العدالة الأمريكية
 تاريخ النشر : السبت ٢٨ يناير ٢٠١٢
صلاح فؤاد عبيد
هل تذكرون المجزرة التي ارتكبها الجيش الأمريكي في مدينة (الحديثة) العراقية عام ٢٠٠٥ والتي راح ضحيتها ٢٤ مدنيا عراقيا بريئا لم يرتكبوا أي جريرة أو ذنب يستحقون عليه الموت لكنهم سقطوا ضحية نهم الجنود الأمريكيين للقتل العشوائي؟!
إذا لم تكونوا تتذكرون تلك المجزرة فيكفيكم أن تعلموا أن مجموعة من ثمانية جنود أمريكيين مدججين بالسلاح اقتحموا في أحد الأيام من عام ٢٠٠٥ عدة منازل في قرية (الحديثة) العراقية وراحوا يقتلون كل من يجدونه فيها، صغيرا كان أم كبيرا، رجلا كان أم امرأة أم طفلا، فقتلوا ٢٤ شخصا ثم انسحبوا إلى وحداتهم كأنهم لم يفعلوا شيئا، أو كأنهم قتلوا مجموعة من الفئران أو الكلاب الضالة!
حين انكشفت تفاصيل تلك الجريمة البشعة قرر الجيش الأمريكي تقديم جنوده الثمانية للمحاكمة ليلقوا جزاء ما اقترفته أيديهم، فالجيش الأمريكي والحكومة الأمريكية والقضاء الأمريكي عادلون وإنسانيون ورحماء إلى أقصى درجة ولا يرضيهم بتاتا أن يسقط الأبرياء ضحية جنون بعض جنودهم، وبالفعل صدرت الأحكام التاريخية الشديدة الصرامة ضد أولئك الجنود الثمانية ليكونوا عبرة لمن يعتبر، حيث تمت تبرئة سبعة منهم، بينما قائدهم تمت معاقبته بخفض رتبته العسكرية من (رقيب) إلى (جندي) بالإضافة إلى الحبس مدة ٩٠ يوما مع إيقاف التنفيذ!
نعم، هكذا تكون الأحكام وإلا فلا، فالجنود الثمانية تم تقديمهم إلى المحاكمة بتهمة القتل الخطأ، وهذه تهمة باطلة، لأنهم لم يخطئوا في قتل المواطنين العراقيين المدنيين الأربعة والعشرين الذين كانوا في بيوتهم آمنين مطمئنين قبل أن يقتحم أولئك الجنود عليهم بيوتهم ويفرغوا في أجسادهم طلقات رشاشاتهم، إذ الحقيقة أن أولئك الجنود قاموا بجريمتهم تلك عامدين متعمدين مصرّين عليها، ومادام القضاء الأمريكي يتهمهم بتهمة القتل الخطأ فلا شك أنهم أبرياء منها تماما، بل ومن الظلم أن يتم خفض رتبة قائدهم المسكين جراء تهمة هو بريء منها!
قد يسأل سائل: لماذا تم تقديم أولئك الجنود إلى القضاء الأمريكي بتهمة القتل الخطأ وليس العمد؟! والجواب هنا هو أن أولئك الجنود منزهون عن الخطأ ولا يمكن أن يقتلوا المدنيين الأبرياء، فهم جنود أقوى وأحكم وأفهم وأعقل دولة في العالم، وهم بالتالي عقلاء وحكماء ولا يرتكبون الأخطاء، ثم إن المدنيين العراقيين في المفهوم الأمريكي مثلهم مثل المدنيين العرب والمسلمين في كل بقاع الأرض لا قيمة لهم ولا ثمن لدمائهم، فيجوز لأي أمريكي أن يقتل منهم ما يشاء بلا أي عقاب، مثلما أن ديارهم مباحة للجيوش الأمريكية، وثرواتهم حلال للعصابات التي تحكم أمريكا منذ أمد بعيد، وإذا ما اعترض أحد على ذلك فليتقدم بشكواه إلى القضاء الأمريكي النزيه العادل الذي سيسارع إلى إصدار الأحكام التاريخية الصارمة الرادعة، مثلما فعل أكثر من مرة عندما تم تقديم بعض الجنود الأمريكيين (المساكين المفترى عليهم) إليه فعاجلهم بأحكام توازي جرائمهم في الشدة والعنف، ويكفي للدلالة هذا أنه في هذه القضية الأخيرة خفض رتبة أحدهم بمنتهى القسوة من (رقيب) إلى (جندي) ليعاني ويتألم مثلما تألم ضحاياه وهم يلفظون أنفاسهم غارقين في دمائهم!
لا تخافوا أيها العرب والمسلمون من الهجمة الأمريكية الصليبية الصهيونية على دياركم، فإن دماءكم غالية، وحياتكم ثمينة، وأعراضكم مصونة، والقضاء الأمريكي كفيل بأخذ ثأركم من أي أمريكي يعتدي عليكم، فأمريكا بلاد العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بكل معنى الكلمة!
salah_fouad@hotmail.com
.
مقالات أخرى...
- احذروا.. فالقادم أسوأ - (26 يناير 2012)
- تعالوا نحلم معا - (25 يناير 2012)
- أفيقوا قبل فوات الأوان - (23 يناير 2012)
- مخاطر الباراسيتامول - (22 يناير 2012)
- إذا أردنا التقدم - (20 يناير 2012)
- مسئوليتنا جميعا - (19 يناير 2012)
- لو كانوا صادقين - (17 يناير 2012)
- مشروع حضاري نتمناه - (16 يناير 2012)
- لصالحنا وصالحهم - (15 يناير 2012)