الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤١٨ - الجمعة ٢٣ مارس ٢٠١٢ م، الموافق ٣٠ ربيع الثاني ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


حمى الانتخابات الرئاسية تبدأ في مصر





قبل سنة من الآن صوت المصريون بأعداد غير مسبوقة على تغيير بعض بنود الدستور ووضعوا بالتالي بلادهم على طريق الديمقراطية. لايزال الكثير من المصريين منتشيا حتى اليوم بسقوط الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي ظل يحكم مصر منذ سنة ١٩٨١، أي على امتداد ثلاثة عقود كاملة. لقد وضعت أغلبية من المصريين ثقتها في المجلس العسكري حتى يقوم بتهيئة البلاد وإعادتها إلى الحكم المدني. عندما أجريت الانتخابات في شهر فبراير ٢٠١٢ على مجلس الشورى لم تتجاوز نسبة المشاركة ٦,٥%، علما أن الأغلبية الساحقة من المصريين يفضلون إلغاء مجلس الشورى.

في الحقيقة، لقد ضاعت نسبة كبيرة من تلك النشوة التي سادت مصر خلال سنة ٢٠١١ وتم هجرها. لقد أظهرت الحكومات الانتقالية التي تعاقبت على السلطة أنها «خجول» وعديمة الخيال مما منعها من وضع أي إصلاحات حقيقية تقطع مع الماضي.

اما المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يضم ثلة من كبار الجنرالات المصريين فقد بدا مترددا بل متناقضا في بعض الأحيان وهو ما تسبب في اندلاع أعمال عنف وهو ما أثار التساؤلات حول إعلان المجلس تأييده للثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك وفتحت باب التعددية السياسية في مصر.

لقد اتخذ المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية مؤخرا خطوة إيجابية أثارت ارتياح الكثير من المصريين عندما وضع جدولا زمنيا للفترة الانتقالية التي ستفضي إلى تسليم الحكم إلى سلطة سياسية مدنية. وفق هذا الجدول الزمني ستشهد مصر إجراء الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية في شهر مايو الماضي على أن يعلن اسم أول رئيس مصري منتخب شعبيا يوم ٢١ يونيو .٢٠١٢ لن تكون مهمة الرئيس المصري القادم سهلة أبدا حيث انه سيتولى إدارة شؤون البلاد التي تعاني الانقسامات والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، على غرار بقية دول «الربيع العربي». ناهيك عن البيروقراطية الكبيرة التي ظلت تنخر الدولة المصرية.

سيتولى الرئيس القادم أيضا مهام الحكم من دون أن تكون صلاحية منصبه محددة بدقة، فهذه الصلاحيات لن يتم النص عليها ودسترتها إلا لدى إقرار نص الدستور الجديد. لقد بدأ البرلمان المنتخب مؤخرا يناقش تركيبة اللجنة التي ستتولى صياغة الدستور المصري الجديد.

لقد احتدم الجدل حول الاطراف التي ستقوم بصوغ نص الدستور الجديد بسبب التجاذبات السياسية والايديولوجية نظرا إلى التنوع الفكري والاجتماعي والعقدي الكبير في مصر. حصد الاسلاميون المنتمون إلى حركة الإخوان المسلمين والحركة السلفية الراديكالية أكثر من ٧٠% من المقاعد البرلمانية وهم يعتبرون أن نواب الشعب المنتخبين هم الذين يجب أن يسودوا لجنة صياغة الدستور. يفضل الإخوان والسلفيون أيضا اقامة نظام برلماني او نظام مختلط على غرار النظام القائم في فرنسا بحيث تتولى الأغلبية البرلمانية تعيين الحكومة وليس الرئيس.

أما التيارات الليبرالية المصرية فهي تفضل من ناحيتها إقامة نظام رئاسي قوي على أمل وصول شخصية مستقلة من غير الإخوان والسلفيين، يريد الليبراليون أيضا أن يلعب المجتمع المدني دورا كبيرا في صياغة الدستور، بما في ذلك الجمعيات المهنية غير الحكومية والنقابات والأكاديميون.

يخشى ان يتمتع الرئيس المصري القادم بالصلاحيات الدكتاتورية نفسها التي كان يمارسها الرئيس المصري السابق حسني مبارك، غير أن دوره قد يصبح شرفيا بعد إقرار الدستور. سيتولى الرئيس رسميا قيادة الجيش المصري غير أنه لم يتضح بعد إذا ما كان جنرالات الجيش المصري سيقبلون بالخضوع للحكم المدني القادم. لهذا السبب بخاصة يعتبر الكثير من المراقبين أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون في الحقيقة اختبارا للإرادات بين الإسلاميين الذين يسيطرون على البرلمان والمجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية، علما أن هذا المجلس العسكري يرى في النظام الرئاسي القوي آخر فرصة له من أجل حماية امتيازاته ومصالحه.

يخشى بعض المصريين أن يعمل المجلس العسكري وحركة الإخوان المسلمين على تجنب المواجهة ويتفقا بالتالي على وضع اليد في اليد من اجل الاتفاق على مرشح توافقي لتولي منصب الرئاسية، مثل محمد سليم العوا وهو مفكر إسلامي محافظ معروف بروابطه بحركة الإخوان المسلمين غير أنه ظل يدافع عن امتيازات وصلاحيات المجلس العسكري، يثير محمد سليم العوا بالمقابل مخاوف الليبراليين بقدر ما يثير خشية الأقباط الذين اتهمهم في الماضي بالتواطؤ مع إسرائيل.

لا شك أن غياب مرشح توافقي قد أنعش آمال بقية المرشحين، الأمر الذي حدا بمسؤولين سابقين في الجيش وأجهزة المخابرات والحكومة إلى السعي لكسب دعم وتأييد الجنرالات للدخول في الانتخابات الرئاسية القادمة بحظوظ لا يستهان بها. نذكر على سبيل المثال قائد سلاح الجو المصري محمد شفيق، الذي كان آخر رئيس وزراء ينصبه الرئيس السابق حسني مبارك قبل تنحيه علما أنه يفكر الآن جديا في الترشح.

أما وزير الخارجية والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى فهو يعتبر الآن في مقدمة المترشحين. لقد انتقد الجيش ووضع نفسه بالتالي في موضع القائد لما يمكن أن نسميه «التيار الوطني» رغم شهرته والنفوذ الكبير الذي يتمتع به أنصاره وأصدقاؤه فإن أغلب الإسلاميين يرفضون عمرو موسى ويعتبرون أنه مفرط في علمانيته.

أما المرشحون المدعومون من الإسلاميين فهم يشملون على سبيل المثال محمد سليم العوا، إضافة إلى حازم أبوإسماعيل، وهو خطيب معروف بخطبه النارية وقد أثار حماسة الثوار عندما ندد علنا بالمجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية غير أنه اثار مخاوف الكثيرين عندما تعهد بفرض الصلاة والنقاب.

أما عبدالمنعم أبوالفتوح فهو مرشح معتدل تعززت أسهمه وقد كان سابقا من الشخصيات القيادية البارزة في حركة الإخوان المسلمين قبل أن يتم طرده لأنه انتقد التنظيم الهيكلي الهرمي الصارم الذي يحكم حركة الإخوان المسلمين. عبدالمنعم أبوالفتوح طبيب أمضى عدة سنوات في السجن في عهد الرئيس السابق حسني مبارك وهو يستقطب الاسلاميين المعتدلين الذين يرفضون خيرت الشاطر، الرجل الثاني القوي في حركة الإخوان المسلمين الذي قد يكون رئيس الوزراء القادم إذا ما قامت حكومة ائتلافية في مصر.

لقد ألهمت الحملة الانتخابية التي يخوضها عبدالمنعم أبوالفتوح بعض الأنصار غير المتوقعين، فرغم أن عبدالمنعم أبوالفتوح من الشخصيات المحسوبة على التيار الإسلامي فإن مستشاره الاقتصادي بروفيسور ماركسي أعجب بما يطرحه أبوالفتوح بشأن الضرائب والرعاية الصحية المجانية والتعليم. يعتبر عبدالمنعم أبوالفتوح أيضا المرشح الوحيد الذي يطالب بعلوية السلطة المدنية على الجيش كما أنه يطالب أيضا بضرورة تقاعد الجنرالات المسنين. لقد ساهمت هذه الأطروحات في تعزيز جاذبية وشعبية عبدالمنعم أبوالفتوح لدى الشباب المصري المطالب بالإصلاح من دون الابتعاد عن قطاع واسع من الرأي العام المصري المطالب بالاستقرار.

لقد استفاد عبدالمنعم أبوالفتوح من القرار الذي اتخذه في شهر يناير الماضي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي - الذي يعتبر من أبرز الشخصيات الليبرالية المصرية - بالانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية احتجاجا على الطريقة التي يعتمدها المجلس الأعلى العسكري للقوات المسلحة المصرية في إدارة المرحلة الانتقالية.

يقول أحد الأنصار السابقين للدكتور البرادعي «انه يبدو بعيدا عن نبض الشارع المصري، أما الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فهو محافظ من الناحية الشخصية غير أنه لا يسعى لفرض آرائه على الآخرين».

أما بقية المرشحين الليبراليين للانتخابات الرئاسية فهم لا يتمتعون بقاعدة شعبية عريضة، فلا أحد من نشطاء حقوق الانسان والفنانين والمفكرين الذين ترشحوا يتمتع بشخصية كاريزمية قوية كما أنهم يفتقرون إلى حملات انتخابية جيدة التمويل.

قليلون هم المرشحون القادرون على الإيفاء بمتطلبات الترشح وخاصة ضرورة الحصول على تأييد ثلاثين نائبا برلمانيا أو ثلاثين ألف ناخب موزعين عبر المحافظات المصرية. رغم أن الإجراءات المعتمدة تهدف إلى تحديد سقف الأموال التي ستنفق على الحملات الانتخابية في حدود عشرة ملايين جنيه مصري (مليون وستمائة مليون دولار) فإنه ينتظر أن يتم تجاوز هذا السقف بما سيحصل عليه أبرز المرشحين من تبرعات ضخمة من رجال الأعمال الذين سيعملون على دعم مرشحيهم الذين يملكون حظوظا لا يستهان بها.

لقد أحيا سباق الانتخابات الرئاسية بعض النشوة التي عاشتها مصر في فترة ما بعد الثورة التي أجبرت حسني مبارك على التنحي بعد أن أمضى ثلاثين سنة في مقعد الرئاسة. هذا لا يخفي حقيقة أن هذه الحملة الانتخابية الرئاسية محفوفة بالمخاطر، فقد أدخل أبوالفتوح إلى المستشفى بعد إصابته برضوض إثر تعرضه لهجوم في وقت متأخر من الليل علما أن مساعديه يقولون ان الاعتداء له دوافع سياسية. استهدف المرشح الآخر عمرو موسى قد استهدف أيضا بسلسلة من الاعتداءات على امتداد حملته الانتخابية. تتجه أصابع الاتهام إلى الأجهزة الأمنية وتحملها هذه الأساليب القذرة. هذه المعركة لاتزال تواجه مصر الثورة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة