الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٥٠ - الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٣٣ هـ

مصارحات

بائع الملوك والأمراء!!







عاش في زمن الاضطراب والفتن، حين كانت الدولة الأيوبية تلفظ أنفاسها بعد موت صلاح الدين، تمزّقت الدولة وتوزّعت دويلات وإمارات بين أبنائه في مصر ومدن الشام بدءاً من دمشق مروراً بحماة وحمص وحلب.

كان زمانه زمان الخلافات بين الحكام الإخوة، حيث اشتدّ العداء بينهم، بينما الأعداء يحيطون بدولة الإسلام من كل جانب، فالصليبيون من جهة، والتتار من جهة أخرى، بينما حالهم كحال حكّامنا اليوم، في غفلة وغي، أعمتهم الدّنيا عن نصرة دينهم، ويكفي أن تشاهد ما يحدث في سوريا، لترى مقدار الضّعف الذي نعيشه!

في ذلك الزّمان، كان يعيش سلطان العلماء، بائع الملوك، العزّ بن عبدالسلام، الذي كان جريئاً في قول الحق، تهتزّ لكلمته الربّانية عروش وجيوش!

كان يحارب الفساد السياسي والاجتماعي في عصره، حتى التفّ حوله النّاس، وتطاير عنه أهل الدّنيا والسلطان!

يذكر له التّاريخ مواقفه مع الأشرف والصالح وفخر الدين ومن السلطان أيوب ومن قطز. كما يذكر له موقفه الأعظم في معركة المنصورة ضدّ الصليبيين، والتي انتهت بأسر ملكهم لويس التاسع!

قصصه في التاريخ عظيمة، ولكن أشهرها عندما أصبح مسؤولاً عن القضاء وعن بيت مال المسلمين في مصر.

رأى سلطان العلماء أنّ هؤلاء المماليك الذين أصبح بيدهم الحلّ والعقد، وأصبحوا أمراء، ومنهم من أصبح نائب السّلطنة، رأى أنّ هؤلاء جميعاً أرقّاء وملك لبيت مال المسلمين!!

أعلن ذلك ورفض أن يصحح لهم شراء ولا بيعاً ولا نكاحا، حتى ضجّوا بالشكوى للسلطان، حيث تعطّلت مصالحهم وحوصروا في حياتهم، وشعروا بالإهانة وهم يمثّلون ما يمثّلون في الدولة.

العزّ بن عبدالسلام كان يرى أن يتم عرض هؤلاء الأمراء في مجلس، وينادى عليهم ببيت مال المسلمين ليتم عتقهم بطريقة شرعية! تدخّل السلطان وطلب من الشيخ أن يبتعد عنهم. يذكر التاريخ أن الشيخ حزم أمتعته ووضعها على حمار، وأركب أهله حميراً أخرى عازماً على مغادرة مصر!

سمع به النّاس فخرجوا خلفه، بعلمائهم ومصلحيهم وتجارهم وكبار الشأو فيهم!

وصل الأمر إلى السّلطان وعلم أنّه إن لم يذهب إلى الشيخ فسيذهب ملكه، فلحق به واسترضاه، فاشترط تنفيذ ما طلب بحقّ أمراء المماليك!

ثارت ثائرة نائب السّلطان المملوكي، وخرج حاملاً سيفه ليدقّ عنقه، طرق باب بيته فخرج له ابن الشيخ، فعاد فزِعاً ليخبر أباه، فخرج له العزّ صلباً ثابتا، وما أن رآه نائب السّلطان حتى تصلّبت يده وسقط السيف منها، وأرعدت مفاصله، فبكى أمام الشيخ، وسأله بأن يدعو له، فكررّها الشيخ أمامه: أنادي عليكم وأبيعكم وأصرف أثمانكم في مصالح المسلمين.

وحدث ما لم يحدث في التاريخ، حيث نادى على الأمراء واحدًا واحدًا، وغالى في ثمنهم وقبضه ثمّ صرفه في وجوه الخير.

برودكاست: روائع قصصنا وتاريخنا، نستذكرها لنوقظ فينا ذلك الإحساس، فقيمة الإصلاح السياسي والاجتماعي، إذا خرج من قلوب طاهرة نقيّة، ومن رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يكون عوناً لأيّ ملك أو سلطان أو حاكم، ليحصّن ملكه بالعدل والمساواة، لا يظلم ولا يبطش ولا يستأثر، فالدنيا زائلة، ولن يدخل معك القبر سوى كفنك وعملك.



















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة