الناس تريد أن تعرف
 تاريخ النشر : الثلاثاء ٣١ يوليو ٢٠١٢
السيد زهره
قلت في مقال أمس ان الغضب العارم الذي عبر عنه الكثيرون في البحرين فيما يتصل بحادثة الـ١١ مليون دولار هو في جوهره بمثابة تنبيه للدولة بخطورة القضية.. قضية الدعم الأمريكي لجماعات وقوى طائفية متطرفة, ومطالبة باتخاذ ما يلزم من مواقف واجراءات ازاء ذلك. وطرحنا التساؤل: ماذا يتوقع الناس من الدولة بالضبط بهذا الخصوص؟
وبداية, لا بد ان نعيد تأكيد ما سبق وذكرناه من ان الناس حين تغضب وتقلق, فذلك لأننا بالفعل ازاء قضية خطيرة .
نحن قبل كل شيء, ازاء تدخل امريكي سافر في شئون البحرين الداخلية اتخذ صورا ومظاهر متعددة من اخطرها هذه العلاقات المشبوهة التي نسجتها امريكا مع هذه القوى والجماعات الطائفية.
ولسنا ازاء تدخل في شئون داخلية فقط, لكن نحن ازاء عملية تواطؤ امريكي باتت واضحة مع مشروع طائفي ومع قوى متطرفة تخريبية. هو ليس تواطؤا فقط. هو احتضان ودعم امريكي لهذا المشروع.
وهذا التواطؤ والدعم الأمريكي للمشروع الطائفي وللقوى المتطرفة ترتبت عليه بالفعل حتى الآن نتائج خطيرة, اقلها تشجيع التطرف الطائفي, والاسهام فعليا في استمرار اعمال العنف في البلاد.
على ضوء هذا, فان الناس حين تغضب, وحين تتوقع من الدولة مواقف واجراءات للتعامل مع هذه القضية, فانها تريد تحديدا ان تعرف امورا محددة:
١- الناس تريد بداية ان تعرف, ما هي حدود هذه الظاهرة بالضبط؟.. تريد ان تعرف هنا معلومات عن امور محددة: ما هو بالضبط حجم الدعم الذي قدمته امريكا الى هذه القوى والجماعات في السنوات الماضية, وخصوصا الدعم المالي؟.. وكيف تقدم الولايات المتحدة هذا التمويل والدعم.. باي طرق وسبل ؟.. ومن هم تحديدا الذين تلقوا هذا الدعم؟
الناس تريد ان تعرف هذا لأنها تفترض بداهة ان الدولة ليست غافلة عن هذا التمويل والدعم, وتفترض ان لديها كل المعلومات المتعلقة بذلك.
٢- والناس تريد ان تعرف, ما الذي فعلته الدولة بالضبط, وما الذي تعتزم ان تفعله ازاء هذه القضية؟
الناس تريد ان تعرف هنا مثلا, ما هي الخطوات التي اتخذتها الدولة لوقف التدخل الامريكي بشكل عام في شئون البلاد الداخلية؟.. هل اتخذت الدولة أي خطوات لوقف هذا التمويل وهذا الدعم للقوى الطائفية؟.. وهكذا.
٣- والناس تريد ان تعرف, لماذا احجمت الدولة حتى الآن عن اتخاذ أي خطوات عملية ملموسة لمحاسبة الجماعات والقوى والافراد الذين يتلقون هذا التمويل والدعم الأمريكي؟.. وما هو رأي الدولة اصلا في هذا الشأن؟.. هل تعتبر مثلا ان هذا التمويل امر مقبول ومشروع وليست هناك مشكلة معه؟
٤- والناس تريد ان تعرف بشكل عام, ما الذي تعتزم الدولة ان تفعله ازاء قضية التمويل الاجنبي بصفة عامة؟.. ما الذي تعتزم ان تفعله على المستوى القانوني والتشريعي, وعلى المستوى العملي.. وهكذا.
هذه بشكل عام هي الجوانب التي نظن ان الناس تريد ان تعرفها, والتي كانت هي الجوهر والهدف الاساسي من الغضب الذي عبر عنه الكثيرون فيما يتعلق بحادثة الـ١١ مليون دولار.
لا بد ان نشير هنا الى ان الناس كلها تعلم بالتأكيد حساسية القضية, وتعقيدات العلاقة بين البحرين وامريكا . ولا نظن ان احدا حين يثير هذه القضية او يعبر عن غضبه ويطالب الدولة باتخاذ ما يلزم ازاءها, في باله الدعوة الى مواجهة مع امريكا او أي شيء من هذا القبيل.
لكن في نفس الوقت, الناس لا تقبل, وتحت ذريعة, القول إن امريكا دولة عظمى او ان للبحرين علاقات متميزة مع امريكا, وان هذا يبرر الصمت تماما عن القضية وعدم الاقدام على أي موقف او اجراء ازاءها.
والحقيقة ان المطلوب هنا بسيط وتفعله كل دول العالم الحريصة على امنها وسلامة جبهتها الداخلية.
المطلوب ببساطة شديدة ان تضع الدولة تشريعات وقوانين محددة وصارمة تمنع مثلا اي قوة محلية من تلقي تمويل اجنبي وتجرمه, او تحدد الضوابط الوطنية التي تحكم مسألة تلقي أي جهة محلية ايا كانت تمويلا اجنبيا من أي جهة ايا كانت, وبحيث تضمن هذه التشريعات والقوانين الا يصبح هذا التمويل في أي حال تهديدا لأمن البلاد او تشجيعا لمشاريع مشبوهة تهدد الوطن وسلامه الاجتماعي وامنه الوطني. والمطلوب ان تحاسب الدولة بصرامة شديدة كل من يتجاوز هذه القوانين بما من شانه ان يردع كل من تسول له نفسه الاستقواء باجنبي باي صورة.
هذا هو المطلوب في الحد الادنى.
وكما قلت كل دول العالم تفعل هذا. وقد رأينا مثلا في الفترة الماضية, ان السلطات المصرية قدمت منظمات التمويل الامريكي الى المحاكمة, وما زالت القضية منظورة امام القضاء, وفضحت السلطات المسئولة الاهداف المشبوهة وراء هذا التمويل وبينت للرأي العام خطرها على الامن القومي. ورأينا ايضا ان دولة كبرى مثل روسيا وضعت قانونا للتعامل مع هذا المنظمات التي تتلقى تمويلا اجنبيا وحددت ضوابط محددة تحكم عملها.
أما اذا كانت الدولة ترى انه لا توجد مشكلة او قضية اصلا, ولا يوجد أي شيء يثير القلق من تلقي هذه الجهات المحلية تمويلات امريكية او اجنبية عموما, فإذن فلتقل هذا للناس وتقنعهم برأيها.
.
مقالات أخرى...
- بالنسبة لحادثة الـ ١١ مليون دولار - (30 يوليو 2012)
- الذين يريدون الثأر من ثورة يوليو - (29 يوليو 2012)
- القانون الروسي والمنظمات المشبوهة - (26 يوليو 2012)
- لأن الأقنعةالأمريكية سقطت - (22 يوليو 2012)
- الاستقواء بالتدخل الأمريكي في مصر - (19 يوليو 2012)
- كلينتون والفتنةالأمريكية في مصر - (18 يوليو 2012)
- لماذا زارت هيلاري كلينتون مصر؟! - (17 يوليو 2012)
- ملاحظات حول توضيحات وزارة الخارجية - (16 يوليو 2012)
- توضيحات من وزارة الخارجية - (15 يوليو 2012)