الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٥٦ - السبت ٢١ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٢٧ صفر ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين


الجمعيات الإسلامية مطالبة بالدعوة الخالصة لخدمة الوطن





قال الشيخ علي مطر في خطبة الجمعة بمسجد أبي بكر الصديق أمس: ما الذي يميز المسلم الحق عن غيره، ويميز المتدين الحقيقي، ويميز أهل المساجد والخير.. هل يتميزون عن غيرهم بالحسب والنسب، أو بالمناصب والمال والجاه، أو بالمساكن الفخمة، أو بالملابس الفاخرة والأشكال الظاهرة.. والجواب - بالطبع - كلا ولا..

بل الذي يميز جميع هؤلاء هو الإيمان الصادق والعقيدة السليمة الصافية، النظيفة من الشرك والخرافات، ويتميزون بالطاعات والعبادات الخالصة النظيفة من البدع والمحدثات والرياء والسمعة والعجب، وبالأخلاق الكريمة العالية النظيفة من الرذائل والقبائح، وبالمعاملة الطيبة الراقية والسلوك القويم والأدب الرفيع، ويتميزون بالصدق وطيب الكلام ونظافة اللسان من الكذب والبهتان وسائر أنواع الفحش، ويتميزون بالرحمة والأمانة والعدل والإنصاف «والعلم والقوة، والنظام والنظافة، وهذا التميز مطلوب في جميع جوانب الحياة، ليكون المسلم شامة بين الناس، وبالتالي يكون المجتمع المسلم شامة بين الأمم، كما كان في العصور الذهبية. وبهذا التميز نالت هذه الأمة المباركة الخيرية.

كما قال الله تعالى في آل عمران: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...».

ولهذا يجب على الجمعيات الإسلامية، وجميع العاملين في الحقل الخيري والدعوي والسياسي، وسائر الإسلاميين - وأقصد بمصطلح الإسلاميين الذين يحملون همّ الإسلام ومصلحة الإسلام والدعوة إلى الله تعالى، لا همّ المصلحة الخاصة، ومصلحة الحزب والجمعية والتكتل- عليهم أن يخلصوا النية لله جل جلاله، وأن يكون عملهم لله ولوجه الله، لا يريدون من الناس ثناء ولا يبتغون منهم جزاء ولا شكورا، وأن يدعوا إلى الله تعالى على علم وبصيرة.. قال الله تعالى: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ»، وأن يكون منطلقهم الكتاب والسنة، وأن ينظموا أعمالهم ويخططوا لها جيدا ليسلموا من العشوائية والارتجالية، وأن يتعاونوا بعضهم بعضا في كل مجالات الخير وما فيه نفع البلاد والعباد. قال الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ»، وأن يبتعدوا عن الحزبية والتعصب، وكل أسباب الفرقة والتشرذم.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا».

وعلى الحكومات والمسئولين وسائر الناس أن يثقوا بالإسلاميين وخاصة أصحاب المنهج الوسطي المعتدل، الذين تربوا على مائدة القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجانبوا الغلو والتشدد والتنطع، المشهود لهم بالخير والنصح للأمة، الذين لا ينافقون ولا يجاملون لا يتزلفون، ولا يركضون وراء المناصب والشهرة والظهور والحطام الزائل، وذلك بمشاورتهم وطلب نصحهم، وتكليفهم بمسؤوليات وبمهام وواجبات. لقد جربت الحكومات كل توجهات المجتمع، حان الوقت الآن لكي يجربوا الإسلاميين، فالإسلاميون وأعضاء الجمعيات الإسلامية من عشرات السنين في بلادنا وغيرها هم الذين يقومون بدعوة الناس وإرشادهم، ورعاية الفقراء والأيتام وسائر المحتاجين قبل أن توجد المؤسسات الرسمية المعنية بذلك.

والإسلاميون هم أصحاب فكرة ومبادرة تجمع الوحدة الوطنية التي أحدثت توازنا كبيرا وتغييرا على الساحة المحلية أثناء الأزمة السياسية التي مرت علينا والتي لا تزال تبعاتها تلاحقنا حتى اليوم.

وفي بداية تسعينيات القرن الماضي أثناء غزو الكويت الشقيق كان الإسلاميون وأعضاء الجمعيات الإسلامية الكويتية في مقدمة من قاموا بخدمة المجتمع، وتقديم المساعدات الإنسانية، وساهموا حتى في جمع القمامة من أمام المنازل.

ولدينا نماذج معاصرة رائعة ومواقف رائعة في تحمل المسؤولية، فهذا وزير تونسي جديد من الإسلاميين من تعففه أنه امتنع عن تسلّم السيارات المخصصة له ولأهله وكوبونات البترول، وأخذ يستخدم شاحنته الصغيرة القديمة التي كان يبيع فيها البقدونس لما كان عاطلا عن العمل، مع كونه حاصلا على شهادات دكتوراه عدة في تخصصات علمية فقط لأنه إسلامي.

التحول الذي حصل في الاقتصاد التركي بعد وصول الإسلاميين إلى الحكومة، وكيف تغلبوا على عجز الموازنة إلى فائض في فترة بسيطة، وعندما سئل رئيس وزرائها عن أسباب ذلك وكيف استطاع أن يجعل الخزانة التركية ممتلئة بعد أن كانت فارغة، وأصبح اقتصاد تركيا يمثل رقم ١١ على مستوى العالم بعدما كان يحتل المرتبة ١٠٤، أجاب بكل بساطة أنا لا أسرق. فإذا كان الكبير متعففا ولا يسرق انعكس ذلك على من دونه، فلن يسرق ويخاف من التجاوز والفساد، قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ».

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَدِّ الأَمَانَةَ إلى مَنْ ائْتَمَنَكَ..».

وها نحن نشتكي اليوم من الفساد المالي والإداري في كثير من مؤسساتنا وشركاتنا الوطنية وسرقات بمئات الملايين، فلم يبق بحر ولا بر، وصدرت تقارير عدة من الرقابة المالية، ولكن شيئا لم يتغير، ولم نسمع بأن فلانا تمت محاكمته ومحاسبته ولا أموالا أعيدت، فهذه الأمور سبب في تذمر الناس واعتراضهم وعدم رضاهم، مع ما يتبع ذلك من مشاكل.

وما نراه اليوم في الدول التي حصلت فيها الثورات من إقبال كبير على ترشيح واختيار الإسلاميين للرئاسة والوزارة ومجالس الشورى وغيرها، لخير دليل على مكانة الإسلاميين وحب الناس لهم وثقتهم بهم، وكلها بشارات تثلج الصدور، مع معاناة الإسلاميين في كثير من الدول سنوات طويلة من الاضطهاد والتآمر والاتهام وتشويه السمعة والإبعاد، على يد أعدائهم من العلمانيين وأفراخ الغرب وكأن لسان حالهم يقول: «وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يتطهرون».



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة