الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٣٩ - الأحد ٢٢ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٣ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

أخبار البحرين

غوص فـي ملف الهم الثقيل (١-٤)
٥١ ألف طلب إسكان تئن بصرخات أصحابها!







أولت مملكة البحرين منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي الملف الإسكاني أهمية كبرى، باعتباره أحد المكونات التي سعت القيادة الرشيدة إلى تأمينها للمواطنين لضمان سبل الحياة الكريمة والاستقرار المعيشي.

وتملك مملكة البحرين تاريخاً حافلاً من الإنجازات على الصعيد الإسكاني، لعل أهمها خلال فترة الستينيات هو تأسيس مدينة عيسى التي كانت تشكل ثقلاً استراتيجياً في ذلك الوقت لاستيعاب وحدات السكن الاجتماعي للمواطنين، وأخذت تلك المدينة في الإعمار حتى أضحت واحدة من أكثر المناطق الحيوية بالمملكة.

ثم جاء تأسيس وزارة الإسكان عام ١٩٧٥ كنقطة انطلاق حقيقية نحو نشر المشاريع الإسكانية في مختلف ربوع المملكة، فعملت جاهدة على توفير وحدات السكن الاجتماعي وسعت إلى تطويرها بمرور الزمن وبحسب الامكانيات والمواصفات التي كانت متاحة، ولا يخفى الدور الكبير الذي اضطلعت به الوزارة في تأسيس مدينة حمد مطلع الثمانينات، كثاني أكبر المشاريع الاستراتيجية إلى جانب مدينة عيسى، وما شهدته من نهضة عمرانية ساهمت في استيعاب النمو السكاني المتزايد على وحدات السكن الاجتماعي، فضلاً عن المشاريع الاسكانية التي أدرجت في قرى ومناطق البحرين المختلفة.

كل تلك الانجازات وما سيلي ذكره لم تكن لتكون أمراً واقعاً لولا الإرادة التي استمدتها الوزارة من الرؤية الثاقبة للقيادة الرشيدة، والبرامج الطموحة للحكومة التي سعت ولا تزال إلى توفير سبل الراحة للمواطنين، معطية الأولوية للسكن باعتباره من أهم أولويات المواطنين البحرينيين.

أضحت واحدة من أهم

وقد سعى جميع الوزراء الذين تعاقبوا على تحمل مسئولية ملف الإسكان حتى يومنا هذا إلى توفير سكناً اجتماعياً ملائماً يضمن الاستقرار المعيشي للأسر البحرينية، عبر نشر المشاريع الإسكانية في مختلف محافظات المملكة، إلا أن عوامل أسهمت في تراكم الطلبات الإسكانية، شأننا في ذلك كشأن العديد من دول العالم، حيث تتشابه تلك الدول ومن ضمنها مملكة البحرين من حيث الفجوة ما بين المعروض من المشاريع وبين الزيادة المطردة في عدد الطلبات الإسكانية عام بعد آخر.

ومع تسلم المهندس باسم بن يعقوب الحمر مسئولية الملف الإسكاني، سعت الوزارة إلى إجراء العديد من الدراسات لتقييم حجم الفجوة الإسكانية، والتي على اثرها وضعت الوزارة سياسات اسكانية واضحة لتقليص حجم الفجوة، آخذة في الاعتبار جميع التحديات سواء التي تواجه المشاريع الإسكانية الحالية، أو التحديات المستقبلية وخاصة أن نسبة الشباب بالمملكة تبلغ حوالي ٦٠% وهو ما يعني أن حجم الطلب على المشاريع الاسكانية سيشهد زيادة مطردة، مما يتطلب وضع الحلول المناسبة لزيادة عدد المشاريع الاسكانية.

تشير احصائيات الوزارة إلى أن الحكومة استطاعت خلال السنوات الماضية أن تقدم أكثر من ٩٠ ألف خدمة إسكانية للمواطنين، استفاد منها حوالي ٦٥% من المواطنين البحرينيين ذوي الدخل المحدود، وبكُلفة تقدر بما بين حوالي ٢,٥ إلى ٢,٨ بليون دينار بحريني، وقدمت هذه الخدمات إلى المواطنين بكُلفة مخفضة من خلال توفير الأراضي بسعر الكلفة، وتوفير القروض بأسعار فائدة تقل عن أسعار السوق.

وبمرور السنوات، تزايد حجم الطلب على السكن الاجتماعي بالمملكة، كنتيجة طبيعية لارتفاع نسبة الكثافة السكانية، صاحبه في ذلك بدء انحسار جزئي لمساحات الأراضي التي تصلح لبناء المشاريع الإسكانية، وأخذت الكثافة السكانية في تزايد مطرد ظهرت ذروته خلال التسعينيات والسنوات العشر الأولى من الألفية الجديدة، ومع تزايد الطلب وقلة المعروض، أخذت الطلبات الإسكانية في التراكم على قوائم الانتظار، حتى وصل العدد إلى ٥٠ ألف طلباً إسكانياً، وزادت فترات انتظار الوحدات السكنية خلال العقد الأخير إلى ١٥و١٨عاماً.

وبات الملف الإسكاني من الملفات التي تؤرق المواطن البحريني، وبات التركيز الحكومي منصباً على كيفية إعادة التوازن من جديد إلى القطاع الإسكاني، وعمل وزراء الإسكان السابقين وصولاً إلى وزير الإسكان الحالي المهندس باسم بن يعقوب الحمر على إيجاد الخطط والحلول لزيادة عدد المشاريع وتلبية احتياجات المواطنين الإسكانية.

«محاولات مستمرة لإيجاد الحلول الإسكانية»

وإحقاقاً للحق فإن محاولات البحث عن حلول إسكانية لم تنقطع من قبل الوزراء السابقين الذي حققوا انجازات كبيرة على صعيد بناء المشاريع الإسكانية، في حدود الطاقة الاستيعابية للوزارة، كما كانت الحلول الإسكانية حاضرة في العهد الزاهر للقيادة الرشيدة والحكومة، حيث تنوعت الخدمات الإسكانية التي تقدمها الوزارة، ولم تقتصر على الوحدات السكنية فقط، فقدمت الوزارة قروض البناء والترميم والشراء، فضلاً عن القسائم السكنية، وشقق التمليك، وبفترات سداد مريحة للغاية تمتد إلى أكثر من ٢٥ عاماً، واستطاعت تلك الخدمات أن تلبي الاحتياجات الإسكانية لكثير من المواطنين، لكن العدد الأكبر فضل انتظار الوحدات السكنية، وهو ما أسهم في تكدس الطلبات أكثر وأكثر.

وخلال العقد الأخير تحديداً شرعت القيادة الرشيدة والحكومة في دعم الملف الإسكاني من خلال توفير إجراءات تخفف من أعباء رب الأسرة البحرينية، فقد تفضل جلالة الملك المفدى بإصدار المكرمات الملكية السامية التي تقضي بإسقاط أجزاء من القروض والمستحقات المالية عن المنتفعين بالخدمات الإسكانية والتي بلغت قيمتها الإجمالية حوالي نصف مليار دينار بحريني، كما أصدرت الحكومة قراراً يقضي بصرف علاوة سكن للمواطنين الذي مضى على تاريخ تقدمهم بطلبهم الإسكاني ٥ سنوات فما فوق، الذي كان الهدف منه أن يسهم إلى جانب الشقق المؤقتة في إعانة الأسر ذات الظروف الصعبة حتى تتم تلبية طلباتهم الإسكانية.

«تقييم شامل للملف الإسكاني لإيجاد حلول جذرية»

كل تلك المقدمة سالفة الذكر الهدف منها تجسيد الأسباب التي آلت إلى تراكم الطلبات على قوائم الانتظار، وتسليط الضوء على الجهود التي بذلتها الدولة ولا تزال لحلحة الملف الإسكاني، فمن زيادة نسبة الكثافة السكانية، مروراً بمشكلة ندرة الأراضي وعدم صلاحية كثير منها للاستخدام في أعمال البناء بسبب عوامل التربة أو أسباب هندسية وتخطيطية أخرى، بل وانعدامها في بعض المناطق، وصولاً إلى تأخر بعض الإجراءات كالاستملاكات أو الإخلاءات أو تنسيق الأمور الفنية بين الوزارات والجهات الحكومية ذات العلاقة من أجل ضمان وصول الخدمات كالطرق والكهرباء والمياه والصرف الصحي إلى مواقع المشاريع الإسكانية، كل ذلك كان ولا يزال يسبب تأخيراً في بناء المشاريع وبالتالي التأخر في تلبية طلبات قوائم الانتظار.

ومع تولي المهندس باسم بن يعقوب الحمر وزير الإسكان لحقيبة الوزارة منذ العام الماضي ٢٠١١، بدأت سلسلة من الاجتماعات المكثفة داخل الوزارة وخارجها، مع الاستعانة بجهات الاختصاص لإعداد الدراسات اللازمة لتقييم الملف الإسكاني، ووضع اليد على الأسباب الرئيسية والواقعية ومكامن الخلل التي آلت إلى فقدان توازن الملف الإسكاني وبالتالي تراكم الطلبات، مستعيناً في ذلك بخبرات المسئولين والمتخصصين بوزارة الإسكان، وبالتقارير التي تعود إلى عهد وزراء الإسكان السابقين، لوضع خطة إسكانية طموحة تمثل خريطة الطريق نحو إيجاد حلول جذرية للعقبات التي تواجه الملف الإسكاني، ليس فقط لتلبية الـ ٥٠ ألف طلب إسكاني، بل لضمان استدامة ملف الإسكان مستقبلاً، آخذين في الاعتبار جميع التحديات الحالية والمستقبلية من النواحي كافة، وفقاً لأحدث الاحصائيات والدراسات، ومستخدمين أحدث الأساليب العلمية لوضع تلك الخطة الاستراتيجية.

«نتائج مرحلة التقييم»

وقد أظهرت الدراسات والتقارير أن الزيادة المطردة في عدد الطلبات الإسكانية بدأت منذ عام ١٩٩٩، وأخذ ذلك المنحنى في التصاعد ليصل عدد الطلبات الإسكاني في عام ٢٠٠٧ إلى ٣٦ ألف طلب إسكاني، ليستمر المنحنى في الصعود مرة أخرى ويصل مع نهاية عام ٢٠١١ إلى ٥١ ألف طلب إسكاني.

كما أظهرت الدراسات والإحصائيات أن المحافظة الشمالية تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد طلبات المواطنين القاطنين بها، والمدرجين على قوائم الانتظار بنسبة ٣٣% من إجمالي الطلبات، تليها المحافظة الوسطى بنسبة ٢٩%، ثم محافظة المحرق بـ ١٧، ثم العاصمة ١٣%، وأخيراً الجنوبية ٧% من إجمالي الطلبات.

كما خرجت مرحلة التقييم والدراسات بحصر شامل لحجم الأراضي المتاحة لدى الوزارة، والأراضي المتوافرة ولكن ليست متاحة، بالإضافة بحث أسباب تعطل العمل في تنفيذ مشاريع مدن البحرين الجديدة التي تضم المدينة الشمالية وشرق الحد وشرق سترة، ومشاريع المجمعات السكنية العالقة لأسباب مختلفة، فضلاً عن تأخر تنفيذ برنامج الشراكة مع القطاع الخاص لبناء مشاريع السكن الاجتماعي، وهو أحد الحلول الاستراتيجية الذي بإمكانه الإسهام في مساعده القطاع الحكومي في انجاز المشاريع الاسكانية.

«حلول عاجلة.. وبدء رسم ملامح الخطة الاستراتيجية»

من خلال ما سبق من مشكلات وتأخيرات في نسب الإنجاز، وضعت الوزارة حزمة من الحلول العاجلة التي تكفل معالجة ما يواجه المشاريع القائمة من عقبات أو تأخيرات، فتم تكثيف الاجتماعات مع الجهات ذات العلاقة بالمشاريع الإسكانية خارج الوزارة لتحريك ركود بعض المشاريع، وتسريع وتيرة العمل في مشاريع أخرى، والتسريع في إنهاء إجراءات الاستملاكات والتخطيطات وغيرها، ونجحت الوزارة فعلياً في تحريك الكثير من المشاريع التي تم توزيعها بالفعل خلال شهر ديسمبر الماضي بعد مباشرة العمل بها، وحتى قبل أن يتم الانتهاء من إنجازها بشكل كامل، في خطوة كان هدفها الأبرز طمأنة المواطنين.

كما قامت الوزارة بعقد عدة اجتماعات عمل مع المقاولين المعتمدين لدى الوزارة للتعرف على أبرز العقبات التي تواجههم، والعمل على حلها، وتحفيزهم على ضرورة زيادة التعاون مع الوزارة في ظل إقبالها على إطلاق عدد ضخم من المشاريع الإسكانية وفق معايير ومواصفات مستحدثة سيتم ذكرها لاحقاً، وهو ما كان يتطلب ضرورة التواصل والتنسيق المستمرين لتجنب حدوث أي فجوات أو تأخيرات مستقبلية.

وبالتوازي مع ذلك، وضعت وزارة الإسكان خطة استراتيجية خمسية تتضمن ٥ محاور رئيسية ترى الوزارة أنها تمثل الحلول الواقعية لتلبية قوائم الانتظار خلال الأعوام الخمسة المقبلة، أولها تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، حيث سعت وزارة الإسكان إلى تفعيل دور القطاع الخاص في بناء وحدات السكن الاجتماعي والاقتصادي، عن طريق اتفاق شراكة يقضي ببناء المشاريع الإسكانية تحت مظلة المعايير الإسكانية التي تتبعها وزارة الإسكان، من حيث تصميم الوحدات، وثبات السعر حتى لا يتكبد المواطنون مبالغ إضافية، على أن تقدم الوزارة التسهيلات اللازمة لبناء تلك المشاريع، وتوفير الأراضي التي من المقرر بناء المشاريع الإسكانية عليها.

أما المحور الثاني فكان يشير إلى إدخال مشاريع مدن البحرين الجديدة حيز التنفيذ والتي تشمل المدينة الشمالية، ومدينة شرق الحد، ومدينة شرق سترة، كأولوية كبيرة ضمن خطتها الاستراتيجية الخمسية، حيث تنظر الوزارة إلى تلك المشاريع على أنها أحد أكبر وأبرز الحلول التي من شأنها أن تحلحل الطلبات الإسكانية بشكل كبير، فيما ارتكز المحور الثالث على تكثيف عدد مشاريع المجمعات السكنية التي تنفذها وزارة الإسكان في مختلف محافظات المملكة، والعمل على تسريع وتيرة عملها، وقد أعدت وزارة الإسكان خطة طموحة لبناء عدد كبير من المجمعات السكنية خلال العام الماضي، واستطاعت أن تدخلها إلى حيز التنفيذ، وتشمل على سبيل الذكر مشاريع شمال شرق المحرق، وعراد، والدير وسماهيج، وغرب البسيتين، والبرهامة والقلعة، وجدحفص، والمالكية، والزلاق، والحنينية ومدينة حمد بالإضافة إلى عدد من المشاريع الأخرى.

ويتطرق المحور الرابع بالخطة إلى برنامج المطورين العقاريين، وهو البرنامج الذي ما إذا تم التوافق عل صيغته النهائية واعتماده، سيتم من خلاله تحفيز المطورين العقاريين والمستثمرين على استخدام أراضيهم لبناء وحدات سكن اجتماعي، بناءً على المعايير الفنية لوزارة الإسكان، فيما يتضمن المحور الرئيسي الخامس والأخير نظام الرهن العقاري، الذي يهدف إلى توفير نظام مستدام لتقديم الرهون العقارية للمستحقين من خلال التعاقد مع القطاع المصرفي الخاص وتأسيس عدد من المؤسسات التي من شأنها تيسير وتحفيز المؤسسات المالية في القطاع الخاص للدخول في مجال التمويل المالي ومن خلال توفير الضمانات والمنح المالية، وسيكون لذلك الأثر البالغ في تسهيل حصول المواطنين على قروض إسكانية طويلة الأمد وبأسعار فائدة اقل. كما سيسهم المشروع في توسيع نطاق الخدمات الإسكانية لتصل إلى شرائح جديدة من المجتمع مثل الأسر ذات الدخل المتوسط والذين لا تشملهم معايير الاسكان الحالية للاستفادة من الخدمات الإسكانية.

وسوف نتحدث خلال حلقات النشر المقبلة الخطوات التي اتخذتها وزارة الإسكان من أجل رفع قدراتها، والانجازات التي استطاعت الوزارة تحقيقها على مدار عامٍ كامل، فضلاً عن التحسينات وأعمال التطوير التي طالت إدارة الخدمات الإسكانية، والخطط المستقبلية التي تنوي الوزارة تنفيذها على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.













.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

الأعداد السابقة