الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٥٠ - الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٣٣ هـ

عالم يتغير

ماكينة المصطلحات المخادعة







×يبدو أن القاموس السياسي للوفاق قد خلا وفاضه من الاستخدامات الماضوية والحداثوية، فلم يبق لأمينها العام "علي سلمان" كما تداول البعض عما قاله في مجلس رمضاني انه يريد "حكومة إنسانية"، وبالطبع ؟ وحسب الحلم الانقلابي - لكي يدخل فيها ويترأسها المزورون، الذين كشفتهم وثائق الويكيليكس الجديدة مؤخرا حول تزوير (الوفاق ووعد) في انتخابات "اتحاد عمال البحرين".

الذين وجعوا رؤوسنا طوال الوقت حول الفساد وكذب الأجهزة الرسمية وحول التزوير وحول شعارات الشفافية والنزاهة هم أنفسهم الكاذبون والمخادعون بل المزورون، ورغم تواصل الفضائح فان القاموس السياسي من جانب "الوفاق" وأتباعها مستمر في بث المصطلحات المخادعة وآخرها أيضا "خفافيش الظلام"الذي ينطبق على المخربين لا غيرهم رواد الحرق والصدام مع رجال الأمن ولكي تتغير بعد الفشل موسيقى بعض الشعارات من إسقاط النظام إلى إصلاح النظام، وليأتي "علي سلمان" بتغيير مطلب الحكومة المنتخبة إلى مطلب "الحكومة الإنسانية"، ولعله يقصد بعد أن تخلى عن الأخلاقيات المهنية تجاه ما يفترض أنه وطنه لينادي بحكومة إنسانية، يدخل فيها ويشكلها المزورون.

×حين كتبنا مرات عديدة ومنذ الشهور الأولى للأحداث أن الأزمة في البحرين هي أزمة أخلاقية بالدرجة الأولى تفتقد فيها الفئات التي تطلق على نفسها المعارضة أي أخلاقيات سياسية ومهنية بل إنسانية، فلأن سياق الأحداث اللاأخلاقية سواء في السلمانية أو الجامعة أو المدارس، أو حوادث الإرهاب التي سبقت إخلاء الدوار المرة الثانية وقبل إعلان السلامة الوطنية من دوس رجل الأمن وضرب الطالب الجامعي بوحشية كادت توصله إلى الموت وقطع لسان المؤذن، إلى غير ذلك، وتسييس التعليم والمهن والوظائف والنقابات، واستخدام شعارات الموت والترحيل والحسين واليزيد، كلها كانت تدل على افتقار هذه الفئات إلى أي درجة من السياق الأخلاقي، وخاصة أنها كانت تولول في الفضائيات، وفي المنظمات بكل ما استطاعت سرده من أكاذيب وفبركات بالمظلومية، فأي جلد سميك هنا؟

×الصمت المطبق الذي خيم على الجمعيتين بعد انفضاح أمر (البرقية) دليل عدم القدرة على إنكار ما تم نسبه إلى دبلوماسي كبير للإدارة الأمريكية حول واقعة التزوير في انتخابات العمال من جانب الوفاق ووعد، وهذا ما يجعل من وصف المطالبة بحكومة إنسانية وضعا ميلودراميا يثير الضحك والسخط في آن لكأن هناك حكومات حيوانية وحكومات إنسانية والأخيرة ميزتها للتذكير وجوب وجود المزورين والكاذبين على رأسها كما يريدون.

أي إسفاف سياسي وتلون لا أخلاقي أصيب بهما هؤلاء كأنهم يتحدثون في مستشفى للمجانين، ويعتقدون أنهم وحدهم بالكلمات قادرون على الضحك على الناس، وبقليل من المصطلحات المموهة يغطون بها على الوقائع.

×ولأننا هنا لا نناقش ما يعرفه الجميع من أزمات البنية الفكرية والسياسية سواء للوفاق (ما بين ادعاءات المدنية وحقيقتها الثيوقراطية) أو لجمعية "وعد" التي يكفي أن يقال فيها انها نسفت كل تاريخ الجبهة الشعبية وتحولت إلى يسار طائفي أو رجعي حسب وصف البعض، فاننا فقط نطرح مسألة أبسط من كل ذلك وهي المصداقية بين الادعاء والشعارات والمصطلحات وبين الممارسة، أو بين القول والفعل، وحجم الكارثة الأخلاقية ذاتيا حين يتم ترديد أسطوانة محاربة الفساد والادعاء بالنزاهة وسوق التهم لكل من يخالفهم، وهم أنفسهم من يمارس كل ما يدعون محاربته، وهم أنفسهم يفتقدون أبسط سياق الأخلاقيات التي يطالبون بأكبرها في غيرهم.

×أحيانا ينتاب المرء الذهول بين سماع ما يقولون ويصرحون وبين ما ينكشف عنهم، وإذا كانوا قادرين سابقا على تكذيب من ينتقدهم في الداخل ممن يكشف حجم أزمتهم الشاملة فانهم تجدهم اليوم عاجزين عن النطق أمام وثائق تتسرب من الإدارة الأمريكية وتنشرها "الويكيليكس" ليتحولوا معها إلى أمثولة القرود الثلاثة وحكايتهم المعروفة، هل هو كذب؟ هل هو نفاق؟ هل هو تقية؟ هل هو فقط تزوير اخزاهم الله سبحانه وتعالى في انفضاحه بعد ان تاجروا في العمال أكبر متاجرة أم هناك ما هو أكثر بكثير؟ فإذا بهم وهم من يختطف أصوات العمال ويزور في انتخاباتهم ليوزع المناصب في نقاباتهم على أعوانهم وأعضاء جمعياتهم؟ أي خذلان وأي عار؟ وأي بجاحة حين يريد هؤلاء أن يشاركوا في حكومة تدير كل شيء في هذا البلد؟ كيف وهم يزورون فيما هو أقل من ادارة بلد بأكمله؟ وهل يأمن أحد لهؤلاء؟

على الأقل ونحن في شهر التوبة ألن نرى أحدا منهم يعترف بذنوبه مرة واحدة تجاه هذا الوطن ويتوب ويطلب المغفرة من ربه ومن شعبه؟ لا نظن.











.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة