجتمعات العربية ذات التقسيمات التي تحوي انماطا مذهبية منغلقة واخرى عرقية تجهر بعرقيتها على حساب وطنيتها.

} لا يمكن أن تجمع بين الحفرة والفضاء، فإما أن تكون في الحفرة وإما ترتحل في الفضاء متخليا عن الأفق الضيق والسجن الجماعي الذاتي.

لا يمكن كذلك الجمع بين الحقد والتعايش الاجتماعي.

لا يمكن الجمع مثلا بين الكراهية وتقسيم المجتمع إلى معسكرين والسلم الأهلي في ظل مستوجبات المحبة والتآلف والتعايش.

لا يمكن الجمع بين العنف والإرهاب والسلمية.

لا يتلاقى الاحتكام من طرف يدعي المعارضة وهو موال لديكتاتورية المرجعية الواحدة ثم يدعي الاحتكام لمرجعية مجتمع ديمقراطي تعددي.

} وكلمتا (لا يمكن) تعنيان لا يمكن وهنا يكمن سر الإشكالية التي يعانيها مجتمعنا ومجتمعات عربية أخرى، ويكمن سر أحد أهم جذور الأزمة بين من تسمي نفسها معارضة وبين المجتمع البحريني.

لا يمكن أن يجتمع تكريس تمزيق المجتمع وتفتيته مع الادعاء بإصلاحه أو الادعاء بالسعي إلى المزيد من الإصلاح فيه.

مثلما لا يمكن أن يجتمع خطاب بث الفتنة والتقسيم الطائفي مع الادعاء بالسعي إلى دمقرطة المجتمع بمزيد من الدمقرطة الغربية، أو تحويل النفس الطائفي الذي تغول منذ فبراير ٢٠١١، إلى ادعاءات أن في ظله سيتحقق المزيد من الحقوق والحريات والإصلاحات والعدالة والمحبة.

لا يمكن أن تجتمع ادعاءات الوطنية مع الارتهان للخارج سواء مرجعية دينية كانت، أو ارتهانا للتحالف مع الأجنبي الغربي لتحقيق المكتسبات عبر الضغوط على الوطن فيما مسببات التخلف والفتنة ماثلة.

} أي طرف يتصرف بتعصب مرجعي ينم عن تخلف في فهم دور الدين ليس من حقه قبل أن يتطور في وعيه الذاتي أولا (دينيا كان أو سياسيا) أن يطالب باستيراد أنماط مجتمعات أخرى متمادية في العلمانية والليبرالية والأسس الدينية في ظل الرأسمالية وبالحذافير أحيانا، ثم يتبجح أن ذلك من حقه.

نقل التصورات المختلطة حول المدنية والديمقراطية التعددية في ظل الانغلاق والتخلف الذاتي، يولد حتما إشكالية مجتمعية كبيرة مع الحريات والحقوق ومع الديمقراطية ذاتها.

} التجربة التي مرت بها البحرين منذ فبراير ٢٠١١ تطرح أمام المجتمع البحريني حجم (التناقضات والمتنافرات) التي تجتمع في الفئة التي تتحدث باسم المعارضة، مما جعل خلط الأوراق سمة بارزة فيها فهؤلاء لا يعبرون عن قناعات ذاتية وبشكل شخصي فذلك ما يجب عدم الحديث فيه إن كان كذلك، ولكن الإشكالية أن هؤلاء عكسوا (أزمتهم الذاتية) في الجمع بين المستحيلات وليس فقط بين المتناقضات على المجتمع كله، وهنا يكمن أحد أهم جذور الأزمة في المجتمع البحريني.

} فمن يدعي النضال من أجل الحريات والمدنية والديمقراطية في النهار، هو ذاته الذي يسلم عقله بالكامل لديكتاتورية المرجعية في الليل، ليتحول بعدها نضاله إلى عنف وإرهاب وتخريب ممارسة أو دفاعا عنها وبشكل كلي.

لا يكفي لبس البذلة لدى البعض ليكون الإنسان مدنيا.

المسألة ليست في المظاهر، وإنما في التفاعل الفكري والعقلي الحقيقي وبمصداقية مع الشعارات التي يطرحها، وخاصة أنها شعارات غربية المنشأ بكل ما يحمله ذلك من "مغزى"، فيما أصحابها ولائيون حتى النخاع فأي عجب؟!















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة