الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٥٠ - الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ رمضان ١٤٣٣ هـ

الاسلامي

الصيام وتربية المسلم على الرحمة







ما أجمل قيمة الرحمة حينما تسود في جنبات المجتمع! وما أجمل القلب الرحيم ! وما أجمل الصيام حين يشيع هذا الخلق الرفيع في المجتمع الإنساني! وأجمل بالصيام من شعيرة! يقول المعصوم محمد (صلى الله عليه وسلم) (لو تعلم أمتي ما في رمضان من خير لتمنوا السنة كلها رمضان).

والصيام من أهم العبادات التي تشيع الرحمة في المجتمع المسلم بل في المجتمع الإنساني بوجه عام.. ذلك أن الصيام الإسلامي يشعر الغني بألم حرمان الفقير؛ لأن الصائم إذا ذاق ألم الجوع أحس بحال الفقراء، رحمهم وأعطاهم ما يسدون به جوعهم وخلتهم، إذ ليس الخبر كالمعاينة، ولا يعلم الراكب مشقة الراجل - أي الماشي على رجليه- إلا إذا ترجل أي ذاق ألم المشي.. وهذا سيدنا عبدالله بن المبارك (رضي الله عنه) الذي كان رجلا مباركا تعلم الرحمة بمعناها الشامل من مدرسة الصيام.. وكان يحج عامًا ويجاهد في سبيل الله -عز وجل- عامًا آخر، فخرج ذات عام لأداء الحج، فوجد امرأة تلتقط دجاجة ميتة من على الأرض، فسألها: لماذا تفعلين هذا يا أمة الله ؟ فقالت له: دعك عني أيها الرجل، إنَّ لله في خلقة شئونًا.. فأصرَّ إبن المبارك على أن يعرف قصةَ هذه المرأة، فأخبرته بأنها أم لأربع بنات يتيمات، ولا يوجد عندها ما تطعم به بناتها، وأنها مضطرة لطهي الدجاجة الميتة، والله سبحانه وتعالى يقول: "فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (المائدة: ٣).

وقد أحل الله تعالى لنا أكل الميتة؛ لأننا في هذه الحالة مضطرون، فأعطاها عبدالله - رحمة بها وبأولادها- ما معه من مال ورجع من فوره إلى بلدته ولم يذهب لأداء الحج في هذا العام.

وبعد انتهاء موسم الحج جاء إليه الناس يهنئونه بدروسه القيمة التي كان يلقيها في الحج التي كانوا يسمعونها منه هناك ـ وهو لم يذهب ـ فتعجب ابن المبارك من ذلك كيف يسمعونه وهو لم يذهب أصلاً؟

فنام فرأى في منامه الرسولَ (صلى الله عليه وسلم) يقول له: أكرمك الله كما أكرمت أمَّ اليتامى.. يا عبدالله: إنَّ الله كتب لكل حاجٍ حجةً واحدةً وكتب لك سبعين حجة لإكرامك اليتامى.

إن من أهم الدروس التي يجب علينا أن نزرعها في قلوبنا وقلوب أبنائنا من خلال الصيام خلق الرحمة.. فالقلب الرحيم له مكانة عظيمة عند الله تعالى وعند الناس بل عند سائر الخلق.. فما أحوجنا إلى ذلك!

وهكذا فالصيام يحقق التكافل الاجتماعي والرحمة في ربوع الأرض، كما يحقق الأمن القومي للمجتمع، إذ الغني يعطف على الفقير ويحنو عليه، فيزول الحقد والحسد من قلب الفقير، ويُشعر الفقير بالعزة والكرامة والفخار؛ لأن له حقا معلوما في مال الغني ـ وليس منة أو تفضلا- فيحرس أموال الأغنياء ويدافع * الباحث والمحاضر - المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية

moc.oohay@٩٩٩namilosdemha













.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة