يعجبني في الكويت، رغم كل الشد والجذب السياسي هذه الأيام هناك، أن المفسدين يتم فضحهم على رؤوس الأشهاد. من يتورط في سرقة، أو اختلاس، أو هدر للمال العام، أو أي فعل مخالف للقانون، تجد الشعب والنواب، ومعهم وسائل الإعلام، من صحف وتلفزيون، يشبعونه فضيحة حتى يحال إلى النيابة العامة وتتم محاكمته، بغض النظر عن أصله وفصله وحجمه. مجموعة نواب اقتحموا البرلمان في أحداث شهدتها الكويت قبل فترة، والآن هم يحاكمون جميعاً. صحيفة كويتية أساءت إلى العلاقات الكويتية الخليجية، فتمت محاكمتها وصدر الحكم بالغرامة والإيقاف. قضايا شيكات من دون رصيد وسرقات أموال أثيرت على عدد من الشخصيات الكويتية البارزة، فوجدوا أنفسهم جميعاً أمام النيابة العامة.

بمعنى آخر، المجتمع الكويتي مجتمع صحي جدٌّا وناضج، وهناك مساحة كبيرة من الحرية فيه، ومساحة أكبر من المحاسبة والرقابة. البحرين تأتي في المرتبة الثانية من بعد الكويت على مستوى الحريات، لكن ليس على مستوى الرقابة والمحاسبة. نعم هناك قضايا فساد تثار، وهناك معلومات موثقة يتم نشرها عن بؤر هدر المال، والصفقات والمشاريع المشبوهة والخاسرة، والسرقات وغير ذلك، لكن معدلات الإحالة إلى النيابة العامة نتيجة هذه القضايا تظل بسيطة جدٌّا. في الإمارات درجة الرقابة والمحاسبة عالية، وبالتحديد في دبي. وفي قطر سمعنا مؤخراً عن حريق مجمع «فيلاجيو» وردّ السلطات القطرية الصارم من خلال إغلاق المجمع ومحاسبة صاحبه وتعميم الإجراءات الوقائية على باقي المجمعات. وفي المملكة العربية السعودية هناك إقالات وإعفاءات بالجملة لمسئولين من مناصبهم، من دون مجاملة ولا مداهنة.

البحرين لا ينقصها سوى ترسيخ مبدأ الرقابة والمحاسبة على الجميع، وبالذات في الفساد المالي والإداري، بشكل لا مجاملة فيه لأحد على حساب أحد. وإذا تقدمت البحرين في هذا الاتجاه، فسوف تكون بكل تأكيد الأولى على مستوى الخليج، لأن الحريات الدينية والشخصية في البحرين، وحقوق المرأة، ونظام التعليم، والحريات التجارية والاقتصادية، تعتبر نماذج يحتذى بها خليجياً وعربياً أيضاً، لكن علينا في الوقت نفسه، أن نسد النقص في الرقابة والمحاسبة على المال والإدارة والفساد، من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين، ولعل بعض التجارب الخليجية في تكريس الرقابة والمحاسبة، وعلى رأسها الكويت، جديرة بأن تلتفت إليها البحرين، ففي ذلك مصلحة لها، ومناعة داخلية أيضاً