الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٣٧ - الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٩ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


المسلمون والانتخابات الرئاسية الأمريكية





مع احتدام الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية أصبح المرشحون الجمهوريون يشعرون بأن انتقاد المسلمين قد يساعدهم على استقطاب أصوات انتخابية هم في أمس الحاجة إليها.

في الفترة التي سبقت انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر ٢٠١٠ كتب الصحفي الأمريكي مايكل سكوت مور يقول «لقد تعلم الأمريكيون أمرا كان الأوروبيون يعرفونه منذ عدة سنوات: إن تأجيج المشاعر ضد المسلمين وانتقادهم بشكل لاذع يكسبان الأصوات الانتخابية».

في تلك الفترة فاز خمسة وثمانون مرشحا جمهوريا في انتخابات التجديد النصفي - نوفمبر ٢٠١٠ وقد استفادوا كثيرا من صعود حزب الشاي. لقد أدرك هؤلاء الفائزون وكل من يدعمهم أن تبني خطاب مناهض للمسلمين وانتقادهم خير طريقة لكسب الاصوات الانتخابية من قاعدة المحافظين.

منذ انتخابات التجديد الفصلي في نوفمبر ٢٠١٠، اشتدت الحملة الشعواء على الإسلام والمسلمين، فقد ظل السيناتور جون ماكين والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية نيوت جنجريتش يحذران مرارا وتكرارا من أن المسلمين قد يسعون للسيطرة على الإدارة الأمريكية ويفرضون الشريعة الإسلامية، هذا ما ذكره على سبيل المثال نيوت جنجريتش في معهد انتربرايز الأمريكي.

يعتبر نيوت جنجريتش، الذي كان أيضا رئيسا مجلس النواب الأمريكي، أن المشكلة لا تكمن في «الإرهاب الإسلامي» بقدر ما تكمن في «الشريعة الإسلامية». فهو يقول ان «الشريعة الإسلامية تمثل القلب النابض للحركة المعادية التي تفرخ الإرهابيين».

أما المرشح الجمهوري الآخر ريك سانتورم فهو يشارك في هذه الحملة الشعواء ويعتبر أن كل مسلمي العالم متطرفون، بل إنه حذر من «العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن خسارة الحرب ضد الإسلام الراديكالي». في الخطاب الذي ألقاه سنة ٢٠٠٧ في مؤتمر الحرية الأكاديمية اعتبر أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن ترد على هذا الخطر الإسلامي الأصولي الراديكالي باللجوء إلى «التعليم والاحتواء والتبشير والاجتثاث».

إن الهدف من مثل هذا الخطاب المناهض للإسلام والمسلمين الذي يتبناه بعض المرشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية الأمريكية ٢٠١٢ يتمثل في محاولة استغلال مشاعر الكراهية التي تحرك بعض الأطراف والأجنحة التي تكون قاعدة الحزب الجمهوري الأمريكي. لقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجري مؤخرا أن الجمهوريين هم الأكثر قابلية لتبني واستثمار مثل هذه المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين.

في سنة ٢٠١٠ أصدر العالمان السياسيان مايكل تيسلر وديفيد سيرز كتابا بعنوان «انتخاب أوباما» وقد قالا فيه ان المشاعر المناهضة للمسلمين تمثل مؤشرا كبيرا على المشاعر الموجهة ضد الرئيس باراك أوباما نفسه. مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر ٢٠١٢ فإنه سيكون لزاما على المرشح ميت رومني الذي يرجح حصوله على ترشيح الحزب الجمهوري، أن يسعى الى بناء التوازن ما بين الناخبين،الذين ينتمون إلى أقصى اليمين والذين يكنون العداء للعرب والمسلمين من ناحية، والناخبين الجمهوريين من ناحية ثانية حتى تكون له فرص حقيقية في مواجهة الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.

قد تكون مثل هذه الاستراتيجية الانتخابية المعادية للإسلام والمسلمين قد أعطت أكلها في الماضي غير أنها تمثل اليوم مجازفة حقيقية لأن الكثيرين يتفقون في القول إن نتيجة الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ قد تحسم في اثنتي عشرة ولاية أمريكية على أقصى تقدير، فهذه هي الولايات نفسها التي ستلعب فيها الأقليات - بمن في ذلك المسلمون والعرب الأمريكيون - دورا حاسما في تحديد النتيجة النهائية.

لقد أظهر تقرير صدر مؤخرا عن معهد الدراسات الاجتماعية والتفاهم أن الأقلية الإسلامية الأمريكية قد أصبحت تمثل لاعبا مهما في السياسة الانتخابية وقد تلعب دورا حاسما في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر .٢٠١٢

صحيح أن المسلمين الأمريكيين يمثلون نسبة مئوية صغيرة من الشعب الأمريكي غير أنهم يتركزون في أغلبيتهم في الولايات ذات الأهمية الانتخابية مثل ميشيجان وأوهايو وفرجينيا وبنسلفانيا وفلوريدا. رغم أن المسلمين الأمريكيين يمثلون أقلية متنوعة وغير منسجمة فإن هذه الأقلية تتنامى بشكل أسرع من أي جماعة دينية أخرى وقد أصبحت أكثر ظهورا وأكثر فاعلية في نشاطها السياسي. أما أولئك الجمهوريون الذين يعتبرون أن المسلمين الأمريكيين يمثلون هدفا سهلا في الانتخابات التمهيدية فإنهم قد يواجهون مشاكل كبيرة في الولايات التي قد تحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ وخاصة منها ميشيجان وأوهايو وفرجينيا وبنسلفانيا وفلوريدا.

لقد ركز التقرير المذكور في المعطيات التي توافرت على مجرى عقد من الزمن والتي أبرزت التوجهات السياسية للمسلمين الأمريكيين كما تضمن التقرير دراسة لوضعية أقلية المسلمين الأمريكيين في ولاية فلوريدا. لقد وقع الاختيار على هذه الولاية ذلك أن نتائج انتخابات ٢٠٠٠ الرئاسية لاتزال تثير جدلا واسعا علما أنها جاءت بجورج بوش إلى البيت الأبيض كما أن الانتخابات الرئاسية لسنتي ٢٠٠٤ و٢٠٠٨ قد حسمت بهامش يقل عن ٢% من الأصوات الانتخابية.

في سنة ٢٠٠٠ كانت بضع مئات من الأصوات كافية لحسم الانتخابات كما أن قرابة ستين ألفا من المسلمين في ولاية فلوريدا قد صوتوا لجورج بوش. لقد تنامى عدد المسلمين في ولاية فلوريدا على وجه الخصوص في الثمانينيات من القرن الماضي علما أن عدد الناخبين المسلمين المسجلين في هذه الولاية قد بلغ اليوم ١٢٤ ألفا. لذلك فإنه لا يمكن لأي مرشح للانتخابات أن يتجاهلهم.

إن الخطاب الانتخابي العدائي الذي يتبناه بعض المرشحين الجمهوريين وتنامي الإسلاموفوبيا منذ ١١ سبتمبر ٢٠٠١ قد دفعا المسلمين الأمريكيين إلى التجمد وتكثيف نشاطهم وحضورهم السياسي من أجل إسماع صوتهم. لقد أظهر استطلاع للرأي أجري خلال انتخابات التجديد النصفي ٢٠١٠ أن أكثر من ٦٠% من الناخبين المسلمين المسجلين في ولاية فلوريدا قد يشاركون في الانتخابات. أظهرت استطلاعات الرأي أيضا أن اثنين من بين كل ثلاثة مسلمين تحدوهما رغبة كبيرة في التوحد السياسي ويشعران بأنه يجب عليهما أن يصوتا ككتلة واحدة لصالح مرشح واحد.

لقد أثبت الجمهوريون من قبل قدرتهم على استقطاب أصوات المسلمين الأمريكيين، بما في ذلك سنة ٢٠٠١ عندما هزم جورج بوش المرشح الديمقراطي آل جور وأصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية. أما آل جور فإنه اعتبر أن حصوله على أصوات الناخبين المسلمين الأمريكيين أمر من تحصيل الحاصل.

*أستاذ العلوم السياسية في جامعة سانتا كلارا ومدير البحوث في معهد السياسات الاجتماعية والتفاهم.

إنترناشيونال هيرالد تربيون



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة