الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٤٢٨ - الاثنين ٢ أبريل ٢٠١٢ م، الموافق ١٠ جمادى الأولى ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

شرق و غرب


«معركة القنبلة» بين إسرائيل وإيران





لقد فعلت إسرائيل كل شيء من أجل تعطيل البرنامج النووي الإيراني: من اغتيال العلماء إليزرع فيروسات الكمبيوتر المدمرة. الآن قد تكون الضربة الموجهة للمنشآت النووية الإيرانية على بعد بضعة أشهر من الآن غير أن مثل هذا الهجوم العسكري الإسرائيلي قد يعود بنتائج عكسية ويؤدي إلى تقوية نظام طهران ويجعله مصمما أكثر من أي وقت مضى على صنع القنبلة النووية.

قد تكون ١٢ ساعة مرهقة جدا للرياضي الذي يتدرب رغبة منه في بلوغ ذروة استعداده لخوض مسابقات رياضية شاقة مثل التريالتون أو تسلق الجبال على متن دراجة.

قد تكون ١٢ ساعة شاقة على رجال السياسة الذين يسابقون الزمن ويعملون تحت الضغط من أجل الحيلولة دون نشوب حرب مدمرة قد تؤدي إلى مصرع عدد كبير من الناس.

في سنة ١٩٤١، أمهل الجيش الألماني (الرايخ) الروس ١٢ ساعة فقط حتى يتوقفوا عن تعبئة قواتهم.

في سنة ١٩٥٦ أمهل الفرنسيون والبريطانيون الزعيم جمال عبدالناصر ١٢ ساعة أيضا حتى يسحب قواته من قناة السويس التي أممها وذلك بهدف السماح لإسرائيل بمواصلة استخدام هذا الممر المائي الحيوي.

نشبت حرب السويس لأن أولئك الذين يهددون باستخدام القوة العسكرية كانوا يدركون انه سيكون من الصعب الامتثال بسرعة للمطالب التي تقدموا بها للسلطات المصرية.

لقد ذكرت مصادر استخباراتية في تل أبيب أن الساسة الاسرائيليين قد أخبروا رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية مارتن دمسي أن القيادة الإسرائيلية ستعلم الولايات المتحدة الأمريكية بالضربة العسكرية الموجهة للمنشآت النووية الإيرانية قبل نصف يوم فقط من وقوعها.

بعبارة أخرى، إسرائيل تريد التأكد من مسألتين:

١- ألا يتفاجأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالضربة العسكرية المحتملة ضد إيران.

٢- ألا يكون الرئيس باراك أوباما في موقع يسمح له بمساءلة إسرائيل عن القرار الذي تتخذه حليفة الولايات المتحدة الأمريكية ويسعى لتقويضه بالدبلوماسية.

خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية احتدم الجدل حول إذا ما يمكن الاعتماد على العقوبات والضغوط الدبلوماسية لردع نظام طهران عن مواصلة طموحاته النووية أو يتعين اللجوء إلى الضربة العسكرية كخيار لا مفر منه.

لقد التقى نتنياهو ؟ أحد الصقور السياسيين الإسرائيليين- الرئيس باراك أوباما ؟ الرجل الأقوى في العالم والرجل الذي أهانه نتنياهو أكثر من مرة في الماضي ؟ وقد كان البرنامج النووي الإيراني حاضرا بقوة على طاولة المحادثات بشأن منطقة الشرق الأوسط التي تعاني انعدام الاستقرار.

لقد ظلت الخلافات بين الطرفين بشأن كيفية التعامل معا البرنامج النووي الإيراني، فالرئيس أوباما لا يريد أن يحصل نظام طهران على القنبلة النووية غير أنه لا يريد ايضا الحرب.

أما بنيامين نتنياهو فهي مستعد على العكس من ذلك للقيام بأي شيء من أجل ردع إيران. لقد ظل أوباما يشدد على أن «كل الخيارات لاتزال مطروحة على الطاولة» غير أن إسرائيل تعتبر أن مثل هذا الكلام لم يعد كافيا.

فهو يريد من أوباما أن يضع كل أوراقه على الطاولة. إنه يريد على وجه الخصوص من الرئيس أوباما أن يحدد «الخط الأحمر» الذي يجب على إيران ألا تتجاوزه.

