الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٤٧ - الاثنين ٣٠ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ رمضان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

يوميات سياسية

بالنسبة لحادثة الـ ١١ مليون دولار





كما نعلم، تفجرت في الفترة الماضية حالة من الغضب العام بسبب حادثة الـ ١١ مليون دولار، التي ادخلها امريكي الى البحرين وقيل إنها لدفع رواتب الامريكيين في القاعدة.

كثير من الزملاء الكتاب، ومن الناشطين وفي جمعيات سياسية وطنية، عبروا كلهم عن غضبهم من الحادثة، واعتبروا ان العملية برمتها هي عملية مشبوهة، خاصة وان تقريرا اعلاميا كان قد ذكر في البداية ان هذه الاموال هي لتمويل جمعية سياسية او ناشطين معارضين.

لأول وهلة، يبدو هذا الغضب العام غير مفهوم تماما وليست له مبررات كثيرة.

لماذا؟.. لأنه حتى لو افترضنا فعلا ان هذه الاموال كانت مخصصة لتمويل معارضين وقوى طائفية.. فما هو الجديد هنا الذي يستدعي كل هذا الغضب؟

ألسنا نعلم جميعا ان امريكا، ومنذ سنوات طويلة في الحقيقة، تحتضن جماعات وقوى طائفية في البحرين، وتدعمها بسبل عديدة للدعم؟

ألسنا نعلم جميعا، ان امريكا تقدم اموالا لهذه الجماعات والقوى وهؤلاء الافراد، وتمول ايضا برامج لتدريبهم ولرحلاتهم المشبوهة الى الخارج؟

كلنا يعلم هذا. والامر ليس سرا على اية حال. الامريكان انفسهم لطالما تحدثوا عن هذا الدعم والتمويل، وان كانوا يتحدثون عنه بالطبع على اعتبار انه يأتي في اطار دعم الديمقراطية وتشجيع المجتمع المدني.. الى آخر هذه الشعارات التي اصبحت نكتة في غاية السماجة.

بالطبع، هذا هو ما يعلنه الامريكان. لكن نعلم ايضا انه بعيدا عن المعلن، فان الدعم الذي يقدمونه الى هذه القوى المشبوهة في البحرين، ليس الا جزءا يسيرا مما يقدمونه فعلا إليهم من سبل دعم مالي وسياسي واعلامي.

الكل يعلم هذا. فما هو الداعي اذن لهذا الغضب الذي عبر عنه الكثيرون بعد اكتشاف حادثة الـ١١ مليون دولار؟

الحقيقة ان هذا الغضب ليس لأن الناس اكتشفت امرا جديدا لا تعلمه، وليس لأنها فوجئت مثلا بان هناك شبهات حول تمويل امريكي لجماعات طائفية مخربة.

الغضب وراءه اسباب كثيرة، في مقدمتها ما يلي:

١ – الناس غضبت اولا لأنها لم تقتنع كما هو واضح بالرواية الرسمية عن حادثة الـ١١ مليون دولار. والناس على حق. فالرواية متهافتة الى حد كبير.

بعبارة اخرى، الناس غضبت لأنها شعرت ان هناك اما تسترا على امر خطير لا يجوز التستر عليه، واما استهتارا بأمر خطير لا يجوز الاستهتار به.

٢ – والناس غضبت لأن الحادثة جاءت لتذكرها بخطر حقيقي وجسيم يتهدد البلد.

بعبارة اخرى، الناس مع هذه الحادثة استشعرت ان الخطر الذي تعرفه ما زال كما هو على الرغم من كل ما شهدته البلاد.

نعني بالطبع، الخطر الذي يمثله الاحتضان والدعم الامريكي لجماعات وقوى طائفية مخربة، بكل ما يترتب على ذلك من تبعات خطيرة تتهدد امن البلاد واستقرارها وسلامها الاجتماعي ومستقبلها.

ومرة اخرى، الناس بلا شك عندها حق. فبعيدا عن الحادثة نفسها، خطر الموقف الامريكي والتدخل السافر في الشئون الداخلية والانحياز الى القوى الطائفية ، ليس خطرا افتراضيا او متخيلا. الاحداث اثبتت انه خطر ماثل بالفعل.

٣ - والناس غضبت لأنها استشعرت ان الدولة لا هي تصارحهم بالحقيقة، ولا هي تتخذ موقفا عمليا حازما يعرفه الناس في مواجهة الخطر.

بسبب الحادثة، استشعر الناس ان الدولة تتجنب مصارحة الراي العام بالحقائق بشأن هذه القضية الخطيرة. وليس مهما هنا سبب تجنب الدولة هذه المصارحة.

والناس ، في حدود ما تعلم على الاقل وما تستشعره ، تعتقد ان الدولة مقصرة في مواجهة هذا الخطر، وفي اتخاذ ما يلزم من مواقف وسياسات واجراءات.

والأمر اذن ان حادثة الـ١١ مليون دولار، وبغض النظر عن الحقيقة بشأنها التي لم نعرفها بعد، ورد الفعل الغاضب بشأنها، انما جاء في جوهره بمثابة مناسبة لتنبيه الرأي العام للدولة بخطورة القضية، وبفداحة هذا الخطر، وبمثابة مطالبة من الرأي العام للدولة بان تتخذ الموقف المطلوب والاجراءات المطلوبة.

لكن، ماذا يتوقعه الناس من الدولة بهذا الشأن بالضبط؟

هذا حديث آخر بإذن الله.















.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة