الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٠٢ - الجمعة ١٥ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٥ رجب ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


وللنفس أحوال





هل النفس الإنسانية نفس واحدة أم عدة أنفس؟

وإذا لم تكن عدة أنفس، وكانت نفسا واحدة، فهل لها حال واحدة أم لها عدة أحوال يتنقل الإنسان من خلالها من حال إلى حال؟

وهذان التغير والتحول بين الأحوال الكثيرة للنفس الإنسانية إذا توافقنا أنهما كذلك، هل هذا كله يحدث بإرادة الإنسان أم من دون إرادة منه؟

أسئلة كثيرة شغلتني وأنا أقرأ القرآن الكريم، وألتقي النفس الإنسانية في سموها وانحطاطها، وفي علوها وانخفاضها.

قابلت النفس الفاجرة، وهي حالة تتلبس النفس عندما يتخلى الإنسان عن منظومة القيم التي جاء بها الإسلام، فحين يتنكب الإنسان صراط ربه المستقيم، ويستجيب لنداء النفس الأمّارة بالسوء ولوسوستها.

وقابلت النفس أيضا وهي متلبسة بحالتها اللوامة حين تدخل في صراع مع النفس الأمّارة بالسوء، وتحاول منعها من الانحدار إلى حمأة الفجور والفسوق.

وقابلت النفس التقية التي تعد ما استطاعت من قوة لمواجهة النفس الفاجرة.

وقابلت النفس الزكية وهي تبذل أقصى ما تستطيع من جهد وسعي مبرور لتطهير ذاتها، وتجلية الشوائب والمكدرات عن وجهها المضيء، فوجدتني في افاق رحبة من الطهر والصفاء حتى إذا وصلت إلى النفس المطمئنة وهي الراضية بقضاء الله تعالى وقدره، المحتسبة عنده الأجر والمثوبة، ثم بعد ذلك النفس المرضية بما أنعم الله تعالى عليها من عطاء وجزاء.

إذًا، فالنفس الإنسانية نفس واحدة في ذاتها، ولكن لها أحوالا متعددة فيظن الناس أنها أنفس متعددة، فإذا استطاع الإنسان أن يبدل حالة من هذه الحالات إلى حالة أخرى، فهو لا يبدل نفسا بنفس، بل هو إما أنه يترقى وإما أنه يتردى، وبين الترقي والتردي يكون هناك الصراع، وتكون هناك المواجهة.

نعم، مهمة الإنسان في هذه الحياة أن يحسم الصراع ليكون في صالحه ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه جعل ست حالات من أحوال نفسه معه، وحالتين من هذه الحالات ليستا في صفه، النفس اللوامة، والتقية، والزكية، والمطمئنة، والراضية، والمرضية، كل هذه الحالات تقف مع الإنسان تشد من عضده، وتعينه على أمره، أما اللتان ضده فهما: النفس الأمّارة بالسوء، والنفس الفاجرة، ويستطيع الإنسان بجهده وسعيه أن يتخطى كل هذه العقبات، ويتجاوز هذه الحواجز ليدخل في آفاق من الأحوال الطيبة المطمئنة والراضية المرضية.

والإنسان سوف يؤجر أو يؤزر على تغليب حالة من هذه الحالات على الأخرى، فإن كان صوت النفس اللوامة أعلى وأقدر من صوت النفس الأمّارة بالسوء كان في خير وعافية، أما إن كان العكس فهو في خطر دائم، وفي خسران مبين، وقل ذلك عن صراع النفس التقية مع النفس الفاجرة، فأيهما تغلب، وتنتصر على الأخرى، فسوف يحصد الإنسان ثمرة سعيه وجهاده.

ولقد تبين لي أن الحالات التي تكون عليها النفس الإنسانية هي ثماني حالات: ثلاث بينتها سورة الشمس وهي: النفس الفاجرة، والنفس التقية، والنفس الزكية، وذلك في قوله تعالى:} ونفس وما سواها(٧) فألهمها فجورها وتقواها(٨) قد أفلح من زكاها(٩) وقد خاب من دساها(١٠) {.

وحالة واحدة من هذه الحالات هي النفس الأمّارة بالسوء، وهي في قوله تعالى: «وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم» (يوسف/٥٣).

وحالة واحدة هي النفس اللوامة، وهي في قوله تعالى: «لا أقسم بيوم القيامة(١) ولا أقسم بالنفس اللوامة(٢)» (سورة القيامة).

والثلاث الحالات الباقية، وهي: النفس المطمئنة، والنفس الراضية، والنفس المرضية، جاءت في قوله تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة(٢٧) ارجعي إلى ربك راضية مرضية(٢٨) فادخلي في عبادي(٢٩) وادخلي جنتي(٣٠)» (سورة الفجر).

هذه هي الحالات الثماني التي تتجول فيها النفس البشرية صعودا وهبوطا، ونهضة وسقوطا، وكل ذلك بإرادة الإنسان ذاته، فقد أسند الحق تبارك وتعالى مسألة تزكية النفس أو دسها إلى الإنسان، فقال تعالى: «ونفس وما سواها(٧) فألهمها فجورها وتقواها(٨) قد أفلح من زكاها(٩) وقد خاب من دساها (١٠)» (سورة الشمس).

النفس إذًا لديها الاستعداد للفجور والتقوى، وبقي بعد ذلك جهد الإنسان وسعيه، وتوجيه حركة حياته إما إلى التقوى، وإما إلى الفجور، وهو محاسب على توجيه إرادة الفعل، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

وعلى الإنسان ألا يخدع نفسه ويزعم أنه لا إرادة له على نفسه، ولا سلطان له على جوارحه، فمن أراد الطاعة أطاع، ومن أراد المعصية عصى، ولا يلومن الإنسان إلا نفسه الأمّارة بالسوء.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة