تغير المعادلةالسياسية في البحرين
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢
محمد مبارك جمعة
الوضع في البحرين تغير كثيراً بعد ١٤ فبراير من العام الماضي، فهناك معادلة سياسية لم تعد تصب في صالح جمعية «الوفاق» التي تمثل خط الولي الفقيه، وذلك لعدة اعتبارات من أهمها أن مساحة الحراك السياسي على مدى السنوات العشر الماضية، منذ انطلاق المشروع الإصلاحي لملك البحرين، كانت خالية لـ«الوفاق»، رغم وجود جمعيات سياسية أخرى. بمعنى أن الأخذ والعطاء السياسي في البحرين كان سجالاً بين الحكومة و«الوفاق» فقط، وكانت «الوفاق» هي الجمعية الوحيدة التي استفادت كثيراً مما أتيح من مساحة للعمل السياسي بشكل غير مسبوق في البحرين، في الوقت الذي كانت التيارات المقابلة في طور الولادة والنمو، ولم تكن تملك من الخبرة السياسية ما يجعلها تقود الشارع، أو أن تستنهض جماهيرها، وحتى حينما كانت تحاول المناورة والفعل فإنها لم تكن تحصل على نتائج ملموسة، فالساحة محتكرة من «الوفاق» والدولة لم تكن ترى سوى هذه الجمعية خصما حقيقيا لها.
لكن حينما جاءت أزمة ١٤ فبراير من العام الماضي في البحرين، أصبحت هذه الأحداث هي النقطة المفصلية التي قلبت المعادلة، أو على الأقل غيرت من الواقع البحريني بشكل لم تكن ترغب «الوفاق» في حدوثه، وكانت بدايته بخروج «تجمع الوحدة الوطنية» الذي شكل صدمة لـ«الوفاق»، وليس هذا القول من قبيل المبالغة. «الوفاق» كانت تعتقد أنها قد احتكرت تمثيل شعب البحرين بنجاح، وأنه لا صوت يسمع داخلياٌّ أو خارجياٌّ سوى صوتها حينما يتعلق الأمر بشعب البحرين، وما يدل على أن «الوفاق» قد شعرت بخسارة كبيرة هو أنها، بحسب ما هو موثق في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي كان يرأسها د. شريف بسيوني، قد طالبت بعدم خروج جماهير «تجمع الوحدة الوطنية» كشرط من شروط إحدى جولات المفاوضات مع ولي العهد، والتي كان يُرجى منها عقد حوار مع قوى المعارضة. لقد شعرت شريحة كبيرة من شعب البحرين بأنها مستهدفة من حراك «الوفاق»، بسبب خطاب التهميش وشعارات الانتقال إلى «جمهورية إسلامية» على غرار إيران، فتدافعت نحو العمل السياسي الجماعي بشكل لم يشهده تاريخ البحرين الحديث، وجاءت النتيجة بتشكل وخروج كيانات سياسية سنّية من أحشاء هذه الأزمة، وباتت هذه الكيانات تعتقد جازمة أنها قد ارتكبت خطأ كبيراً حينما لم تخض غمار السياسة بالشكل الصحيح منذ أكثر من عقد، تاركة «الوفاق» وحدها تقارع الدولة.
اليوم، لمن يراقب الوضع في البحرين، يكتشف أن قطباً آخر قد خرج في المعادلة السياسية، وهو ينافس «الوفاق» كثيراً، والدولة لم تعد قادرة على تجاهل ذلك، ولم يعد من الممكن لها أن تقدم تنازلات أو محاصيل سياسية لـ «الوفاق» لأن أطرافاً أخرى باتت تتربص وتحاسب وترفع صوتها عالياً. هذا الحراك الذي بات اليوم يتمثل في «تجمع الوحدة الوطنية» وهو يجمع مختلف التلاوين، وجمعيات أخرى هي «الأصالة» ممثلة للسلفية و«المنبر» ممثلة للإخوان، في مقابل «الوفاق» وبعض الجمعيات الأخرى التي تنتهج نفس الخط، أحدث توازناً لا يمكن إنكاره، ولا يمكن أن تتجاهله «الوفاق» مهما حاولت ذلك.
البحرين لم تصل إلى مرحلة استقرار ما بعد الأزمة، رغم أنها قد تعافت كثيراً من بعض التبعات، وهناك على الأرض حراك سياسي غير عادي، لم تعد «الوفاق» هي اللاعب الوحيد فيه، وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر ظاهرة صحية في البحرين، وسيؤدي إلى تغيير جذري في طريقة تعاطي الدولة مع القوى السياسية بما لا يغلب طرفاً على آخر، وبما لا يتيح مجالاً لطرف أن يفرض أجندته على الدولة ويبتز الحكومة ويحتكر صوت الشعب له وحده، وإن احتاج هذا الى بعض الوقت كي ينضج وتتضح نتائجه
.
مقالات أخرى...
- طعنة في ظهر التعليم - (26 مارس 2012)
- اتضحت الصورة الآن..! - (21 مارس 2012)
- الجمعيات الثلاث.. ما هو موقفكم؟ - (20 مارس 2012)
- بيان التجمع.. ما القصد منه؟ - (19 مارس 2012)
- مركز إعلامي لمشروع الاتحاد - (15 مارس 2012)
- عذراً د. فخرو - (13 مارس 2012)
- Picnic to Polytechnic..! - (12 مارس 2012)
- التوافق أو الاتفاق مع «الوفاق»..! - (11 مارس 2012)
- ابتسامات الخسائر..! - (8 مارس 2012)