هذا ما يجب أن يفعله الفلسطينيون
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ أبريل ٢٠١٢
بقلم: توماس فريدمان
تشهد منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام الكثير من الأحداث والتطورات المهمة حتى انه تصعب ملاحقتها في مقال سياسي تحليلي واحد. لذا فقد ارتأيت أن أقدم لكم مقالين في مقال واحد.
لقد أوردت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية البيان الذي أصدره القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي من وراء قضبان السجن تزامنا مع إحياء ذكرى الأرض وقد دعا فيه الشعب الفلسطيني إلى الدخول في انتفاضة ضد الاحتلال الاسرائيلي، كما طالب بوقف المفاوضات والتنسيق الأمني وصولا إلى مقاطعة إسرائيل. دعا مروان البرغوثي أيضا شعبه إلى توخي نهج المقاومة الشعبية السلمية من دون اللجوء إلى العنف.
تأتي هذه الدعوة التي أطلقها مروان البرغوثي في وقت باتت فيه القضية الفلسطينية تعاني تراجع الاهتمام سواء على المستوى العربي أو المستوى الدولي، فالأوضاع الفلسطينية لم تعد تتصدر الصفحات الأولى بل تنشر في الصفحات الداخلية للصحف العربية أو تذكر في خضم سيل التقارير والتعليقات السياسية المتنوعة المشارب التي تسهب في الحديث بالمقابل عن «الربيع العربي» وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط.
كثيرة هي التحاليل التي اعتبر أصحابها أن الربيع العربي قد أضر بالقضية الفلسطينية أيما ضرر وأن العالم كله بات منشغلا من أقصاه إلى أقصاه بمشاكله وقضاياه من دون أن يبدي أي اهتمام يذكر بالأوضاع المأساوية التي لايزال يعيشها الشعب الفلسطيني.
اعتبرت الصحيفة الاسرائيلية المذكورة مروان البرغوثي أكثر القياديين الفلسطينيين نزاهة وصدقا وقدرة على قيادة شعبه لابرام اتفاق سلام نهائي مع إسرائيل إذا ما شاءت الدولة العبرية إطلاق سراحه الآن.
لقد أتيحت لي الفرصة كي أتعرف شخصيا إلى مروان البرغوثي قبل أن تدينه المحكمة الاسرائيلية بتهمة المشاركة في قتل اليهود وتصدر ضده خمسة أحكام بالسجن المؤبد خمس مرات.
إن هذه الدعوة التي أطلقها مروان البرغوثي جديرة بكل اهتمام وهي تعتبر الأخيرة في سلسلة من النداءات التي أطلقها الفلسطينيون أو وجهت إلى الشعب الفلسطيني من مختلف أنحاء العالم، وهي تدعوهم إلى صنع «ربيعهم العربي» بدورهم لكن من دون اللجوء إلى العنف والاعتماد عوضا عن ذلك على أسلوب العصيان المدني أو مقاطعة إسرائيل والمستوطنات اليهودية إضافة إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية.
أعتقد أن أسلوب المقاومة الشعبية السلمية سيكون ناجعا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، لكن بشرط: يجب على الفلسطينيين أن يكثفوا من المقاطعة والاعتصامات والإضرابات عن الطعام مع العمل على وضع خريطة تفصيلية لحل الدولتين الذي يسعون إلى تكريسه على أرض الواقع. إن الاكتفاء فقط بالدعوة «لإنهاء الاحتلال» لن تجدي نفعا.
يجب على الفلسطينيين أن يضعوا خريطة مفصلة يوضحون من خلالها الكيفية التي سيقبلون من خلالها باسترجاع ٩٥% من مساحة الضفة الغربية وكل الأحياء العربية في القدس الشرقية مع تبادل نسبة ٥% من الأراضي مع إسرائيل داخل حدود ما قبل سنة .١٩٦٧ إن مثل هذا الاجراء سيسمح ببقاء ٧٥% من المستوطنين اليهود في الضفة الغربية مع تمكين الفلسطينيين من استعادة ١٠٠% من أراضيهم هناك.
اذا ما انخرط الفلسطينيون في استراتيجية العصيان المدني السلمي في الضفة الغربية من ناحية ووضع خريطة طريق تكرس حل الدولتين من ناحية ثانية فإنهم سيكونون بذلك قد تبنوا الاستراتيجية الوحيدة الممكنة والكفيلة بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي، فهذه الاستراتيجية ستجعل الاسرائيليين يشعرون بأنهم غير امنين أخلاقيا رغم أنهم امنون من الناحية الاستراتيجية بحكم القوة العسكرية، فالطرف الذي سينجح هو ذلك الذي سيجعل الأغلبية الصامتة من الاسرائيليين تشعر بأنها غير امنة أخلاقيا بحكم استمرار واقع احتلال الأراضي الفلسطينية.
عندما طار أنور السادات إلى القدس أدرك الاسرائيليون أنه لم يعد لهم أي مبرر «أخلاقي» للاحتفاظ بشبه جزيرة سيناء كما أنهم شعروا بأنهم لم يعودوا في حاجة استراتيجية إلى هذا الجزء من الأراضي المصرية. لقد ركزت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في استراتيجية رمي الحجارة غير أنها أوصلت الفلسطينيين في النهاية إلى اتفاقيات أوسلو.
أما الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت سنة ٢٠٠٠ واستمرت خمس سنوات كاملة فقد تبنت خيار العمليات الانتحارية في مطاعم تل أبيت ومحالها التجارية وشوارعها غير أن ذلك دفع إسرائيل إلى بناء الجدار الذي بات يطوق الضفة الغربية. أصبح الاسرائيليون يشعرون بأنهم غير آمنين بعض الشيء من الناحية الاستراتيجية غير أنهم أصبحوا يشعرون بأنهم آمنون أخلاقيا، فقد راحوا يقومون بحملات إعلامية واسعة يبرزون فيها ضحايا العمليات الانتحارية واستمرار حركة حماس في إطلاق الصواريخ رغم أن اسرائيل قد انسحبت من القطاع بشكل منفرد.
إن استراتيجية العصيان المدني السلمي في الضفة الغربية ووضع خريطة طريق تبرز الخطوط العريضة لأي اتفاق سلام مقبول من الفلسطينيين من شأنهما أن يحققا نتيجة ويشعرا الاسرائيليين من جديد بأنهم وإن كانوا آمنين عسكريا واستراتيجيا فإنهم غير آمنين أخلاقيا بحكم الاشكاليات الأخلاقية التي تنجم عن واقع الاحتلال وتعيد الحياة إلى معسكر السلام في داخل الدولة اليهودية نفسها. هذه هي الاستراتيجية الفلسطينية الوحيدة التي يخشاها بنيامين نتنياهو غير أنها أيضا الاستراتيجية الوحيدة التي يثق رئيس الوزراء الاسرائيلي بأن الفلسطينيين لن يتبنوها على أرض الواقع، فهو يعتبر أن مثل هذه الاستراتيجية لا تتلاءم مع طبيعة ثقافتهم، فهل يفاجئه الفلسطينيون؟
يروج بعض الكليشيهات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن. من بين هذه الكليشيهات القول ان «الصحوة» أو «الربيع العربي» قد أثبت أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين غير ذي أهمية لأن هذه «الانتفاضات العربية» لم تركز فيه. يعتبر أصحاب هذا القول أن التركيز يجب أن ينصب على إيران بشكل كامل.
في الحقيقة فقد أسهم «الربيع العربي» في جعل التسوية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين أكثر إلحاحا من أي وقت مضى، وذلك لسببين اثنين على الأقل.
السبب الأول: لقد بات من الواضح أن النظم الأوتوقراطية العربية تتداعى وتحل محلها نظم إسلامية شعبية، ففي مصر على سبيل المثال، أصبح من الواضح أن معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل ستكون من أهم القضايا الانتخابية القادمة. فاذا تجددت أعمال العنف في الضفة الغربية فلن يكون هناك جدار مصري يقي إسرائيل، فالدور الذي كان يلعبه الرئيس المصري السابق حسني مبارك لم يعد قائما اليوم حيث انه كان يعمل على اطفاء نيران الغضب وشظاياه في الشارع المصري.
لقد تنامى دور الأحزاب والتيارات الاسلامية في تونس ومصر وليبيا وسوريا. لذلك فقد أصبح أمام الاسرائيليين والفلسطينيين حافز أكبر كي يطرحوا نموذجا بديلا في الضفة الغربية، أي سنغافورة جديدة في الضفة الغربية تجعلهم يبرهنون على أنهم يستطيعون معا أن يبنوا دولة فلسطينية يتعايش فيها الجميع في مجتمع علماني يقوم على اساس اقتصاد السوق والمبادئ الديمقراطية، جنبا إلى جنب مع الدولة اليهودية. هذه أفضل قيادة فلسطينية يمكن لإسرائيل أن تتعاون معها.
لقد ظل العالم يعاني الجمود والفساد في كل شيء فيما ظلت آسيا تتطور وتحقق الرخاء لشعوبها. السبب الرئيسي المسئول عن هذا الواقع هو أن العرب لا يمتلكون نماذج محلية جيدة ينسجون على منوالها ويقتدون بها وهو الدور الذي تلعبه اليابان وتايوان وهونج كونج، فالعالم العربي يعج بالنماذج الفاشلة وهو لا يكاد يخرج من تجربة فاشلة حتى يدخل في تجربة أخرى فاشلة.
.
مقالات أخرى...
- مروان البرغوثي.. الأمل الفلسطيني - (10 أبريل 2012)
- «معركة القنبلة» بين إسرائيل وإيران - (2 أبريل 2012)
- هل تجدي العقوبات في احتواء إيران؟ - (31 مارس 2012)
- أمريكا والشرق الأوسط.. مهرجان الأكاذيب - (29 مارس 2012)
- الأبعاد الإقليمية والدولية في الأزمة السورية - (29 مارس 2012)
- أين أصوات الاعتدال في إيران؟ - (26 مارس 2012)
- عرب إسرائيل والهوية الفلسطينية - (26 مارس 2012)
- حمى الانتخابات الرئاسية تبدأ في مصر - (23 مارس 2012)
- هل أضر «الربيع العربي» بالقضية الفلسطينية؟ - (18 مارس 2012)