الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦١ - الخميس ٢٦ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٣ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


المقصود بـ «اسحقوه»..!





يوم أمس، نشر موقع بي بي سي تقريراً عنوانه الرئيسي باللغة الانجليزية «الشرطة تحت وطأة الهجوم في البحرين» وتناول التقرير في بدايته خطبة الشيخ عيسى قاسم التي وصفها التقرير بـ«النارية»، والتي دعى فيها إلى «سحق رجال الأمن» تحت ذريعة «الدفاع عن النساء»، وتمت ترجمة هذه الخطبة فيما بعد من قبل جماعات شبابية على الأرض بمواجهات مع رجال الأمن استخدمت فيها القنابل الحارقة، وأدت إلى إصابة أعداد من رجال الأمن، من بينها إصابات بليغة. ولاحظوا معي أن «السحق» يعتبر عملياٌّ أشد من «القتل»، لأن السحق يستدعي التفتيت والطحن إلى قطع صغيرة..!

الغريب في الأمر أن الشيخ عيسى قاسم هو من يزج بالنساء في الصفوف الأمامية لتظاهرات غير مرخصة، ورأيت عدداً من التسجيلات التي يتوارى فيها الرجال خلف النساء..! ورغم أنني أستغرب كيف يرضى الرجال أن يزجوا بنسائهم في الشوارع وفي مقدمة تظاهرات غير مرخصة وهم يعلمون أن نهاية التظاهرات غير المرخصة هو أن يتم منعها أو تفريقها من قبل الشرطة، فإنني في الوقت نفسه أتساءل عن مدى مشروعية «سحق» من يزج بالنساء في مواجهة الشرطة (بحسب منطق الشيخ عيسى قاسم)..!

لكن إذا أردتم الحق، فإن الشيخ عيسى قاسم ليس ملوماً أبداً فيما قاله من على المنبر، وليس ينبغي أن يوجه النقد إليه بالدرجة الأولى، فحينما يغيب القانون، وتتعامل الدولة بمكيالين في تطبيق ضوابط المنابر والخطابة، بشكل يؤدي إلى شعور بعض رجال الدين ممن يستغلون المنبر بأنهم معصومون ولن تجرؤ الدولة على محاسبتهم، فإن التمادي والتطرف وضرب القوانين بعرض الحائط يكون هو النتيجة الطبيعية.

لطالما أوقفت البحرين الكثير من الخطباء بسبب ما تم تصنيفه على أنه تجاوز في استخدام منابر الخطابة، حيث سبق أن أشرنا إلى أن الأوقاف السنية أوقفت الشيخ جاسم السعيدي بسبب خطبة تضمنت ما وصف بأنه إيحاءات تحريضية، كما تم إيقاف الشيخ راشد المريخي عن الخطابة منذ أكثر من ٢٠ سنة وحتى الآن، وهناك غيرهم الكثير من خطباء وأئمة مساجد، لم تتوان إدارة الأوقاف السنية عن تحذيرهم ثم إيقافهم في حال تكررت مخالفاتهم، رغم أن جميع هؤلاء لم يتمادوا كما تمادى الشيخ عيسى قاسم في خطبته التي كان يحرض فيها بشكل صريح وهو يصرخ متشنجاً «اسحقوه» ويشجع على المواجهات، ويتصرف كأنه عسكري وليس كرجل دين ينبغي عليه تكريس مفاهيم المحبة والتلاحم بين الإخوة في الوطن الواحد الذي لم يعد يحتمل أكثر مما هو فيه من طائفية وانقسام.

من الخطأ أن يعطي سلوك أجهزة الدولة المعنية بتنفيذ القانون كل حسب اختصاصه إشارات إلى الأشخاص بأنهم مستثنون من المحاسبة، مهما كانت الأسباب والمبررات. ومن أجل ذلك، أتمنى أن تستفيد الدولة من المؤتمر الذي نظمته قبل أيام للحديث عن الأمن الوطني والإقليمي، وعلى وجه الخصوص ما ورد في كلمة الفريق ضاحي خلفان بشأن إنفاذ القانون. من الواضح أن الكثير من المواطنين استفادوا من هذا المؤتمر وتعلموا منه، لكن السؤال: هل استفادت منه الدولة التي قامت بتنظيمه؟



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة