الصائم وكف الجوارح عن القبائح (١)
 تاريخ النشر : الخميس ٢ أغسطس ٢٠١٢
بقلم:عبدالسلام محمد وحيد عمري
صحيح أن معنى الصيام الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ولكن ينبغي للصائم أنه كما يمسك الجوارح عن المفطرات فإنه يمسكها كذلك عن الوقوع فيما حرم الله؛ فيحفظ العين من النظر إلى ما حرم الله لأن النار من مستصغر الشرر ولله در القائل:
كل الحوادث مبدؤها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
قال الامام ابن القيم: "أمر الله تعالى نبيه ان يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم، وأن يعلمهم أنه مشاهد لأعمالهم مطلع عليها: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" (غافر: ١٩)، ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر جعل الأمر بغضه مقدما على حفظ الفرج، فإن كل الحوادث مبدؤها من النظر، كما ان معظم النار من مستصغر الشرر، تكون نظرة.. ثم خطرة.. ثم خطوة.. ثم خطيئة، ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربع أحرز دينه: اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات. قال: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الانسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ما بعده".
ويحفظ الاذن من سماع اللغو الباطل والتنصت والتحسس والتجسس، ويحفظ اللسان من الكذب والغيبة والزور والبهتان والإثم والعدوان.
إن الصائم الذي يمتنع عن الطعام والشراب والشهوة فقط ثم يترك العنان لجوارحه تقع فيما حرم فنقول لهذا وأمثاله: ليس لكم من الصيام إلا الجوع والعطش، فأفيقوا من غفلتكم وتحرروا من لحظات الضعف أمام النفس والشيطان والهوى، ووطنوا مراقبة الله في أنفسكم وسركم وجهركم، لا تضيعوا رصيد حسناتكم الذي جمعتموه من صالح أعمالكم، داوموا على الطاعة والإحسان وحافظوا على توجيهات الاسلام وراقبوا الملك العلام واعلموا أن الناقد بصير وأنه حي لا يغيب، سبحانه أخبر عن ذاته فقال سبحانه: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور" (غافر: ١٩).
قال ابن عبدالسلام في تفسيره: (خائنة الأعين) الرمز بالعين، أو النظرة بعد النظرة أو مسارقة النظر، أو النظر إلى ما نهى عنه، أو قوله: رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى، سماها خائنة لخفائها كالخيانة، أو لأن استراق نظر المحظور خيانة. "وما تخفي الصدور" الوسوسة، أو ما تضمره إذا قدرت عليها تزني بها أم لا، أو ما يسره من أمانة وخيانة وعبر عن القلوب بالصدور لأنها مواضعها.
قال أبوالعتاهية:
إذا ما خلوت، الدهر، يوما، فلا تقل
خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهونا، لعمر الله، حتى تتابعت
ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى
ويأذن في توباتنا فنتوب
ولله در القائل: إذا ما خلوت بريبة في ظلمة
والنفس داعية إلى العصيان
فاستح من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني
ويقول رب العزة: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" (ق: ١٦)، قال العلامة السعدي: "يخبر تعالى، أنه المتفرد بخلق جنس الإنسان، ذكورهم وإناثهم، وأنه يعلم أحواله، وما يسره، ويوسوس في صدره وأنه أقرب إليه من حبل الوريد، الذي هو أقرب شيء إلى الإنسان، وهو العرق المكتنف لثغرة النحر، وهذا مما يدعو الإنسان إلى مراقبة خالقه، المطلع على ضميره وباطنه، القريب منه في جميع أحواله، فيستحيي منه أن يراه، حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره"، فإذا صان المسلم جوارحه عن الآثام فقد تم صومه وضوعف أجره، وأنعم الله عليه بالجنة في الآخرة.
.
مقالات أخرى...
- قصة الأمان الباقي للمسلمين في الدنيا - (2 أغسطس 2012)
- أخلاق منجية: العِزَّة من رسوخ اليقين وقوة الدين - (2 أغسطس 2012)
- الصيام وتربية المسلم على الرحمة - (2 أغسطس 2012)
- فيوضات الفائزون في رمضان - (2 أغسطس 2012)
- فوائد القصص القرآني - (1 أغسطس 2012)
- أخلاق منجية: الطمأنينة من أسباب السعادة ودليل صحة الدين - (1 أغسطس 2012)
- الصيام والتكامل الاجتماعي - (1 أغسطس 2012)
- الشباب والقدوة أبو بكر الرازي (١) - (1 أغسطس 2012)
- الصلاة في الشرائع القديمة - (1 أغسطس 2012)