اقتصادات أمريكا اللاتينية تسبح وسط التيارات العالمية العاتية
 تاريخ النشر : الاثنين ١٨ يونيو ٢٠١٢
إذا أثبت الاقتصاد العالمي مرونته فإن الاتجاهات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية تبدو واعدة، فمن المتوقع أن يبقى النمو قوياً رغم تباطؤه في النصف الثاني من العام الماضي، ومن المنتظر أن يزداد تباطؤا خلال العام الحالي، فالبطالة تتناقص تدريجيا، كما استمر نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومازالت الموازنات المالية تحافظ على متانتها.
ولكن مازالت هناك مخاطر خارجية كبيرة، فرغم الروابط التجارية المحدودة لأمريكا اللاتينية مع أوروبا، فإن الآثار المالية الناتجة عن تفكك منطقة اليورو على سبيل المثال، سوف تكون شديدة القوى ومن الصعوبة توقعها ومن المؤكد أن تؤثر بشدة في جميع الأسواق الناشئة، وينبغي على صانعي السياسة الاستمرار في تبني موقف حكيم من حيث السياسة المالية والنقدية، وأن يكونوا مستعدين للاستجابة لهبوط اقتصادى عالمي جدي آخر، حتى في الوقت الذي يعملون فيه باتجاه معالجة عدد من التحديات الهيكلية.
وبشكل إجمالي، فإن التوقعات الاقتصادية والمالية والمحلية قصيرة الأجل لأمريكا اللاتينية تعد مبشرة، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي نمواً بنسبة ٥% تقريبا، مدعوماً بطلب خارجي قوي من الاقتصادات الناشئة الأخرى، والطلب المحلي القوى الذي تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي في كل من العامين الماضيين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع، رغم ذلك فقد تباطأ النمو بشكل ظاهري في النصف الثاني من العام، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى زيادة تشديد السياسة المطبقة استجابة للنمو الضعيف في الاقتصادات المتقدمة، وعلى سبيل المثال تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس ربع سنوي للبرازيل من ٤.٢% و٣.٣% في الربعين الأول والثاني من العام الماضي إلى ٢.٢% في الربع الثالث.
وتؤكد تقديرات عام ٢٠١١ وتوقعات عام ٢٠١٢ هذا الاتجاه للنمو المعتدل، ووفقا لصندوق النقد الدولي، حققت أمريكا اللاتينية نمواً بنسبة ٤.٥% العام الماضي ومن المتوقع أن تنمو بنسبة قوية أيضاً ٤% في العام الحالي، ومع ذلك ترى وحدة الاستخبارات الاقتصادية والبنك الدولي، أن نمو المنطقة يتباطأ من ٤ و٤.٢% في ٢٠١١ إلى ٣.٥% و٣.٦% في ٢٠١٢ على التوالي.
لكن هناك توقعات ترى أن النمو المقدر في ٢٠١١ لمعظم الاقتصادات الكبرى في أمريكا اللاتينية مع البرازيل سيكون أكثر ارتفاعاً من الذي تمت ملاحظته خلال العقد الذي سبق الكساد العظيم.
فالبطالة في المنطقة تشهد تناقصاً تدريجيا، ومن المتوقع أن يتجه معدل البطالة إلى التناقص في الاقتصادات العشرة الكبرى بأمريكا اللاتينية من ٩% في عام ٢٠٠٩ إلى ٨% في ٢٠١١، باستثناء بعض الاقتصادات مثل المكسيك التي ترجح أن تواجه معدل بطالة أكثر ارتفاعاً من معدلها في ٢٠٠٨.
ومع تشكيل الصادرات السلعية لحصة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية ١٠% من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا الجنوبية فقد استفادت المنطقة كثيرا من ارتفاع أسعار السلع، أسعار السلع الزراعية ومصادر الطاقة بالدولار بعد تعديلها بالنسبة إلى المؤشر سعر المستهلك الأمريكي قد زادت بمقدار ١٤٧% و٤٠٠% على التوالي منذ عام ٢٠٠٢ وقد قفزت مؤشرات صندوق النقد الدولي لكل من أسعار المدخلات الغذائية والصناعية (المواد الخام) بأكثر من ٢٠% في عام ٢٠١١ مقارنة بعام ٢٠١٠.
وعلى الرغم من أن الاضطرابات في أوروبا والولايات المتحدة قد قللت بشكل كبير من تدفقات المحافظ الاستثمارية إلى المنطقة، فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تعد أقل تقلباً من غيرها من التدفقات المالية وتشكل حصة كبيرة من هذه التدفقات إلى المنطقة مازالت تتمتع بالمرونة والقدرة على التكيف.
وتظهر أحدث البيانات الصادرة عن البنك الدولي أن صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أمريكا اللاتينية قد ارتفع ٢٩% في عام ٢٠١١, وهو ما يعد أقوى نمو بين المناطق النامية، بعد زيادتها ٤٣% في عام ٢٠١٠، وقد هبطت تدفقات المحافظ الاستثمارية بنسبة ٦٠% بعد بقائها مستقرة عام٢٠١٠.
والأكثر من ذلك، إنه بينما تستمر الاقتصادات المتقدمة في المعاناة من العجز الكبير في الموازنة والديون العامة، وفي حالات قليلة تكاليف الديون التي لا يمكنها تحملها، فإن التوقعات المالية بالنسبة إلى أمريكا اللاتينية تعد قوية بشكل عام.
فقد استمر الدين في التراوح حول نسبة ٥٠% من الناتج المحلي الإجمالي الكلي للمنطقة، ومن بين أكبر عشرة اقتصادات، يوجد لدى البرازيل فقد ديون تفوق ٦٥%.
ومن المتوقع أن تواجه معظم الدول في أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى عجزاً صغير الحجم في موازناتها خلال العام الحالي، وأن يتسع المجال إدارة خطة حفز إذا تتطلب الأمر، لكن مساحة السياسة أكثر محدودية بشكل عام في عامي ٢٠١١ و٢٠١٢ مقارنة بعام ٢٠٠٨، وعلى سبيل المثال، فإن متوسط العجز في الموازنة في أمريكا اللاتينية في ٢٠١١/٢٠١٢ يتوقع البنك الدولي أن يكون أكثر ارتفاعاً من الفترة ما بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٨ بمقدار ١.٤ نقطة مئوية، ويعكس ذلك جزئياً الإنفاق الأكثر ارتفاعاً خلال الأزمة المالية الأخيرة.
ويرجع الفضل في التوقعات المحلية المشرقة نسبياً لأمريكا اللاتينية لأساسيات الاقتصاد الكلي القوية للمنطقة، وخلال العقد الماضي عملت أمريكا اللاتينية على تحسين إدارتها للاقتصاد الكلي، متبنية سياسة استهداف التضخم وأنظمة معدل سعر الصرف الأكثر مرونة التي تساعد على تهدئة إثر التأرجحات الكبيرة في تدفقات رأس المال، واتباع القواعد المالية الخاصة بالديون المستدامة، والأكثر من ذلك، ساعد تراكم الاحتياطات الأجنبية في مساندة توازن مدفوعات أمريكا اللاتينية، وساعدت هذه الاحتياطات المنطقة على الصمود أمام الركود الذي وقع في ٢٠٠٩ بشكل أفضل نسبياً عن بقية العالم عند مقارنتها بفترات الركود العالمية السابق، لكن مازالت أمريكا اللاتينية تأتى خلف المناطق الناشئة، حيث انكمش ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة ١,٧% بينما استمر النمو في كل من آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.
ورغم ضعف تنافسية المنطقة، فقد تخلفت المكاسب المتواضعة التي لوحظت في السنوات الأخيرة عن تلك التي حققتها المناطق الناشئة الأخرى، في آسيا وشرق أوروبا، حيث ارتفع ترتيب عدد من كبرى الاقتصادات في أمريكا اللاتينية في تقرير ترتيب التنافسية العالمي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي ٢٠١١/٢٠١٢، فقد ارتفع موقع المكسيك في التقرير بمقدار ثمانية مراكز، ويرجع الفضل في ذلك إلى سوقها المحلية الكبرى، والبنية التحتية المتطورة بوسائل النقل والمواصلات بها، والجهود المبذولة لتخفيف أعباء القواعد المنظمة على الأعمال التجارية الجديدة، كما ارتفع موقع البرازيل بمقدار خمسة مراكز، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى أنها تمتلك أحد أعلى معدلات تبني التكنولوجيا والابتكار في المنطقة.
على الرغم من ذلك، فإن المنطقة مازالت تواجه تحديات ضخمة، من بينها ضعف المؤسسات، والبنية التحتية غير المتطورة، والمستويات المنخفضة من التنافسية في العديد من القطاعات.
وبينما خفت الضغوط الناجمة عن زيادة سرعة النمو، نظراً الى تباطؤه، فإنه من المقدر ارتفاع معدل التضخم في ٢٣ من ٣٣ من اقتصادات أمريكا اللاتينية العام الماضي، ويبقى أقل من نسبة ٦,٧% بقليل، وهي نسبة أقل بفارق ضئيل للغاية عن متوسط معدل التضخم في المنطقة البالغ ٧% خلال العقد الماضي، ولكن هذا المتوسط يشمل نطاقاً واسعاً في أمريكا اللاتينية، وقد وصل معد التضخم في كل من شيلي وكولومبيا وبيرو إلى أقل من ٤%، ولكنه وصل إلى ٦% في البرازيل الذي يعد فوق نسبة ٤.٥% الرسمية.
وتعتبر المخاطر الخارجية الأكبر حجماً حتى الآن وقد تكون شديدة التأثير في حال تفكك منطقة اليورو، أو أقل حدة إذا تقلص النمو في آسيا، وتشير الروابط التجارية والمالية في أوروبا إلى عدم تعرض المنطقة للخطر كغيرها من المناطق النامية الأخرى، ويستورد الاتحاد الأوروبي ١٣% من صادرات أمريكا اللاتينية، وتعد مناطق أخرى في العالم النامي مثل آسيا والشرق الأوسط، أكثر اعتمادا على الاتحاد الأوروبي كسوق للتصدير، ويستورد الاتحاد الأوروبي ٢٠ و٥٠% من صادرات دول مثل بنما والبرازيل وبيرو ونسبة قليلة من المكسيك تبلغ ٥%.
.
مقالات أخرى...
- توقعات بفقدان الجنيه ٣٠% من قيمته مع هبوط الاحتياطيات لأدنى مستوى
- بنك الخير يقيم دعوى مدنية ضد ماجد الرفاعي
- الأردن يتجه إلى استيراد الغاز القطري
- «الغرفة» تعلن انتهاء عمل لجنة التحقيق في المخالفات الإدارية
- التويجري: لا ضمانات تمنع هبوط سوق الأسهم السعودية
- معهد العلوم المالية يحصل على درجة امتياز من هيئة ضمان الجودة
- غرفة المنازعات تروج للبحرين كمركز رئيسي لتسوية النزاعات في المنطقة
- ١.١ مليار دولار خسائر شركات الطيران الأوروبية
- صندوق النقد العربي يرتب قرضا لمصر بنحو ٦٥ مليون دولار
- «زوليك» يحذر الدول النامية من أزمة مالية إذا لم يتم حل أزمة اليورو
- مجلس محافظي المصارف المركزية يناقش توصيات اللجنة العربية للرقابة المصرفية
- أوروبا قد تواجه أزمة شبيهة بتلك التي أعقبت انهيار «ليمان»
- هولاند يعرض على الاتحاد الأوروبي ميثاقه الإنمائي
- ألومنيوم قطر تكشف النقاب عن برنامج «عربال ٢٠١٢»
- أوباما يعبر عن خشية بلاده من امتداد التبعاتأزمة منطقة اليورو موضوعجوهري في قمة مجموعة العشرين
- «تمكين» تستعرض برامجها لدعم القطاع الخاص والمرأة البحرينية
- «سيرة الاستثماري» يفوز بجائزة المصرف الأسرع نموّا
- مؤشرات واهية لأداء جميع عناصر بورصة البحرين