هذه حقيقة موقفهما
 تاريخ النشر : الخميس ٩ فبراير ٢٠١٢
صلاح فؤاد عبيد
القرار الروسي الصيني المشترك باستخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد إصدار قرار إدانة النظام السوري لارتكابه مجازر ضد أفراد شعبه لقي ترحيبا متوقعا من أنصار نظام بشار الأسد داخل سوريا وخارجها، لأنه يعني ببساطة إنقاذ ذلك النظام الدموي من إدانة دولية ستجرّ عليه عقوبات قاسية ومحاصرة ومقاطعة من قبل دول العالم كلها تقريبا عدا إيران التي ترتبط بذلك النظام عقائديا، والعراق التي أصبح نظامها الحاكم اليوم حليفا عقائديا وسياسيا للنظام السوري وامتدادا للنفوذ الإيراني في المنطقة.
أن ترحب إيران والعراق وحزب الله اللبناني بالقرار الروسي الصيني فإن هذا مفهوم تماما، لكن أن يرحب به بعض من يسمون أنفسهم (المعارضة) في البحرين فهذا دليل على أنهم طائفيون حتى النخاع، إذ لو كانوا منصفين حقا لما ساندوا القاتل للاستمرار في جرائمه لمجرد اشتراكهم معه في العقيدة أو الهدف السياسي أو الحلف مع الجارة ذات المطامع المعروفة في دول المنطقة وثرواتها.
يظن كثيرون أن القرار الروسي الصيني دافعه سياسي لنصرة النظام السوري أو لمجاملة حليفته إيران التي ترتبط مع تلكما الدولتان الكبريان بمصالح اقتصادية، لكن الحقيقة التي يؤكدها التاريخ هي أن الروس والصينيين لا حليف لهم إلا مصالحهم فقط، وقرار دولتيهما استخدام حق الفيتو لم يجئ لنصرة النظام السوري إنما لتأخير سقوطه قدر الإمكان أملا في تحصيل بعض ديونه لهما، إذ أنهما المورّدان الرئيسان للعتاد العسكري والسلع والبضائع لسوريا منذ سنوات طويلة، ولهما في ذمة نظامها الحاكم مليارات الدولارات لم يسددها بعد، وحالما يقوم بتسديدها أو يتم تعويضهما عنها من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل اللتين هما ذواتي المصلحة المباشرة في سقوط النظام السوري فإن روسيا والصين ستتخليان عن حليفهما السوري بمنتهى السرعة، مثلما فعلتا مع حليفهما البعثي العراقي الذي ساندتاه إلى أن قبضتا الثمن فتركتاه لمصيره المحتوم، وهو ذات المصير الذي سيلقاه النظام السوري عما قريب.
ليس هذا فحسب، بل وأبشّركم أيها الفرحون بالموقف الروسي الصيني أن هاتين الدولتين ستقفان نفس الموقف تجاه إيران عندما تحين ساعة ضربها عسكريا من قبل حلف الناتو أو عند إصدار قرار أممي بمحاصرتها دوليا، ومن يظن خلاف ذلك فهو واهم، لأن تلكما الدولتين لا يهمهما سوى مصالحهما فقط، ولا أظن عاقلا يقول إن مصالحهما تكمن في مساندة الأنظمة الحاكمة في دول الشرق الأوسط ضد أمريكا أو حلف الناتو!
الحقيقة الواضحة للعيان ولا ينكرها ذو عقل هي أن العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بات مثل كعكة تتقاسمها الدول الكبرى بالتوافق ولا يمكن أن تتقاتل على أي جزء منها لأن أي نزاع مسلح فيما بينها يعني نهاية الحياة على كوكب الأرض، أو بمعنى آخر إن الدول الكبرى تحالفت على تحقيق مصالحها جميعا بلا استثناء ولم يعد بينها حرب مصالح ولا هم يحزنون، وما خلافاتها الظاهرية إلا لعبة تمارسها إعلاميا وسياسيا لاستغلال شعوب العالم ودولها جميعا.
يؤسفني القول إن مستقبل منطقتنا العربية سيكون مظلما للغاية إذا لم نقف جميعا ــ شعوبا وحكومات ــ صفا واحدا ضد تحديات التمزيق والاحتلال الأجنبي باستخدام لعبة الاقتتال الطائفي والعرقي بين العرب والمسلمين، فهل يعي جميع أنصار أنظمتنا الحاكمة ومعارضيها على حد سواء هذه الحقيقة ويعملون على حماية أنفسهم وشعوبهم ودولهم من تبعاتها المدمرة؟
salah_fouad@hotmail.com
.
مقالات أخرى...
- مشروبات (الدايت) القاتلة - (7 فبراير 2012)
- سيخرجون منها خاسرين - (6 فبراير 2012)
- هل نستطيع؟! - (5 فبراير 2012)
- نحتاج مزيدا من التوعية - (4 فبراير 2012)
- الإصلاح.. وليس الفوضى - (3 فبراير 2012)
- نملك ثروة عظيمة - (2 فبراير 2012)
- اللعبة تتكرر! - (1 فبراير 2012)
- يسعون إلى حتفهم! - (31 يناير 2012)
- العدالة الأمريكية - (28 يناير 2012)