في الحوار الذي أجرته معه مجلة «أتلانتك مونثلي» شدد الرئيس باراك أوباما على أنه يدعم موقف اسرائيل وأنه سيصدر أوامره للجيش الأمريكي بتدمير البرنامج النووي الإيراني إذا استدعى الأمر ذلك.

لم يتوافر حتى الآن أي دليل قاطع على أن نظام طهران يسعى إلى صنع سلاح نووي، حتى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا لم تستطع أن تقدم هذا الدليل القاطع على وجود أنشطة نووية ذات صبغة عسكرية في إيران. هناك فقط بعض العلامات التي تبني على أساسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية فرضياتها، ومن ضمنها الملاحظات العديدة التي خرج بها المفتشون الدوليون التابعون لمنظمة الأمم المتحدة إضافة إلى تقارير الأجهزة الاستخباراتية. لذلك فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاتستبعد إمكانية وجود «جانب عسكري» في البرنامج النووي الإيراني.

هل تكفي مثل هذه «العلامات» للدخول في حرب قد تزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط وتوصلها إلى حافة الهاوية؟

إن كارثة الغزو العسكري في العراق تحتم اليوم الحذر وعدم التسرع في اللجوء إلى الخيار العسكري من أجل حسم المواجهة مع إيران. لقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية الغزو العسكري ضد عراق صدام حسين مستندة إلى جملة من الأكاذيب، حيث انه لم يتم العثور على أي أسلحة للدمار الشامل. لذلك فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما استوعب الدرس العراقي وهو لا يريد أن يقع في الجب نفسه.

في الواقع، قد يبدو أن الحرب بين إسرائيل وإيران حول البرنامج النووي قد بدأت. إنها حرب غير معلنة ظلت الدولة العبرية تخطط لها على مدى الأعوام الأربعة الماضية. يعتقد أن الإسرائيليين هم الذين قتلوا العلماء الإيرانيين في طهران باستخدام قنابل مغناطيسية كما أن عملاء المخابرات الإسرائيلية قد استهدفوا بعض قواعد الحرس الثوري الإيراني وزرعوا الفيروسات في أجهزة الحاسوب من أجل تدمير القدرات التقنية النووية الإيرانية.

يحاول الإيرانيون الآن رد الفعل، فقبل بضعة أسابيع استهدفت سلسلة من التفجيرات بالسيارات دبلوماسيين إسرائيليين في الهند وجورجيا كما اعتقل إيرانيون في بانكوك وماليزيا حيث ان القنابل التي كانوا ينوون تفجيرها قد انفجرت قبل أوانها.

لقد تسارعت الأحداث التي تدخل في إطار الصراع الخفي والحرب غير المعلنة بين إيران وإسرائيل. لقد اعتبر بعض المحللين أن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة الإيرانية هي التي ستحدد الطريقة التي سيدير بها نظام طهران الصراع النووي في المرحلة القادمة.

في فيينا تمت مناقشة التقرير الذي رفعه مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو والذي عبر فيه عن «تزايد مخاوفه من الطموحات النووية الإيرانية». كما عبر عن دهشته من توسيع نطاق عمليات التخصيب النووي في إيران.

ازداد الحديث عن ضربة عسكرية وشيكة تستهدف المنشآت النووية الإيرانية وخاصة منها تلك الموجودة قرب مدينتي ناتانز وقم، إضافة إلى محطة التخصيب قرب اصفهان والمولد الذي يعمل بالماء الثقيل والذي يجرى الآن بناؤه في منطقة آرك فضلا عن مفاعل بوشهر النووي.

لقد أفاد بعض المصادر المقربة من أجهزة المخابرات الإسرائيلية ؟وخاصة منها الموساد - أن الضربة العسكرية قد تنفذ هذه السنة وربما ما بين فصلي الصيف والخريف القادمين غير أن بعض المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن ذلك قد يتم في شهر مايو القادم.

يعتقد الصحفي والمحلل الإسرائيلي رونين بيرجمان أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك قد توصلا إلى اتفاق حول الحاجة إلى الخيار العسكري ضد إيران. لقد ظل بنيامين نتنياهو يحذر من محرقة ثانية لليهود في إسرائيل إذا ما امتلكت إيران السلاح النووي الذي سيقوض التوازن العسكري في منطقة الشرق الأوسط لغير مصلحة إسرائيل. لم يصدق نتنياهو ما يقوله الرئيس محمود أحمدي نجاد من أن البرنامج النووي الإيراني لأغراض سلمية بحتة وهو يستدل بالتقرير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

يعتبر بنيامين نتنياهو أن التهديدات التي ظل يطلقها الرئيس محمود أحمدي نجاد والتي يهدد فيها بالقضاء على إسرائيل أكثر من مجرد خطاب سياسي تكتيكي.

يحب بنيامين نتنياهو دائما أن يقارن ما بين سياسة التهدئة التي تعاملت بها أوروبا بقيادة بريطانيا وفرنسا مع الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية والوضع القائم الآن جراء المواجهة المتصاعدة مع إيران، فقد قال في هذا الصدد: «إنها سنة ١٩٣٨ وإيران هي ألمانيا». يقول بنيامين نتنياهو ان الفرق هو أن «اليهود اليوم لن يقبلوا بأن يتحولوا إلى «كبش فداء» ويقادوا إلى المذبحة».

أما إيهود باراك فهو بصفة عامة لا يصنف من ضمن الساسة الإسرائيليين الذين يعتبرون أن الرئيس محمود أحمدي نجاد قد يقدم على عمل انتحاري بمهاجمة الدولة العبرية، غير أنه من أكثر المنادين بتنفيذ ضربة عسكرية تستهدف المنشآت النووية الإيرانية. فهو يعتبر أن قيام دولة إيرانية نووية مسألة بالغة الخطورة لأنها ستشكل تهديدا جسيما على مستقبل وجود الدولة اليهودية.

يقول إيهود باراك:

«في اللحظة نفسها التي تتحول فيها إيران إلى دولة نووية فإن بقية الدول في منطقة الشرق الأوسط ستجد نفسها مجبرة على الانخراط في سباق للتسلح النووي». يعتبر إيهود باراك أن دولة نووية إيرانية ستدخل مرحلة «الحصانة» خلال الأشهر التسعة القادمة ؟ على غرار كوريا الشمالية ؟ كما أنها ستوفر مظلة جديدة لحلفائها في منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتهم حزب الله اللبناني. عندها ستصبح الضربة العسكرية الإسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانيين غير مجدية لأن الوقت سيكون قد تأخر كثيرا.

لقد كثفت إسرائيل من مناوراتها العسكرية على مدى الأشهر الماضية، ففي شهر نوفمبر ٢٠١١، أقلع طيارو النخبة التابعون للفرقة ١١٧ من سلاح الجو الإسرائيلي على متن ست عشرة طائرة مقنبلة من قاعدة جوية قرب مدينة حيفا وذلك للقيام بمناورات مكثفة فوق البحر الأبيض المتوسط، مع التزود بالوقود في الجو والتحليق على ارتفاع منخفض إضافة إلى التدرب على إلقاء قنابل فائقة التطور من أجل تدمير التحصينات المشيدة تحت الأرض. لقد قامت القيادة العسكرية الإسرائيلية أيضا بتجربة نسخة مطورة جدا من صاروخ أريحا ٣ الباليستي الذي يصل مداه إلى ٦٥٠٠ كلم كما أنه قادر على حمل رؤوس نووية.

ظل الإيرانيون يهددون بالرد على أي هجوم قد يستهدف منشآتهم النووية مستخدمين كل الأسلحة التي يمتلكونها في ترسانتهم، فقد تحدثوا في البداية عن امكانية استهداف مفاعل ديمونة الإسرائيلي في صحراء النقب في جنوب الدولة العبرية. لقد أطلقت سلطات طهران هذه التهديدات لأن موازين القوى قد تغيرت في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية كما أنها وجدتها نفسها فجأة مطوقة بخصومها.

قبل سنة فقط من الآن كانت إيران أكبر مستفيد من الانتكاسات الكبيرة التي لحقت بالولايات المتحدة الأمريكية وخاصة منها في العراق. لقد تولت القوات العسكرية الأمريكية تصفية اثنين من ألد الأنظمة المعادية لإيران: نظام صدام حسين في العراق وتنظيم القاعدة الذي ظل يتمتع بحماية حركة طالبان الأفغانية، التي تكن العداء لنظام الملالي في طهران.

أما اليوم فإن حركة طالبان تنتظر رحيل الأمريكيين نهائيا عن أفغانستان، الأمر الذي سيشكل تهديدا على نظام طهران، الذي يجد نفسه أيضا مهددا من عدوى الثورات العربية، التي تذكر المعارضة الإيرانية، أن «الربيع الفارسي» قد فشل عقب تزوير الانتخابات الرئاسية سنة .٢٠٠٩ بعد أن أحدث «الربيع العربي» تغيير الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وليبيا ها هو الدور قد أتى على النظام السوري، الحليف الأكبر لإيران في منطقة الشرق الأوسط وشريان الحياة لحزب الله اللبناني، حيث ان بشار الأسد قد لا يصمد طويلا في ظل تنامي الضغوط والعقوبات والضربات الداخلية رغم لجوئه إلى القوة المفرطة في قمع الأصوات المنادية بالحرية والديمقراطية والكرامة.

إذ ما خسرت إيران سوريا فإن ذلك سيمثل كارثة ثلاثية الأبعاد على نظام طهران، فالنظام الإيراني لن يخسر فقط نظام الأسد بل إنه سيخسر أيضا نفوذه على حركة حماس التي سارعت قيادتها إلى الفرار من دمشق، كما أن سلطات طهران ستخسر الطريق السورية التي كانت من خلالها تدعم حزب الله اللبناني، الذي يعتبر الآن أقوى قوة سياسية في لبنان. أما المستفيدون من هذه التحولات فهم بكل تأكيد خصوم نظام طهران في الجنوب، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي. تخشى الدول العربية الخليجية هيمنة نظام طهران على المنطقة إذا ما امتلك الأسلحة النووية.

هل تتجه المنطقة إلى حرب ضد إيران من أجل وضع حد لبرنامجها النووي؟ ألا توجد أي طرائق أخرى بديلة يمكن من خلالها إقناع القادة الإيرانيين بالتراجع عن برنامجهم النووي أم أن كل أشكال الضغوط العسكرية والاقتصادية على نظام طهران تفرز نتائج عكسية؟ ألا يجدر بالغرب أن يتعلم كيف يتعايش مع القنبلة النووية الإيرانية المحتملة كما سبق له التعايش مع القنبلة النووية السوفيتية؟

لا شك أن البرنامج النووي الإيراني سيطغى على الساحة السياسية الدولية سنة ٢٠١٢، إلى جانب أزمة اليورو. إن القرارات المستقبلية المتعلقة بالحرب والسلام ستتوقف أساسا على الخطوات القادمة التي ستقدم عليها سلطات طهران وإذا ما كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيتوصلان إلى اتفاق حول هذه المسألة.

في الوقت الراهن يبدو أن الرئيس باراك أوباما لا يتحكم في كل الأوراق الممثلة في كيفية التعامل مع المسألة النووية الإيرانية. حتى إذا كان الرئيس أوباما يعترض شخصيا على توجيه أي ضربة عسكرية ضد إيران غير أنه لا يستطيع أن يبدي رفضه العلني لأن ذلك سيضر بالعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل كما أنه سيؤلب عليه اللوبي المؤيد للدولة اليهودية في سنة انتخابية حساسة، علما أن كل المترشحين الجمهوريين للانتخابات الرئاسية القادمة يتبارون في إبداء الولاء لإسرائيل والدعوة إلى المواجهة ضد إيران.

ينتظر أن يتم تشديد العقوبات على إيران بشكل غير مسبوق في شهر يوليو القادم مع بدء العمل بالحظر الكامل على النفط الإيراني فيما تهدد سلطات طهران بالرد على هذه الخطوة التصعيدية بزرع مضيق هرمز بالألغام البحرية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد المواجهة بشكل ينذر بالصدام العسكري. لقد تدارس القادة الأوروبيون التداعيات الوخيمة التي قد تنجم عن مثل هذا التصعيد. لقد حذر رئيس البنك المركزي الأوروبي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وبقية القادة الأوروبية الستة والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من الانعكاسات الخطرة التي قد تنجم عن إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي قد يلهب أسعار النفط ويفاقم معدلات التضخم مما قد يقوض النمو الاقتصادي في أوروبا. لقد بدأت ألمانيا وفرنسا وعدة دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي تعزز مخزونها الاستراتيجي من النفط.

دير شبيجل



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة