مسئوليتنا جميعا
 تاريخ النشر : السبت ١٩ يناير ٢٠١٢
صلاح فؤاد عبيد
صدق من قال «العقول في إجازة»!.. وصدق من قال «الجنون فنون»!.. وصدق من قال «قلة العقل مصيبة»!
مدمنو المخدرات في إحدى الدول العربية واجهوا أزمة في الحصول على السموم التي يتعاطونها، فلجأوا إلى حل عبقري لا أظن أحدا سبقهم إليه من قبل، حيث قاموا باصطياد الصراصير وتجفيفها وطحنها فيما بعد ليتم خلطها مع مواد أخرى وتحويلها إلى سيجارة يدخنونها لتجلب لهم (الكيف)!
قد يظن البعض أن هذه نكتة الموسم، لكن الخبر نشره مؤخرا موقع (ام بي سي) نقلا عن رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث في ذلك البلد العربي، الذي قال إن «هناك من يلجأ إلى الصراصير حيث يقوم بتجفيفها وطحنها فيما بعد ليتم خلطها مع مواد أخرى وتحويلها إلى سيجارة، في حين يقوم آخرون وصلوا إلى مرحلة الإدمان على المخدرات الصلبة كالهيروين والكوكايين إلى نزع أجنحة هذه الحشرات وحرقها فيما بعد واستنشاق الدخان المتصاعد الذي يتحول إلى مخدر قوي)!
وأضاف الرجل في تصريحه معلومات في منتهى الغرابة حيث قال إن «هناك من يلجأ إلى طرق أكثر تعقيدا، حيث يتم استنشاق رائحة الجوارب، إذ يقوم المدمنون بارتداء عدة جوارب في نفس الوقت حتى تصل إلى مرحلة التعفن ليتم فيما بعد استنشاقها»!
حين قرأت هذا الخبر سقطت على الأرض من شدة الضحك، ليس لطرافة الخبر فحسب، بل أيضا لشدة المأساة التي وصل إليها بعض شبابنا ونحن عنهم غافلون، فشرّ البلية ما يُضحك، إذ لا يتعاطى الشباب المخدرات إلا حين تغيب عنهم رقابة الأسرة أو يفتقدون حنانها، أو يشعرون بأنهم منبوذون في مجتمعاتهم، أو أنه لا مستقبل لهم، أو حين يواجهون مآسي عائلية أو مشكلات اجتماعية أو معضلات اقتصادية أو غيرها من الأسباب التي تؤدي بهم إلى رفض الواقع الذي يعيشون فيه ومحاولة نسيانه بأي طريقة من الطرق، وليس أسهل من تعاطي المسكرات والمخدرات وسيلة للغياب عن الدنيا وما فيها.
تعاطي المخدرات جريمة لا يرتكبها المتعاطي في حق نفسه فقط، بل هي جريمة يرتكبها المجتمع بأسره حين يترك أحد أفراده يسقط في غياهب الإدمان والضياع من دون أن يمد إليه يد العون وينتشله من واقعه المؤلم الذي عجز عن التعايش معه، كما أن التهاون أو التقصير في محاربة تهريب وترويج المخدرات سبب قوي من أسباب سقوط بعض شبابنا فيها، أضف إلى ذلك سوء التربية أو ضعفها أو انعدامها أحيانا. المسئولية ليست فردية في قضايا تعاطي المسكرات والمخدرات، بل هي مسئولية مجتمعية يتحملها العديد من الأطراف، في مقدمتهم الأسرة والمدرسة والدولة، الأسرة بتقصيرها في التربية على الالتزام الديني والأخلاقي وفي الرقابة الأسرية، والمدرسة بتقصيرها في التربية والتعليم والتنشئة القويمة، والدولة بتقاعسها عن تشديد الرقابة الأمنية على مهربي المخدرات ومروّجيها، وعن حل المشكلات المجتمعية لمتعاطيها، وعن توفير الحياة الكريمة التي يستشعر معها المواطنون ضمان مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وعن توفير الأنشطة الشبابية بالعدد الكافي والتنوع الشامل الذي يشغل وقت فراغ أبنائها فيما يعود بالنفع عليها وعليهم.
يجب أن تشكل كل دولة من دولنا العربية هيئة تعنى بالعمل على استقبال شكاوى ومشكلات الشباب وحلها بكل الطرق المتاحة، حتى لو كانت تلك المشكلات شخصية أو عائلية، وذلك بالتعاون مع الهيئات المعنية بقضايا الأسرة والمرأة والطفولة ومع علماء الدين والقضاة وصولا إلى المسئولين على أعلى المستويات، لأن سقوط شاب واحد من شبابنا ضحية للإدمان معناه وجود عضو فاسد في جسد أمتنا يهدد بإتلاف أجزاء أخرى حيوية تودي في النهاية بالجسد كله إلى الهلاك.
salah_fouad@hotmail.com
.