الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣١ - السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٢٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

بالشمع الاحمر


أنا والمعتـــوه..!





هذه إحدى أغرب الأحداث التي مرت بي، وقد رأيت أن أشرككم فيها عبر هذه المقالة كي أوثقها لنفسي أيضا. قبل عدة سنوات، تعرفت في المملكة المتحدة على شاب هندي، يحمل الجنسية البريطانية، وحائز على الماجستير في علم النفس. كان مثقفاً ومطلعاً، وعلى درجة عالية من العلم، وفي نفس الوقت كان متذوقاً للأدب والموسيقى. يتميز بلباقته في الكلام وأخلاقه العالية. دعاني يوماً إلى منزله، ومعي عدد من الأصدقاء لتناول العشاء عنده، ولبينا الدعوة جميعاً. وكان أيضاً يزورني بين الفترة والأخرى في مكان سكني، وبصحبته مجموعة من رفاقه، وكنا نتناول وجبة الصباح معاً في كثير من الأحيان. كان يحب المساعدة في كل شيء، وبالذات حينما يتعلق الأمر بالحاجة إلى سيارة لقضاء بعض المشاوير. كان يستمتع بخدمة الآخرين.

ذات شتاء، عدت إلى البحرين لقضاء إجازة قصيرة، ولما انتهت الإجازة قفلت عائداً. الشاب الهندي انقطعت أخباره، ولعدة أسابيع لم يتصل ولم ألتق به لا هو ولا حتى أي أحد من رفاقه الذين كنت أراهم دائماً معه. هاتفه مغلق، ولا وسيلة للوصول إليه، وبقي الحال هكذا مدة طويلة، لا أثر له إطلاقاً. وذات مرة، كنت أجري اتصالاً بالفيديو عبر جهاز الكمبيوتر، وبينما أنا أجري الاتصال، وردتني مكالمة من شخص كان صديقاً للشاب الهندي. كان يريد أن يدعوني الى حضور حفل زواجه، فاقتنصت الفرصة وسألته: أين صاحبك؟ لم أعد أسمع عنه أي خبر. فقال لي: لا تذكرني به فأنا لا أتواصل معه أبداً وأحاول دائماً أن أبتعد عنه، ولا أعلم أين هو الآن أصلاً. قلت له: لماذا؟ وهنا جاءت الصدمة. قال لي: لقد تشاجر مع والديه وانهال عليهما ضربا مبرحا، وقدما شكوى بحقه في الشرطة، وتم احتجازه ثم أحيل إلى مصحة نفسية. فاستغربت جداٌّ، إذ كيف يصدر عن شخص مثله وبمثل صفاته هذا التصرف! فقال لي: انتظر لتعرف ما هو أنكى وأعظم، إنه متورط على ما يبدو في قتل زوجته أيضاً! وطبعاً لم أتمكن من استيعاب الصدمة، قلت له: أنت تمزح، ما أعرفه أنه منفصل عن زوجته منذ فترة طويلة كما قال لي. فقال: لم يخبرك بالحقيقة، فزوجته ماتت مقتولة منذ عدة سنوات، وقد تم التحقيق معه حينها وأطلق سراحه لعدم ثبوت شيء عليه، لكن بعد اعتدائه على والديه بالضرب، أعتقد أن ملف القضية سيعاد فتحه.

عموماً لن أطيل عليكم في التفاصيل، فقد بقيت مصدوماً عدة أيام، وبعد استيعاب الصدمة شيئاً فشيئاً، بدأت أستذكر قليلاً بعض نظرات عينيه التي لم أفسرها في حينها أبداً على أنها نظرات شخص معتوه، والأخطر من ذلك، انه كان يزورني ويزور غيري من الأصدقاء، وكنا نرحب به أشد ترحاب، وكان لسانه ينطق حكماً ومعرفة، ناهيكم عن أنه يحمل شهادة عليا في علم النفس.

لكن صدق من قال: خذ الحكمة من أفواه المجانين.. ولكن بالتأكيد ليس دائماً من أفعالهم، ونحمد الله على السلامة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة