أمريكا والشرق الأوسط.. مهرجان الأكاذيب
 تاريخ النشر : الأربعاء ٢٩ مارس ٢٠١٢
بقلم: توماس فريدمان
لقد كتب المؤرخ الألمعي فيكتور هانسون مؤخرا مقالا مهما في مجلة ناشيونال رفيو تطرق فيه بكثير من التعمق إلى مختلف المقاربات التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع العراق وإيران وليبيا وسوريا ومصر وباكستان، وقد خلص إلى أن أيا من هذه المقاربات لم تؤت أكلها أو تثبت جدواها حتى الآن.
كتب فيكتور هانسون يقول في مقاله المذكور:
«دعونا نراجع مختلف الخيارات السياسية التي تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط على مدى العقود القليلة الماضية. لقد فشلت سياسة المساعدات العسكرية أو التدخلات أو العقوبات التي اتبعتها. لا تعرف حتى اليوم كُلفة سياسة إعادة بناء الدول بعد إسقاط أنظمتها. أما السياسة المتمثلة في دعم الثوار ودعاة التغيير من أجل الإطاحة بالحكام المستبدين والشموليين والفاقدين للشعبية فإنها لا تضمن أن البديل سيكون أفضل حالا. إن سياسة دعم الحكام الدكتاتوريين بالمساعدات العسكرية هي سياسة شائنة ومؤدية إلى نتائج عكسية غير النتائج المرجوة. أما النأي بالنفس عن الأنظمة الدكتاتورية الشمولية فهو سيتيح الفرصة لامتلاك الأسلحة النووية أو ارتكاب جرائم الإبادة. ما الذي تعلمناه طوال هذه العقود؟
لهذا السبب أصبح اليوم من الضروري العمل على إعادة النظر في كل ما نقوم به. إن منطقة الشرق الأوسط تحتاج اليوم من الولايات المتحدة الأمريكية إلى المدارس الحديثة والحقائق الكاملة، وللأسف لم نستطع أن نوفر لا هذا ولا تلك».
لقد كان المؤرخ الألمعي فيكتور هانسون على حق عندما كتب يقول إن منطقة الشرق الأوسط مريضة اليوم بعقلية العصبية القبلية والتناحر الطائفي بين الشيعة والسنة والتطرف الديني، والنفط، هذا النفط الذي ظل دائما يسيل لعابنا ويجعلنا نتدخل في شئون الدول أو ندعم الحكام الدكتاتوريين بالغالي والنفيس.
إن هذا الخليط يقوض كل المتطلبات اللازمة لبناء مجتمعات تتطلع إلى المستقبل، وتشمل هذه المتطلبات الضرورية المؤسسات القادرة على إفراز حكومات لائقة وسياسات توافقية تتيح التداول على السلطة إضافة إلى متطلبات أخرى لا غنى عنها مثل حقوق المرأة وروح التعددية التي تحمي الأقليات وتسمح بتطوير النظم التعليمية الحديثة.
إن تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية البشرية في العالم العربي الذي أعدته سنة ٢٠٠٢ ثلة من علماء الاجتماع العرب الشجعان يخلص أيضا إلى التشخيص والاستنتاجات أنفسهما: ؟ إن ما يعوق العالم العربي اليوم إنما هو النقص الفادح في الحريات والافتقار إلى التعليم الحديث وقلة الفرص المتاحة لتمكين المرأة.
يجب أن تركز الولايات المتحدة الأمريكية سياستها في تلافي أوجه النقص الفادحة التي أتينا على ذكرها في المجتمعات العربية، غير أن تدبير سلطات واشنطن يختلف كل الاختلاف، ففي مصر أظهرت الأرقام الحكومية الرسمية أن نصف نسائها وربع رجالها لا يستطيعون القراءة. أما الشباب المصري الذي قاد الثورة فهو يتطلع يائسا إلى التعليم الجيد والحرية بما يوفر له أدوات وشروط النجاح في العالم الحديث. يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحول مساعداتها من التجهيزات والمعونات العسكرية إلى تشييد الكليات العلمية والتقنية والمدارس الحديثة في مختلف أنحاء مصر.
أما بالنسبة إلى أفغانستان فإنني أضحك بشكل هستيري كلما أسمع المسئولين في إدارة الرئيس باراك أوباما يقولون لنا إن الأمريكيين يقومون فقط بتدريب الجنود الأفغان على القتال قبل أن نرحل. هل هناك ما يثير السخرية أكثر من هذا الأمر؟ هل الأفغان في حاجة إلى من يدربهم على القتال؟ لقد نجح الأفغان في إلحاق الهزيمة من قبل بالبريطانيين والسوفيت ومرغوا أنوفهم في التراب.
مشكلتنا أننا أغمضنا أعيننا فيما كان الرئيس الأفغاني حامد قرضاي يزور الانتخابات ويدير نظاما استشرى فيه الفساد. بعد ذلك أعلن الرئيس باراك أوباما أن سياستنا تتمثل في زيادة عدد القوات العسكرية من أجل القضاء على حركة طالبان ليتسنى بعد ذلك للحكومة الأفغانية أن تحل محلها. لا يوجد اليوم مثل هذه الحكومة الأفغانية. مشكلتنا لا تتمثل في عدم قدرة الأفغان على القتال، إذ إنهم يتقنون القتال. لا تتمثل مشكلتنا في عدم توافر ما يكفي من المقاتلين للحرب من أجل الحكومة. كم عدد الذين سيواصلون القتال في أفغانستان من أجل حامد قرضاي لو لم ندفع لهم المال؟
وهكذا دواليك.
في باكستان نحن ندفع للجيش الباكستاني حتى يكون «بوجهين»، وإلا فإن مثل هذا الجيش سيكون «بوجه واحد» حتى لا ينقلب علينا ويعادينا بالكامل. لقد غضضنا الطرف ولذنا بالصمت فيما تواصل إسرائيل بناء المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية التي تمثل اليوم كارثة حقيقية على الديمقراطية اليهودية.
إننا لا نقول الحقيقة لباكستان لأنها تمتلك السلاح النووي. إننا لا نقول الحقيقة لإسرائيل لأنها تتحكم في الأصوات الانتخابية. إننا لا نقول الحقيقة لحامد قرضاي لأن الرئيس باراك أوباما يخشى أن يتهمه السيناتور جون ماكين بالجبن والسلبية.
.
مقالات أخرى...
- الأبعاد الإقليمية والدولية في الأزمة السورية - (29 مارس 2012)
- أين أصوات الاعتدال في إيران؟ - (26 مارس 2012)
- عرب إسرائيل والهوية الفلسطينية - (26 مارس 2012)
- حمى الانتخابات الرئاسية تبدأ في مصر - (23 مارس 2012)
- هل أضر «الربيع العربي» بالقضية الفلسطينية؟ - (18 مارس 2012)
- محمد حسنين هيكل.. ذاكرة مصر - (18 مارس 2012)
- مــــــن هــمش القضيـــــــة الفلــســطينية؟ - (17 مارس 2012)
- هل مازالت فلسطين«القضية المركزية»؟ - (17 مارس 2012)
- خيارات أوباما بين إسرائيل وإيران - (14 مارس 2012)