الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٣٦٣ - السبت ٢٨ يناير ٢٠١٢ م، الموافق ٥ ربيع الأول ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبة الجمعة:

سنقف لهم بالمرصاد دعما لقيادتنا.. وبكل قوة





قال الدكتورعبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف انصار بمدينة عيسى في خطبة الجمعة أمس: إننا واثقون كل الثقة بنصر الله تعالى؛ الذي لا يتخلف أبدا: «إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم» هذه الثقة بموعود الله تعالى، تجعلنا في حالة من التفاؤل الدائم المستمر؛ ألم يقل المصطفى صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراءُ شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرا له، ولا يكون ذلك إلا للمؤمن»، هذا هو الرضا مبعث الطمأنينة والسعادة.

وما يمر بنا في حياتنا من بلاء ما هو إلا امتحان يمحص فيه المؤمن من الكافر، ويتميز عنده الصادق من الكاذب: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين..» ولقد كان لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم قدوة، وأكرم أسوة في التحمل والصبر: هو الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي تحمل في سبيل دينه من الأذى والعنت ما تحمل؛ فما إن أعلن كلمة التوحيد حتى تصدى لها المشركون ليطفئوا نورها، ويحولوا بينها وبين الناس: «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون» وما علموا أنه النور الذي لا يمكن طمسه، ولا يتأتى لأحد - مهما بلغ جبروته وطغيانه - منعه، غير مدركين بأن هذا الدين كلما اشتدت شراسة الحرب عليه زاد انتشاره، ورغب الناس في الدخول فيه والإيمان به، إنه دين الله فلا عجب إذن من انتشاره.

وبهذا ندرك أن الضعف لا يعتري الإسلام؛ وإنما يعتري المسلمين، بسبب تهاونهم فيه، فما سقطت الخلافة، وما احتلت بلاد الإسلام، وتم تقسيمها وتقاسمها، وما زرع فيها الكيان الصهيوني الخبيث، وما تُجرئ على تغيير المناهج الدراسية في دولها، وما أدخلت العادات والتقاليد المخالفة لتعاليم الإسلام وبثت الأفكار المعادية للدين، وشوهت صورة الإسلام السمحة، وعودي دعاته المصلحون، ووقف منهم موقف متشدد، إلا بتخاذل المسلمين، هذه الحرب الشعواء التي شنت، ولا تزال تشن على الإسلام ودعاته المخلصين تارة بالخيانة، وأخرى بالتشكيك، وإصدار أحكام باطلة مسبقة تصب في صالح العدو بمساهمة من بعض من ينتسب إلى الإسلام من الذين باعوا أنفسهم للعدو بأثمان بخسة؛ ولكن برغم كل تلك العقبات والمحبطات؛ فإننا اليوم نشهد طلوع فجر جديد يبزغ على ربوع البلاد العربية، إنه عهد جديد مبارك تنبثق من بين جنباته أنوار الإسلام؛ لتبدد ظلام القهر والظلم والاستبداد؛ الذي مارسته خلال بضعة عقود من السنين أنظمة متسلطة غاشمة؛ أمعنت في إذلال الشعوب مرتكبة أبشع الجرائم في حق الدين والناس. مارست من القهر والعنت والكبت أشده ضد الدعاة والمصلحين: فمنهم من قتل، ومنهم من عذب، ومنهم من سجن، ومنهم من نفي وأبعد، ومنهم من شوهت سمعته لتنفر منه الناس، كل هذا حدث وأكثر منه.. ومع كل هذا الهول، لم تلن لهم قناة، لقوة صبرهم، وتمسكهم بدينهم، وإيمانهم بأن العاقبة للمتقين، وهذه هي الأيام تدور، وتتحقق لهم اليوم الغلبة ويظهرهم الله تعالى على من ظلمهم ويمكن لهم في حكم بلادهم، وقد أخزى الطغاة، فأسقطهم سقوطا مخزيا وفضحهم على رؤوس الأشهاد، ولا تزال الفضائح والفظائع التي ارتكبوها تظهر يوما بعد يوم. لقد أخزاهم الله تعالى وأذلهم، وأعلى قدر المظلومين، فأصبح السجان سجينا، وأضحى المسجون سجانا، إنها أقدار الله تعالى على عبادة: «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون.. «إنه الإمهال لا الإهمال. فخالص التهئنة إلى الشعوب المتحررة من ذل الاستعباد والاستبداد. وصادق التهنئة إلى الشعب المصري العظيم، والتونسي البطل، والليبي المجاهد، والعقبى - بإذن الله تعالى - للشعب السوري الشجاع؛ الذي نسأل الله تعالى أن تتكلل ثورته بالنصر القريب المؤزر العاجل، وتحية إلى حملة الإسلام ودعاته المخلصين، الذين مُكن لهم اليوم من بعد طول جهاد وعذابات مروا بها في عهود الظلم والطغيان. فهنيئا للإسلاميين في مصر وتونس والمغرب على هذا الفوز الباهر عبر صناديق الانتخابات الحرة. لقد انزاحت الغمة وها أنتم ستمسكون بزمام المسؤولية والقيادة؛ فأثبتوا لشعوبكم التي منحتكم الثقة صدق ما تدعون إليه؛ لتدحضوا بحسن أعمالكم كذب مبغضيكم، فالأمة الآن كلها تتطلع إليكم، وتأمل في الله ثم فيكم الكثير، فخيبوا ظن كل من يُحذر من الإسلام والإسلاميين، فأنتم اليوم على المحك والتحديات أمامكم كبيرة، والعقبات دونكم عظيمة؛ ونحن على يقين بأنه لن يدفع الخطر الداهم، ولن يقف في وجه العدو الغاشم؛ إلا المسلمون المخلصون؛ الذين لا يتطلعون إلا إلى حكم عادل رشيد: «وتلك الأيام نداولها بين الناس».

فما قلته سابقاً هو مما يجب علي قوله وإن كان بحاجة إلى تفصيل أكثر، وبيان أشمل؛ ولكن المقام لا يسمح للإطالة، وإنه يأتي في معرض الرد على كل من يشكك ويتهم الإسلاميين على العموم من دون تحقيق ولا تدقيق، كقول أحد المسؤولين الخليجيين إن الإسلاميين أشد خطرا على دولنا من إيران! فإن صح هذا القول الصادر عن أحد المسؤولين الخليجيين، فنحن حقا في أزمة؛ حينما توجه التهم جزافا وعلى وجه العموم من دون دليل ولا برهان؛ سوى ما استقر في أذهان هؤلاء من تشويه سابق لتلك الأنظمة البائدة المعادية للإسلام ودعاته.. فهذا مما يؤسف له؛ لأنه يجعلنا حقيقة في موضع الخطر، وذلك بتحقيقنا للعدو أهم أهدافه وغاياته، وهو إبعاد المخلصين عن ساحة المواجهة مع أعدائنا الحقيقيين المتربصين بنا، ومن هنا يلزمنا قول كلمة الحق التي يَخشى الكثيرون قولها؛ مع أن ديننا حملنا مسؤولية الذب عن إخواننا إذا ما ظلموا بقول أو فعل؛ وإلا ما فائدة التغني بالأخوة في الرخاء من دون أن يكون لها في المحنة والشدة من موقف ذا صدى.

إننا اليوم في أمس الحاجة إلى الصادقين المخلصين، إلى المضحين بالغالي والثمين، فالأوطان لا تقوم ولا تحفظ إلا بالبذل الذي لا يرجى من ورائه شيء غير مصلحة الوطن.

نؤكد أن عدونا خبيث، متآمر من سنين طوال، ونحن عنه لاهون، واليوم كشف حقيقته واستل في جنح ظلام غفلتنا خنجره ليطعن به الوطن تلك الطعنات الغادرة؛ التي كادت - لولا حفظ الله تعالى - أن تودي بنا إلى الهاوية. وها هو مستمر في خططه، متعاون متظاهر مع أعدى أعدائنا في محاولة لاغتيال الوطن واحتلاله، وما هذا التصعيد الذي بلغ منتهاه بتحريض خبيث من كبيرهم على سحق رجال الأمن إلا دعوة خطرة تهدف إلى جر الوطن إلى أتون حرب لا يعلم مداها إلا الله تعالى. إن ذلك التحريض يتبعه تأييد ما يسمى (المجلس العلمائي) وتأكيد هذه الدعوة بتنفيذها والموت في سبيلها، دعوة صريحة إلى أتباعهم المقيدي الإرادة، والمغيبي العقل؛ إلى إلقاء أنفسهم في نار جهنم، ليكونوا وقودها وحطبها المشتعل، إنهم يدفعون بالنساء والأطفال والقصر من دون رحمة، يريدون مزيدا من دماء هؤلاء المساكين المغرر بهم ليتاجر فيهم لدى المنظمات العالمية المتهالكة المدفوعة الثمن.

إن هذا التحريض الذي تمارسه مراجعهم مُجرم شرعا وقانونا. وإن شرعنا يأمرنا برد المعتدي كائنا من كان، كبيرا كان أم صغيرا، رجلا كان أم امرأة؛ فمن حمل السلاح منهم وتعدى به على غيره جاز صده؛ بل قتله، وهؤلاء الذين يخرجون في المظاهرات العدوانية من النساء والصبيان يحملون معهم أسلحة قاتلة؛ وقد طعنت إحداهن أحد رجال الأمن وأصابته بإصابات بالغة، وأولئك الصبية الذين يحملون القنابل الحارقة القاتلة يجب التعامل معهم بما يستحقون. إن الأفعال التي يرتكبها المخربون ومحرضوهم أفعال مجرمة؛ ولأن الوطن لا يعنيهم في شيء فهم يسعون إلى تدميره وتخريبه، ولن يستطيع الإرهابيون دفعنا إلى تدمير هذا الوطن، إننا مأمورون شرعاً بأن نضبط أنفسنا ولا نتعدى حدودنا حتى نؤمر، فلا يجوز التعدي والتخريب لأننا لسنا مثلهم، ولكننا سنقف لهم بالمرصاد دعما لقيادتنا بكل ما أوتينا من قوة، ومساندين لرجال أمننا البواسل الأبطال، هم في الصفوف الأولى بحسب موقعهم، ونحن من خلفهم نشد من أزرهم، ونقوي من عزائمهم، ونرفع من معنوياتهم، لا نتخطاهم في أعمالهم ومهامهم فهم أخبر فيما يتعاملون، فلا نشوش عليهم. وإننا على ثقة بأنهم قادرون في ساعة زمن على دحر هؤلاء الإرهابيين الجبناء، وأملنا أن يمكنوا من أداء دورهم؛ وذلك بتسليحهم بما يدفعون به عن أنفسهم، وما يدرؤون به عن الوطن خطرهم. إن شعب البحرين كله يقف مع قيادته ولن يتمكن هؤلاء من جرنا إلى ما يريدون، ولن يخرجونا عن الصف لأننا مؤمنون بأن قوتنا تكمن في وحدة صفنا فلا تتفرق بنا السبل، والدعوة إلى السحق للمسحوق مكشوفة مفضوحة، وما تهديد المجلس العلمائي إلا صرخة مريض مخنوقة لم نسمعها، ولا يستحق هذا التعرض له؛ بل ولا الالتفات إليه، فضلا عن أن يقبض عليه، يكفيه أنه كشف حقده وبغضه، «ولتعرفنهم في لحن القول» وفق الله تعالى رجال أمننا لبسط الأمن، وحفظهم من كل سوء ومكروه، فهم بعد الله تعالى - درعنا المكين، وحصننا الحصين، فلكم العزة والانتصار، وللبحرين الرفعة والفخار، وللعدو الذلة والدمار: «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة