الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٠٠ - الاثنين ٥ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

قضية مواطن مقهور

أغروه بجعله طيارا مرموقا.. فترك وظيفته المحترمة





لست أعرف كيف أقول بالضبط.. هل هذه المشكلة التي أمامي الآن هي مشكلة طالب؟.. أم مشكلة موظف؟.. المهم أن ما أعرفه هو أنها مشكلة مواطن.. بعد أن كان موظفا مرموقا يشغل وظيفة محترمة، حيث إنه قد تخرج بتفوق في إحدى الجامعات البريطانية المرموقة.. ثم أوهموه وأغروه ليترك وظيفته ويقبل أن يكون طيارا!!

قالوا له في البداية لا تنزعج.. لن يكون إعدادك كطيار على نفقة الدولة.. ولا على نفقة أكاديمية الخليج.. بل ستكون الدراسة على نفقتك.. ولكن لا تتعجل سيكون راتبك بعد التخرج كبيرا ومغريا ومنصبك مرموقا للغاية.. فدخلوا لدى البنك من أجل أن يقدم له قرضا أو ائتمانا بمبلغ ٥٠ ألف دينار يسحب منه للانفاق على الدراسة.

المهم ترك المواطن: علي محمد عبدالرحمن وظيفته.. وقبِل عرض «أكاديمية الخليج».. وسافر إلى بريطانيا وقضى بها ٦ شهور في التدريب النظري على الطيران بأكاديمية اكسفورد للتدريب على الطيران واستطاع أن يجتاز هذه المرحلة بتفوق، فقد كان متقدما على كل زملائه.. وحالا.. أخذوه إلى أمريكا من أجل التدريب العملي بأكاديمية الطيران هناك.

وكانت الطامة الكبرى تنتظر محمد في أمريكا.. حيث اكتشف انه ليس هناك أي توافق بينه وبين مدربه.. الأمر الذي تحولت معه حياته إلى جحيم.. اتصل بالأكاديمية في البحرين وقال لهم: أرجوكم غيروا المدرب.. ودعوني أتعامل مع مدرب آخر حيث يتوافر أكثر من مدرب حتى لا يضيع مستقبلي.. ولكن للأسف لم يسألوا فيه ولم يعيروه أي اهتمام.. وأخيرا أخبره المدرب أنه غير مرغوب فيه بهذه الأكاديمية الأمريكية وقال له: أفضل لك أن تعود إلى بلدك.

وعاد محمد وكانت المصيبة أفدح، فرغم انه كان قد حصل على قرض للانفاق منه على الدراسة إلا أنهم طالبوه بكل ما أنفقوه على دراسته.. رغم انهم استولوا على ما تبقى من القرض.. ولما كان محمد لا يعمل ولا يملك شيئا يدفع منه.. ولما كان الأمر كذلك.. فقد بدأوا في الخصم من راتب والده.. الذي يعمل موظفا بطيران الخليج.. قرروا وقبلوا «أن يزروا وزرة أخرى».. واستمروا في الخصم من راتب والده الذي يعيل منه أسرة كبيرة.

وماذا يفعل محمد بعد أن أصبح عاطلا.. وعاجزا عن أن يجد وظيفة أو أن يفعل أي شيء.. أو حتى يفهم أي شيء مما يحصل له ولأسرته!!

على أي حال أنا أفضل أن أتركه يحكي مأساته بنفسه لأنه أكثر مني دقة في عرضها على أمل أن يستمع إليه كبار المسئولين بالمملكة الحريصين على كل المواطنين المقهورين.

تفاصيل المأساة:

يقول علي محمد عبدالرحمن: لقد انبهرت كغيري من الشباب بالاعلانات التي كانت تنشر في الجرائد المحلية عن برامج تدريب وإعداد الطيارين، وأحببت أن أجرب وأتقدم لامتحانات القبول في هذه البرامج على الرغم من انني كنت أعمل في وظيفة محترمة وبراتب مغرٍ، فأنا خريج إحدى الجامعات البريطانية. تقدمت للامتحان على سبيل التجربة على الرغم من انها لم تكن مجانية، ونجحت في جميع الامتحانات الشفهية والنظرية والمقابلة الشخصية، ولكنني توقفت عن إتمام باقي الاجراءات لان متطلبات القرض لم تكن سهلة، وكان ذلك في عام ٢٠٠٨م، ثم نسيت الموضوع، ولكن لم يتوقف البنك ولا تمكين ولا أكاديمية الخليج عن الإلحاح عليّ لقبول هذه الدراسة وهذا العرض.

جاءت الدفعة الثانية وكان ذلك في عام ٢٠١٠ وتحت إلحاح من البنك وتمكين أيضا قبلت أن أدفع ٢٥٠ دينارا أخرى رسوما للامتحانات مرة أخرى.. وكما حدث في المرة الاولى اجتزت جميع الامتحانات ولم يبق لي الا الاختيار، وفكرت في الأمر كثيرا فقلت ربما هذه فرصتي لوظيفة أفضل، وعلى الرغم من رفض والدتي فإنها رضخت للأمر الواقع بعد ذلك.. وربما هي أحست أن هذه مصيدة لنا!! فلقد كان مبلغ القرض ٥٠ الف دينار بحريني تسدد على أقساط وهي أقساط كبيرة نوعا ما. وطبعا بما انني لا أملك هذا المبلغ فلقد تكفل والدي ووالدتي عني بسداد الاقساط لحين تخرجي وحصولي على وظيفة طيار.

وفعلا غادرت مع دفعتي إلى بريطانيا وبقينا هناك أكثر من ستة أشهر في دراسة المقررات النظرية، وكانت نتائجي من أحسن ما يكون على الرغم من تعثر زملائي، وبعد اتمام المقررات كان الزاما على الذين أنهوا المقررات السفر إلى الولايات المتحدة الامريكية لاستكمال المقرر العملي وكان عددنا قليلا.

مصيبتي مع المدرب

ومنذ البداية لم أستطع أن أتأقلم مع المدرب الامريكي، فلقد كان فظا غليظ القلب لا يقبل أي سؤال، وراسلت أكاديمية الخليج - وعندي ما يثبت ذلك - طالبا منهم استبدال هذا المدرب بآخر ولكن من دون جدوى، إلى أن تفاقمت الأمور بيننا وصرت لا أخرج معه للتدريب كباقي الطلبة وبقيت حبيس الغرفة مدة طويلة، ولم تكلف الاكاديمية نفسها عناء التدخل وحسم هذا الأمر.

حاولت الجامعة تقييم مستواي في الطيران وخرجت في رحلة مع رئيس المدربين واجتزت الامتحان معه، ولكنني فوجئت بهم يطلبون مني مغادرة الولايات المتحدة الامريكية في أسرع وقت ممكن، وكأنني شخص غير مرغوب فيه أو مجرم!

وفعلا عدت إلى البحرين وحاولت الاتصال بالاكاديمية لاستيضاح الأمر منهم، ولكن من دون جدوى، إلى أن مرت عدة أشهر وبعد إلحاح متواصل مني تم عقد لقاء بيني وبين الأكاديمية ممثلة في رئيسي العمليات علي سليمان وخالد خلف وذلك بحضور والدي، وكان اللقاء جافا بكل معنى الكلمة، ولم يسمحا لي بأن أتكلم لأبرر موقفي وكانا يخاطباني باستعلاء وكأنني كنت أدرس على حسابهما الخاص، ولم نتوصل إلى حل، والآن وبعد مرور ما يقارب العام وبعد ان عاد جميع الطلبة من الخارج وحان موعد الاستقطاع، لم أكن أتوقع أن تبدأ الاجراءات بهذه الطريقة ومن دون الوصول إلى حل مع الأكاديمية لكوني لم أتم الدراسة، في الوقت الذي يرفضون فيه أي اتصال مني. وتم خصم المبلغ الأول وهو ٧٥٠ دينارا من حساب والدي، وليستمر ذلك مدة ستة أشهر على ان يتضاعف هذا المبلغ بعد ذلك!

ومشكلتي الآن انني عدت من أمريكا صفر اليدين بلا أي شهادة أو مستند يثبت دراستي وطبعا خسرت عملي ومنذ عودتي بقيت عاطلا عن العمل وغير مستحق لعلاوة التعطل، فمنذ شهر قد قبلت بوظيفة لا تتناسب مع خبراتي ومؤهلاتي لكي لا استمر عاطلا عن العمل، وحتى لا أبقى عبئا على والدي.

ان أكاديمية الخليج ترفض اعطائي أي بيانات أو شهادات عن دراستي أو عن قرضي، وعندما راجعت البنك قيل لي ان الاكاديمية قد سحبت مبلغ القرض بالكامل!! وعندما واجهتهم بالأمر تم اعطائي ورقة لا يفهم منها شيء من دون اي تفاصيل، وتثبت انهم قد صرفوا من مبلغ القرض ما يعادل الـ ٢٤ الف دينار والباقي يفترض انه لي، وكنت أتوقع انه قد تم اعادته إلى البنك لا أن يكون التصرف فيه لهم وحدهم!!

والمشكلة الكبرى أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء التفاهم معنا.. فأين ذهب هذا المبلغ وكيف هم يتصرفون فيه نيابة عني في حين أنني ملزم بدفع كامل المبلغ، وهم لم يتركوا لي خيارا ان أغير المدرب أو حتى ان أتدرب في كلية أخرى مادمت انا صاحب القرض.

وأخيرا يقول علي محمد عبدالرحمن: لم أجد في العقد الموقع بيننا ما يلزمني بأن أدفع التكاليف طالما أنني قد تم ترشيحي من قبهلم وهم قد أجبروني على ترك الدراسة وبقائي عاطلا من دون دراسة ولا عمل.. فما هو الحل مع هذه الاكاديمية والفخاخ التي تنصبها للشباب الطامحين؟!



.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة