الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٥ - السبت ٢٨ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ٩ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي.. من بني سليم إلى المدينة المنورة





«الإمام الأكبر محمد سيد طنطاوي.. من بني سليم إلى المدينة المنورة» كتاب أعدته لجنة البحوث بالإدارة العامة لبحوث الدعوة بمصر تحت إشراف د. سالم عبدالجليل.. ولد العالم الجليل د. محمد سيد طنطاوي الراحل في قرية «سليم الشرقية» التابعة لمركز «طهطا» محافظة سوهاج في ١٣ من جمادى الأولى سنة ١٣٤٧هـ الموافق ٢٨ من أكتوبر سنة ١٩٢٨ وكان والده - رحمه الله - قد نذره للعلم فنشأ محبا للعلم ومواظبا على ما يكلفه به مشايخه من حفظ للقرآن الكريم؛ وقد أتم حفظ القرآن وهو في الثالثة عشرة من عمره.

والكثير من الناس يكتفون بما حصلوه من شهادات علمية إلا أن هذا الصنف الفريد من الناس لا يقف عند حد ولا يقنع بشهادة من العلم؛ لذا فقد واصل شيخنا دراسته العليا بكلية أصول الدين في قسم التفسير والحديث، ثم سجل رسالة الدكتوراه وموضوعها: «بنو إسرائيل في القرآن والسنة» وحصل على تقدير امتياز، وتدرج في المناصب القيادية، عندما صدر قرار بإنشاء كلية أصول الدين بأسيوط سنة ١٩٦٨م نقل إليها لكفاءته عميدا لكلية أصول الدين بأسيوط في سنة ١٩٧٦م، وفي سنة ١٩٨٥ عين عميدا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وفي الثامن والعشرين من شهر أكتوبر ١٩٨٦ صدر قرار جمهوري بتعيينه مفتيا للديار المصرية، وشاء الله ؟ عز وجل ؟ أن يكون يوم تعيين فضيلته في هذا المنصب موافقا ليوم ميلاده في ٢٨ أكتوبر ١٩٢٨، بعد أن بلغ الثامنة والخمسين.

وأصدر فضيلته خلال قيامه بوظيفة الإفتاء كثيرا من الفتاوى التي كان لها أثرها في المجتمع مواكبة لمتغيرات العصر، ومن هذه الفتاوى فتوى تحريم مصادرة الأموال إلا عن طريق الهيئات القضائية، وفتوى إلغاء ضريبة التركات، وفتوى تنظيم الأسرة وفتوى نقل الأعضاء وغيرها.

وفي شهر مارس ١٩٩٦م صدر قرار جمهوري بتعيين فضيلته شيخا للأزهر الشريف، ومن ملامح فكره ومنهج دعوته حرصه على العدالة الاجتماعية، ويظهر ذلك من خلال إجابته عن سؤال وجه إلى فضيلته كان نصه: مصادرة أموال الناس من دون تعويض حلال أم حرام؟ وهل رد المال إلى أصحابه حتى لو كانت قد انقضت عشرات السنين على المصادرات واجب أم لا؟ وقد أجاب فضيلة المفتي عن السؤال الأول بقوله: من التشريعات الحكيمة التي قررتها الشريعة الإسلامية لحماية أموال الناس: قطع يد السارق متى توافرت الشروط التي تحتم تنفيذ هذه العقوبة، قال تعالى: «والسارق والسرقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم» ثم أوجبت عقوبة أشد ردعا لقطاع الطريق الذين يسلبون الناس أموالهم ظلما وعدوانا.

وللإجابة عن الشق الثاني يقول: إن شريعة الإسلام توجب على الغاصب أن يرد الشيء المغصوب، أو قيمته إذا أتلفه، كما أنها قد قررت أن الأموال المغتصبة لا تتقادم الزمان، بل يجب أن ترد هي أو قيمتها إلى أصحابها فإذا كانوا قد ماتوا، ردت إلى ورثتهم ، والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ويشير الكتاب إلى أخلاق فضيلة الإمام فقد أثار الدكتور طنطاوي ضده الكثير من علماء الأزهر من أصحاب الفكر التقليدي المحافظ الذين يؤثرون السلامة ولا يرغبون في اتخاذ المواقف التي تمليها ظروف العصر ومقتضيات الزمن ومستجدات الدهور.

لقد أخذ الدكتور طنطاوي مواقف لمصلحة المرأة المسلمة، وأكد حقوقها التي جاء بها الإسلام الحنيف. لقد تبرع فضيلته بكل ما رزقه الله تعالى من أموال وصلت إليه عن طريق مؤلفاته وبحوثه وأحاديثه عبر الوسائل الإعلامية داخل مصر وخارجها، ومن واقع المستندات الرسمية فقد بلغت هذه التبرعات حتى نهاية شهر ديسمبر ٢٠٠٩ سبعة ملايين وسبعين ألف جنيه.

وفي جزء آخر من هذا الكتاب، نرى بعض أقوال الدعاة عن فضيلة الشيخ، يقول الدكتور يوسف القرضاوي: كان الشيخ طنطاوي دمث الخلق، لطيف المعشر، ولكنه ابن الصعيد حقا، لا يحسن التجمل ولا التكلف بل يتعامل على السجية، وهو طيب القلب، يألف ويؤلف ما لم يستفزه أحد بالحق أو بالباطل، فيثور ويخرج عن طوره.

وعن مكانة الشيخ عند المسيحيين المصريين كتب إميل أمين عند رحيل الإمام الشجاع في الزمن الصعب قائلا: ربما لم تجمع مصر على تكريم راحل مثلما أجمعت في الأيام القليلة الماضية على تكريم اسم شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، ذلك الرجل الطيب الذي اعتبر شيخا للإسلام المصري، ذلك الإسلام السمح المعتدل الذي لا يعرف التعصب ويرفض الغلو.

ويقول د. محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق: «إن افتقاده يمثل خسارة كبيرة لمصر وللعالم الإسلامي، وعزاؤنا أنه أدى رسالته حتى اللحظة الأخيرة على خير وجه، فقد عاش طوال حياته يعمل جاهدا على نشر قيم الإسلام الرفيعة كالاعتدال والوسطية والتسامح».

ويرسل د.عبدالهادي التازي تحية من المغرب إلى روح شيخ الأزهر سيد طنطاوي.. يقول: «زرته ذات مرة بمكتبه في الأزهر ومعي حفيدتي «أسمهان» التي تهيبت أول الأمر أن تقتحم على الشيخ مكتبه الذي كان يعج بالزوار من كل جهات الدنيا، لكنها فوجئت بأنها تجد نفسها أمام أب عطوف خلوق، أمام أستاذ كبير ومتواضع أيضا، يشاركها هوايتها الصحفية ويدخل معها أجواء الصحافة وفؤاد الصحفيين، وكنت مدينا لصديقنا الراحل - رحمه الله- بالحصول على نسخة من كتاب «المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم» لأبي العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي في الإسكندرية عام ٦٥٦هـ ١٢٥٨-م. كانت النسخة نادرة وجاءت ندرتها من أنها كانت بخط الرحالة المغربي ابن بطوطة الذي اكتشفا أنه كان عام ٧٢٧هـ ؟ ١٣٢٧م بدمشق بالمدرسة العزيزية.. رحم الله أخانا الدكتور محمد سيد طنطاوي، وأعان العلامة الجليل الشيخ الطيب على تحمل العبء الذي كان يذكرنا دائما بنصيحة ابن سعيد ومن سار على درب ابن سعيد».

المواطنة من منظور إسلامي

ومن كتابات فضيلته «المواطنة من منظور إسلامي» فيقول: الإنسان العاقل السوي تراه في كل مراحل حياته، يشتاق إلى موطنه الذي ولد على ترابه، وفوق أرضه نشأ، وتحت سمائه استظل، ومن هوائه تنفس، ومن طعامه وشرابه ترعرع، ولقد ضرب لنا سيدنا وشفيعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في الدفاع عن الأرض التي ولد فيها، وعاش على ربوعها أكثر من خمسين سنة، وبين أهلها لقب بالصادق الأمين، ففي الحديث الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دعا للمدينة فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في مدها وانقل حماها واجعلها بالجحفة، اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة البركة».

وهذا أمير الشعراء أحمد شوقي ؟ رحمه الله ؟ يعود من منفاه ببلاد الأندلس إلى وطنه مصر بعد أن فارقه فيصور سروره وهو في طريقه إليه تصويرا مؤثرا فيقول:

ويا وطني لقيتك بعد يأس... كأني قد لقيت بك الشبابا

وكل مسافر سيؤوب يوما... إذا رزق السلامة والإيابا

ولقد قال الحكماء: حب الوطن من الإيمان، والمواطنة بمعنى تآلف الناس وتعاونهم في بلد واحد، أو في موطن واحد، بصرف النظر عن عقائدهم دليل على سلامة العقول والوجدان.



خدمة(وكالة الصحافة العربية)



















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة