الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٩ - الأربعاء ١ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٣ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

مصارحات

بينكم وبين عُمر؟!







وقف الفاروق عمر بين رعيّته ذات يوم، وقال لهم: أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم، فإن وجدتم فيّ اعوجاجا قوموني، فقام رجل فقال: والله يا عمر لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا، فقال رضي الله عنه، الحمد لله الذي أوجد في أمّة محمّد من يقوّم اعوجاج عمر بحد السيف!

تأمّلت تلك الرواية، وما شدّني فيها أنّ ذلك الأعرابي صرح بتلك الكلمات أمام فاروق الأمّة، الذي كان عهده منارة في العدل والأمن.

عكست تلك الرواية على واقعنا، فوجدت التناقضات، فلو جمعت جميع حكّام أنظمتنا العربية والإسلامية، لما بلغوا في عدلهم وزهدهم وورعهم مقدار شعرة من ابن الخطّاب، ومع ذلك، تجد دولنا تفيض بقضايا كتم الأنفاس، ورفض سماع آراء الرعيّة، والسعي لأخذ الحق لها أو منها، هذا فضلاً عن انتشار الظلم والاستبداد والاستئثار عند تلك الأنظمة.

فلسفة عمر في إدارة شئون الأمّة كانت تقوم على فلسفة إسلامية تعلّمها من النبيّ الأعظم، وهي أنّ سيّد القوم خادمهم، وأنّ الرعيّة لهم حقوق يسعى سيّدهم إلى تنفيذها، فإمّا أن يقوم بها على الوجه الذي يُرضي الله تعالى عنه، وإمّا يستقيل ويبتعد إذا كان ليس أهلاً لذلك الموقع.

عبر تاريخه النّاصع، لم يكن عمر يتعامل مع الرعيّة على أنّهم من طبقة دنيا في المجتمع، أو كونهم ضيوفاً أو عبيدا، بل كان يعاقب أبناءه وأبناء ولاتهُ إذا ظنّوا أنّ لهم مقاما يعلو مقام النّاس، وهو القائل: متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا.

الكثير من الرؤساء والزعماء تعوّدوا في لحظات الاجتماع بالنّاس أن يتحدّثوا هم فقط لا غير، وما على النّاس سوى أن يضحكوا إذا ضحك الحاكم، وأن يهزّوا الرؤوس إذا قال الحاكم، ولا يتركون المجال للنّاس لأن يعبّروا عن مظالمهم ومطالبهم!

فئة أخرى من الزعماء والرؤساء أو من دونهم، لم يكتفوا بذلك، فهم باتوا يتألّمون من أيّ كلمة تقال على غير ما يشتهون، ولو كانت في الطّرف الآخر من المدينة؟ يريدون النّاس أن تتعلّم كلمات المديح والإطراء فقط، على غرار: سمعاً وطاعة سيّدي!!

شعوبنا ناجحة بامتياز في صُنع الطغاة والمستبدّين من الزعماء السياسيين وصولاً إلى رجال الدين، لأنّ الكثيرين منهم تعوّدوا أن يطأطئوا الرؤوس أمام الحكّام، ويقرّوا بحديثهم ولو كان خاطئا، ولا يتجرأون على قول كلمة الحقّ أمامهم، وهو جزء كبير من البلاء الذي ابتليت به هذه الأمّة!

حكّامنا لم ولن يصلوا الى مقام الفاروق وعدله، هذا فضلاً عن آخرين استحلّوا حقوق النّاس وأموالهم، لذلك فمن احترام مقام الإنسان لنفسه، ألا ينزعج من كلمة الحق، بل يجب عليه أن يبحث عنها، وأن يقرّب من مواطنيه من يقول الحقّ ولا يخشى في الله لومة لائم، لا أن يقرّب من تعوّد على هزّ الرؤوس في الحقّ والباطل.

الممالك والدول عبر التاريخ، لا يصطلب عودها ولا يقوى، إلاّ بالبطانة الصالحة النّاصحة، ولا تسقط وتنكمش إلاّ ببطانة السوء التي تزيّن كلّ قبيح، وتستر كلّ جميل.

في الأوّل والأخير، الحاكم والنّظام هو من سيسأل إذا سقط ملكه أو حكمه أو ضَعُف، لأنّه هو الذي رضي بتلك البطانة أن تلتفّ حوله.

آخر الكلام: الفاروق عُمر كان يدير أمّة بعقلية "وسوف تسألون"، أمّا أنظمتنا فتدير الدول بعقلية أصحاب "البرّادة"، لأنّهم يظنّون أنّ كل قطعة في الدولة تعود ملكيتها إليهم، حتى البشر.

برودكاست: كنّا نظن أن مواقف بعض الرّجال في منع استقبال السّفير الأمريكي بمجالسهم الرّمضانية، سيكون درساً جميلاً للآخرين، لكن يبدو أنّ البعض لا يملكون قرار أنفسهم، ولا يمكنهم أن يكونوا أصحاب مواقف، ولو مرّة واحدة في حياتهم. "يا عيب الشوم"!!



















.

نسخة للطباعة

شـــكرا للمحامي.. تمخضوا فولدوا فأرا!

في خطاب أرسلته السيدة أنديرا غاندي في عام 1957 إلى دوروثي نورمن ـــ وهي صحفية وكاتبة ومصورة أمري... [المزيد]

الأعداد السابقة