الغفــران
 تاريخ النشر : الخميس ٧ يونيو ٢٠١٢
وفاء جناجي
(الغفران) مسلسل سوري تدور أحداثه حول قصة حب رائعة بين (أمجد) و(عزة)، حيث كان أمجد يحب بنت الجيران عزة منذ الطفولة وظل يبحث عنها طوال عشر سنوات لأنها غادرت الحي، وما ان يعثر عليها حتى يتزوجها ليعيشا أجمل قصة حب، تتخللها مشكلة صغيرة تكون خلالها عزة متوترة ومضطربة فتتعرف إلى (محمود) الشاب المكافح الذي يلفت نظرها ويكون طوق الهروب من مشكلتها مع أمجد، تظن أنها أحبته فتخرج معه عدة مرات في أماكن عامة في الوقت الذي تصاب فيه عزة بصداع بشع متواصل يحير الأطباء، في ليلة تضع عزة رأسها على رجل أمجد وتبكي بحرقة وتخبره بأنها ليست سعيدة، يصعق أمجد ولكنه يطلب إليها بقلب العاشق وعقل المثقف الراقي أن تذهب إلى بيت أهلها وتفكر فيما يسعدها: هل هو الطلاق أو الاستمرار معه؟ في بيت أهلها وهي بعيدة عن حبيبها وزوجها أمجد تكتشف أنه الهواء الذي تعشقه وأنها لا تستطيع العيش من دونه، تصارح محمودا بأنها لم ولن تستطيع أن تحب غير زوجها وترجع إليه وهي في قمة السعادة، ولكن للأسف يكتشف أمجد العلاقة العابرة التي مرت بها عزة فيتحول إلى وحش ويصر على الطلاق بالرغم من عشقه لها فإنه يرفض بعقليته الشرقية أن يغفر لها هفوتها الصغيرة، وعلى الرغم من محاولات عزة المستميتة للتمسك به وبحبها فإنه يصر على الطلاق بهدوء وعدل.
كم استمتعت بروعة أداء الممثلين (باسل الخياط وسلاف معمار)، وكم بكيت وأنا أرى أمجد يتعذب ويحترق بنزول كل دمعة تنزل من عيون عزة ولكنه يكابر ويرفض الغفران، وكم كانت عزة رائعة في أدائها دور الزوجة العاشقة التي تصرخ وتبكي بحرقة بعد أن اكتشفت ان هفوتها الصغيرة كانت السبب في اكتشاف حبها لزوجها الذي يرفض أن يسامحها، كم كان اللقاء الأخير بين الزوجين اللذين تطلقا منذ ساعات ويجلسان إلى طاولة الغداء وهما يبثان حبهما وعشقهما لبعضهما بعضا لدرجة أن امجد يطلب إليها أن ترجع تتزوجه بعد ساعة واحدة فقط من الطلاق ولكن عقليته الشرقية ضيعت منه عشق حياته وهي بدورها ترفض لأنه يعترف في الوقت نفسه بأنه لم يسامحها. أروع مشهد كان مشهد النهاية حيث التقى أمجد بعد سنة من الطلاق عزة في أحد المطاعم وهي حامل من زوجها الجديد فجلس أمامها ووضع يديه على وجهه ليبكي بحرقة أول مرة في حياته على ضياع حبه الكبير.
انتهت الحلقة ولكنها فجرت الكثير من الأسئلة: لماذا المطلوب من المرأة أن تسامح الرجل عن هفواته وأغلاطه مهما كانت كبيرة وقاسية وفي المقابل العكس للمرأة؟ لماذا تبرير خيانة الرجل لزوجته تسمى نزوة يتقبلها مجتمعنا بكل سهولة ويسامح عليها (حتى لو تكررت) بينما هفوة الزوجة الوحيدة والصغيرة تسمى خيانة عظمى لا تغتفر؟ لماذا يغضب المجتمع وبشدة لأنه أمر مرفوض رفضا قاطعا عندما نسمى هفوة المرأة (مع الرجل الآخر) صغيرة؟ لماذا أي تفكير للمرأة في أي رجل آخر (حتى لو كان زوجها أبشع زوج في العالم أخلاقيا) عار وخيانة عظمى وقلة شرف وأخلاق؟ لماذا لا يحق للمرأة التى تعاني ظلم وقسوة وخيانة زوجها الانجرار وراء أول كلمة حنونة تلقاها؟ لماذا تعاقب المرأة على أخطائها بغض النظر عن حجمها بشدة أما الرجل فالخطأ عنده وارد وأمر طبيعي بل يعتبر أحيانا حقا من حقوقه لا يعاقب عليه أبدا؟ أليس للمرأة مشاعر الرجل نفسها؟ أليس للمرأة كرامة تجرح عند الخيانة؟ لماذا كرامة المرأة ومشاعرها مستباحة عكس الرجل؟
المشكلة أننا تربينا أجيالا مضت وللأسف نربي الأجيال القادمة على أن للرجل حق استباحة كرامة المرأة، تشربنا مع حليب أمهاتنا مفاهيم خاطئة وعادات سيئة تبيح للرجل أن يفعل ما يريد من دون حسيب أو رقيب، والعكس للمرأة فكل خطوة تخطوها محسوبة عليها.
السؤال المهم: لماذا لا نبدأ من أنفسنا ونربي أبناءنا على احترام الطرف الآخر واحترام مشاعره؟ لماذا لا نربي أبناءنا: البنات والأولاد على أن لهم الواجبات والحقوق نفسها وأن الرجل لا يستطيع أن يفعل ما يشاء لأنه يحصل على الغفران في النهاية أما المرأة فالويل لها من أي زلة؟ لماذا نسحق كرامة ومشاعر المرأة منذ نعومة أظفارها بحجة نظرة المجتمع؟
السؤال الأهم أسأله لكل من يقرأ المقال وتأخذه الشهامة والنخوة العربيتان (ويزبد ويلعن اليوم اللي خلوني اكتب فيه مقالات) ويحاول أن يشتمني لأنني ادعو إلى الرذيلة (لمجرد اني قلت إن التفكير في رجل آخر هفوة صغيرة)، ضع نفسك ولو مرة واحدة مكان المرأة أو الطرف الذي مطلوب منه أن يغفر كل الأخطاء ومحظور عليه أن يخطئ قط، هل هذا عدل وإنصاف؟
.
مقالات أخرى...
- أقطع رزقك يا أخي لأنني أحبك - (20 مايو 2012)
- هل تحب البحرين؟ - (22 أبريل 2012)
- هذا هو ربي الذي أحبه وأعبده - (8 أبريل 2012)
- برنامج مصباح علاءالدين - (14 مارس 2012)
- أفاع سامة تفتك بالبحرين - (26 فبراير 2012)
- إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه - (13 فبراير 2012)
- البحرين في زمن المتناقضين - (6 فبراير 2012)
- صباح الخير وأنا البحرين - (22 يناير 2012)
- كل عام وإخواني المسيحيون بخير - (8 يناير 2012)