هل يحل عنان الأزمة السورية أم ينقذ نظام دمشق؟
 تاريخ النشر : الأربعاء ١١ أبريل ٢٠١٢
بقلم: جون فرانسوا داجوسان
لقد بدأت الأزمة السورية الحادة في شهر مارس ٢٠١١ وقد اتسمت بعد ذلك بازدياد حدة العنف تدريجيا حتى ان عدد القتلى قد فاق اليوم حاجز عشرة آلاف قتيل، عدا عشرات آلاف الجرحى والمسجونين والمشردين في دول الجوار.
لقد ذهب في اعتقاد المعارضة الديمقراطية أنه يكفي حشد آلاف المتظاهرين المسالمين في الشارع كي يتم تغيير النظام الحاكم، فما بالك بإسقاطه، لقد نسوا أو تناسوا بذلك طبيعة النظام البعثي الحاكم الذي يجد نفسه اليوم على حافة الانهيار، فهذا النظام البعثي هو قبل كل شيء تعبير عن هيمنة عائلة محاطة بأطراف لها مصلحة في بقائه قبل أن يكون تعبيرا عن شعب أو دولة مدنية. لم يستطع بشار الأسد التفكير في مستقبل آخر بعد أن ضاقت أمامه السبل فلم يجد بالتالي من حل آخر سوى اللجوء إلى العنف المفرط، وهو الوصفة نفسها التي بنى عليها والده حافظ الأسد سياسته في رعاية البلاد والعباد.
لم تجد الثورة السورية أي دعم من منظمة الأمم المتحدة، على عكس الثورة الليبية من قبل. لقد اتخذت الصين وروسيا مواقف متحفظة من ليبيا غير أنهما اليوم تعارضان بشدة تدمير النظام الحاكم في دمشق لأن اندثاره من شأنه أن يقوض مصالحهما الحيوية في المنطقة. لقد عرقلت هاتان الدولتان مشروعي قرارين في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية غير أنهما اضطرتا على مضض للتعبير عن تأييدهما مهمة المبعوث المشترك بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان، الذي عينه الأمين العام الحالي لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون.
لقد وافق مجلس الأمن الدولي على خطة كوفي عنان لإنهاء الأزمة السورية وهي تنص خاصة على وقف كل أشكال العنف من مختلف الأطراف تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة وتقديم المساعدات الإنسانية لكل المناطق المنكوبة وإطلاق سراح جميع المعتقلين.
ونظرا للظروف الجغرا- سياسية المعقدة يجب أن نلاحظ أن خطة كوفي عنان تطرح عدة إشكاليات يمكن أن نجملها في النقاط التالية:
١- إن خطة كوفي عنان تضع الطرفين في سوريا على قدم المساواة كأن قوات الجيش السوري الحر وبقية الثوار يضاهون الجيش السوري النظامي من حيث القوة العسكرية، فالموازين بين الطرفين المذكورين غير متكافئة البتة كما أن النظام البعثي الحاكم في دمشق هو الذي يمارس أبشع درجات العنف ضد السكان المدنيين بدعوى القضاء على «عصابات الإرهابيين الذين يروعون السكان المدنيين الآمنين» وفق ما تردده دائما أجهزة الإعلام السورية.
٢- إن خطة كوفي عنان تطرح إشكالية أخرى مهمة تتعلق بالجوانب الإنسانية كأننا نجد أنفسنا في وضع كارثة طبيعية، فالأمر يتعلق بمحاصرة القوات العسكرية والأمنية للنظام لمدن وقرى وأحياء سكنية بأسرها ودكها بالقذائف المدفعية عدا القصف الذي ينفذه الطيران السوري.. كأنه في جبهة حرب ضد عدو يحتل أرضه وليس في مواجهة شعبه الذي ينادي بالحرية والكرامة.
٣- إن خطة كوفي عنان تنص على قيام الطرفين بإطلاق سراح المعتقلين علما أن زنزانات نظام دمشق هي التي تعج بالسجناء الذين اعتقلوا بشكل تعسفي وعذبوا وهلك الكثير منهم تحت التعذيب. لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنتهم بعدد محدود من الأسرى الذين اعتقلهم الثوار. بطبيعة الحال يمكن القول ان السيد كوفي عنان قد عمد إلى التنصيص على المساواة بين الطرفين مهادنة منه لنظام دمشق وكسب تأييد روسيا والصين اللتين تستميتان في الدفاع عن نظام دمشق. بالمقابل فإنه يخشى أن يستخدم نظام دمشق هذه الثغرات الفادحة في خطة كوفي عنان من أجل تبرير مقاتلته لتهديد «إرهابي» لا يقل عنه سفكا للدماء وتدميرا لمظاهر الحياة، الأمر الذي يدفعه لرد الفعل.
لقد تبنت جامعة الدول العربية بكل سهولة خطة كوفي عنان إذ ان هذه الخطة تعتبر الخيط الذي تشبثت به جامعة الدول العربية التي وصلت إلى طريق مسدود في تعاملها مع الأزمة السورية. هذه الخطة تأخذ في الاعتبار أيضا مخاوف تلك الجهات التي تخشى العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن انهيار النظام البعثي الحاكم في دمشق: زعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط واحتمال غرق سوريا في حرب أهلية مدمرة قد تمتد رقعتها لتشمل دول الجوار.
في الحقيقة فرغم أن تدخل جامعة الدول العربية في الشؤون الداخلية لدولة عضو ومؤسسة مثل سوريا يظل حذرا فإنه يمثل خطوة ثورية في تاريخ هذه المؤسسة العربية التي طالما وصمت بالعجز والشلل وعدم القدرة على القيام بأي شيء يذكر يلبي طموحات الشعوب العربية، فقد ظلت جامعة الدول العربية إلى وقت غير بعيد تمتنع حتى عن إدانة الانقلابات والمحاولات الانقلابية في الدول العربية الأعضاء. لقد خطت جامعة الدول العربية «خطوة ثورية غير مسبوقة» عندما أعطت الغطاء العربي لمنظمة الأمم المتحدة كي تصدر قراراتها بالتدخل العسكري وفرض منطقة حظر الطيران وهو ما استغله حلف الأطلنطي الذي لعب دورا كبيرا في إسناد الثوار الليبيين وإسقاط نظام العقيد معمر القذافي الذي لم يكن مصيره المحتوم بأفضل من المصير الذي انتهى إليه نظامه. لقد خطت جامعة الدول العربية خطوة أخرى غير مسبوقة حيث انها علقت عضوية سوريا كما أنها أعلنت في قمة بغداد الأخيرة تأييدها لرغبة «الشعوب العربية في الحرية».
هل يمكن أن يشهد الموقفان الروسي والصيني من الأزمة السورية تطورا ملموسا في الفترة القادمة؟ منذ الانتخابات الروسية الأخيرة بدا كأن تطورا ما قد يحدث وقد صدر بعض الانتقادات الحذرة والمحسوبة عن سلطات الكرملين عبر عدة قنوات مختلفة. لقد أعلنت الرئاسة الروسية أن الاقتراحات التي تقدم بها كوفي عنان في خطته تمثل «الفرصة الأخيرة» حتى لا تغرق سوريا «في حرب أهلية مدمرة وطويلة المدى» كما أكدت الرئاسة الروسية في بيانها أن سلطات الكرملين ستبذل كل جهودها من أجل تطبيق هذه الخطة غير أنها شددت في الوقت نفسه على أن رحيل بشار الأسد يمثل «فكرة قصيرة النظر» قد لا تسهم في تسوية الأزمة السورية. أما رئيس الدبلوماسية الروسية وزير الخارجية سيرجي لافروف فقد عبر عن معارضته ممارسة أي ضغوط على سلطات دمشق فيما يتعلق بخطة كوفي عنان المذكورة معتبرا أن «المهل الأخيرة والمواعيد المصطنعة عادة ما لا تجدي نفعا».
لم يطرأ أي تطور ملموس أيضا على المواقف الصينية المعلنة من الأزمة السورية. إن الدوافع التي تجعل روسيا والصين تؤيدان نظام دمشق تظل مختلفة، فالروس يريدون الحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية المرتبطة بالقاعدة البحرية التي يمتلكونها في اللاذقية كما أن لسوريا ديونا عسكرية ضخمة غير مدفوعة منذ حقبة الاتحاد السوفيتي. أما بالنسبة إلى الصينيين فإنهم يتخوفون على مستقبل الاستقرار والأمن الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط وانعكاسات انهيار نظام دمشق على إيران نفسها التي تتهم اليوم بمساعدة نظام دمشق على قمع الشعب السوري. تخشى سلطات بكين أيضا تنامي الأصوات المطالبة بالديمقراطية لما لهذه المسألة بخاصة من حساسية كبيرة في الصين، ناهيك عن أن الصين فرضت رقابة على شبكة الانترنت وقامت بمحو كل ما له علاقة بالثورات العربية.
لقد دعا مؤتمر «أصدقاء الشعب السوري» في اجتماعهم الأخير في اسطنبول إلى وضد «تاريخ محدد» لتطبيق خطة كوفي عنان كما أيد حق الشعب السوري في الدفاع عن نفسه. تكمن الصعوبة أيضا في وجود اختلافات سواء بين «أصدقاء سوريا» أو في صفوف المعارضة السورية نفسها حول ما إذا كان يجب توسيع نطاق المقاومة المسلحة أو العمل على خنق نظام دمشق سياسيا ودبلوماسيا إضافة إلى العقوبات المشددة التي فرضت عليه حتى الآن.
* المدير المساعد لمؤسسة البحوث الاستراتيجية ومدير مكتب مجلة «مغرب - مشرق»
.
مقالات أخرى...
- المسلمون والانتخابات الرئاسية الأمريكية - (11 أبريل 2012)
- هذا ما يجب أن يفعله الفلسطينيون - (10 أبريل 2012)
- مروان البرغوثي.. الأمل الفلسطيني - (10 أبريل 2012)
- «معركة القنبلة» بين إسرائيل وإيران - (2 أبريل 2012)
- هل تجدي العقوبات في احتواء إيران؟ - (31 مارس 2012)
- أمريكا والشرق الأوسط.. مهرجان الأكاذيب - (29 مارس 2012)
- الأبعاد الإقليمية والدولية في الأزمة السورية - (29 مارس 2012)
- أين أصوات الاعتدال في إيران؟ - (26 مارس 2012)
- عرب إسرائيل والهوية الفلسطينية - (26 مارس 2012)