الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٦ - الجمعة ٢٩ يونيو ٢٠١٢ م، الموافق ٨ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


الإسراء والمعراج رحلة في الزمان





تحدثنا في الجمعة الماضية عن رحلة المكان في حدث الإسراء والمعراج، وجاء الآن دور الحديث عن رحلة الزمان في هذا الحدث العظيم، وإذا كان الإسراء هو الجزء المتعلق بالرحلة في المكان، فإن المعراج هو الجزء المتعلق بالرحلة في الزمان.

والزمان في المعراج ليس زماناً واحداً، فليس كله ماضٍ، وليس كله حاضر، وليس كله مستقبل.

إنه زمان يمتد من الماضي السحيق إلى المستقبل البعيد ماراً بالحاضر الذي يعيشه الناس، ويتقلبون في أحداثه.

ومحمد( صلى الله عليه وسلم) جاء خاتماً للأنبياء والمرسلين زماناً ورسالةً وكتاباً وأمة، ولقد حقق الله تعالى لرسوله ومصطفاه (صلى الله عليه وسلم) ما لم يحققه لغيره من إخوانه الأنبياء حيث جعله يجتمع بهم من لدن آدم إلى عيسى (عليهم جميعاً الصلاة والسلام).

اجتمع بهم في رحلته المكانية في الأرض ، واجتمع بهم في رحلته الزمانية في السماء، فجمعت له الحفاوة والتكريم في الأرض وفي السماء، وكل هذا لم يتحقق ولم يجتمع لسواه.

لقد جمعت له (صلى الله عليه وسلم) الأزمنة كلها: الماضي والحاضر والمستقبل، ورأى بأم عينيه مآل الناس: الطائعين منهم والعصاة، ورأى أهل الجنة يتنعمون، ورأى أهل النار يُعذبون، وأراه مولاه سبحانه وتعالى نماذج من الطاعات وثواب الله تعالى عليها يوم القيامة، ونماذج من المعاصي وعقوبة الله تعالى عليها يوم القيامة، وحمل (صلى الله عليه وسلم) هذه المشاهد المبشرة، والمشاهد المروعة إلى أمته ليربي في قلوبهم اليقين بما هم مقبلون عليه، والخشية من مخالفة أمره سبحانه ونهيه.

خرق الله تعالى لنبيه ومصطفاه محمد (صلى الله عليه وسلم) حجب الزمان، فرأى من الآيات الكبرى ما رأى، وسمع من أخبار الملأ الأعلى ما سمع، وطاف به جبريل (عليه السلام) عوالم الزمان، ورأى من المشاهد والأحداث التي لم يأت أوانها بعد، ولكنها آتية لا محالة لأنها من موعود الله تعالى، ووعده ووعيده لا يتخلفان أبداً.

لقد قطع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في رحلة الزمان الزمن الماضي مع آدم ونوح وإبراهيم وجميع الأنبياء الذين سبقوه، وقطع (صلى الله عليه وسلم) في رحلة الزمان الزمن القادم حيث خرق له (صلى الله عليه وسلم) ومعه جبريل (عليه السلام) حجب الزمن القادم حتى بلغت سماء لا يطار لها على جناح ولا يسعى على قدم، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله تعالى.

نعم لقد خرق له مولاه سبحانه وتعالى حجب الزمان حتى بلغ سدرة المنتهى حيث جنة المأوى، قال تعالى: «والنجم إذا هوى (١) ما ضل صاحبكم وما غوى (٢) وما ينطق عن الهوى (٣) إن هو إلا وحي يوحى (٤) علمه شديد القوى (٥) ذو مرة فاستوى (٦) وهو بالأفق الأعلى (٧) ثم دنا فتدلى (٨) فكان قاب قوسين أو أدنى(٩) فأوحى إلى عبده ما أوحى (١٠) ما كذب الفؤاد ما رأى (١١) أفتمارونه على ما يرى (١٢) ولقد رآه نزلة أخرى (١٣) عند سدرة المنتهى (١٤) عندها جنة المأوى (١٥) إذ يغشى السدرة ما يغشى (١٦) ما زاغ البصر وما طغى (١٧) لقد رأى من آيات ربه الكبرى (١٨)» سورة النجم.

وهكذا لخصت سورة النجم رحلة الزمان في الرحلة السماوية، كما لخصت سورة الإسراء رحلة المكان في الرحلة الأرضية.

وهكذا جمعت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حفاوة المكان، وحفاوة الزمان، وهذا لم يتحقق لنبي أو رسول قبل محمد (صلى الله عليه وسلم).

moc.liamg@halafniblaa

halafniblaa@



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة